تلك الهجولة الكلامية التي تشبه هجولة الثيران العمياء لمثقفين لا حصر لهم بهدف اصطياد ما هو شديد الوضوح من أقبية غامضة، وذلك الضجيج المرتفع لعام وبعض العام من محاولات أقلام كثيرة للاسترخاء فوق معجزة لوضع تعريف لـ ” داعش” بمثابة التعبير الأسمي لضحالة عقول أعلب الناطقين بلغة “قريش”، حصيلة كل هذا الحبر المراق في النهاية جعلت من ” داعش ” لغزاً مغلقاً علي ذاته مثله مثل البيضة، وقائماً بذاته في الوقت نفسه، وهذا غير صحيح تماماً، ولا علاقة له بكل ما وصل إلينا في التاريخ عن القبح ..

إن مشكلتنا الرئيسية هي أننا نتعامل مع الماضي علي أنه مجرد دوائر قد اكتملت وأصبحت خلفنا، وهذا تصور خاطئ، فالزمن ليس دائرياً بحيث تكون كل لحظة مغلقة علي ذاتها، لكنه شئ منبسط، لذلك، من المؤكد أن لكل لحظة امتداداتها الخاصة للتأثير فيما وراءها من الأمام ومن الخلف ومن كل جانب، وإلي ما لا نهاية ..

و الآن، ما هي” داعش”؟

ليست ” الدولة الإسلامية في العراق والشام ” طبعاً، إنما، هي مجرد تطبيق إلكتروني يدار عن بعد صممت واجهته، بتمويل خليجيِّ، أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية، بالإشتراك مع الموساد بطبيعة الحال، للقضاء علي نفوذ “مجالس الصحوة” في العراق بعد أن تآكل دورها المرحليُّ كحليف سابق، صنع في “أمريكا” أيضاً، تماماً كـ “تنظيم القاعدة” في وقت سابق، بعدما خرجت عن السيطرة أو كادت، كما فعل “تنظيم القاعدة” تماماً، هذا أولا، ثانياً، وهذا هو الأهم، لاستخدامه، في الوقت المناسب، كذريعة مقنعة للمضي قدماً في تصميم خارطة الشرق الأوسط الجديد، ذلك المصطلح الذي تنبض به كل أدبيات الغرب السياسي تقريباً في العقد الأخير!

ليست “إيران” هي الهدف البعيد كما يظن قادة البدو الذين ينفقون أموال قطيعهم بإفراط للتخلص من المشنقة الشيعية حول جغرافيا الخليج، حول جغرافيا ” السعودية” و “البحرين” و “الامارات” علي وجه الخصوص!

كذلك، ليست “سوريا” هي الهدف، ولا “مصر” بطبيعة الحال، إنما الهدف هو كل هذه الدول إلي مدي بعيد، بالإضافة إلي كل كيانات الخليج القبلية إلي مدي أبعد!

إن “اسرائيل” لا يمكن أن تتجاهل إلي الأبد نداءات أرواح الآباء الأوائل من يهود “يثرب”، ولا ثأر “سلام بن مشكم” و “سلام بن أبي الحقيق” و “حيي بن أخطب “، من تسول له نفسه بتجاوز هذه الحقيقة، فهو لا يدرك أبداً مدي ارتفاع تراكمات “الجيتو” في صدور اليهود، ولا مدي تعبيرات ” الجيتو” في ملامحهم!

“داعش”، أخيراً، هي مجرد معادلة سياسية = (1.618) × داحس ÷ الرجل الفيتروفي!

لا أمزح والله، كما أن هذه ليست كذبة، هذا إذا أردت أنت أن تصدقها، و تبديداً لسوء الفهم، و لكي أحرضك علي تصديقها في الوقت نفسه، سأفسر لك هذه المعادلة باختصار علي قد المستطاع ..

أ – (1.618)

هذه هي النسبة المقدسة، أو، النسبة الإلهية، أو، النسبة الذهبية، أو، الرقم الروحي، هي كل هذه المسميات، وهي أيضاً (فاي)، ولقد منحها العالم الفلكي الشهير “كبلر” لقب “الكنز العظيم”!

لقد انتبه العالم إلي هذه النسبة في القرون الوسطي بفضل متتالية ” فيبوناتشي “، أو، عالم الرياضيات الإيطالي ” ليوناردو دا بيزا”، نسبة إلى مدينة “بيزا” الإيطالية، الطريف في أمر هذه المتتالية أن “فيبوناتشي” قد اكتشف هذه المتتالية تحت ضغط حاجة “ايطاليا” في ذلك الوقت لدراسة تكاثر الأرانب، وهذه هي المتتالية : ( 1-1-2-3-5-8-13-21… إلخ) ..

فكرة المتتالية شديدة البساطة، وهي أن كل رقم يساوي مجموع الرقمين السابقين، لكن المذهل في هذه المتتالية هو أنه عند قسمة أي رقمين متعاقبين فإن ناتج القسمة لابد أن يساوي دائماً (1.618)!

للمتتالية نفسها جذور هندية، كان الهنود يظنون أنها أرقام سحرية يمكن من خلالها التنبؤ بأحداث كونية تتعلق بالمستقبل، لكنها، قبل ظهور ” فيبوناتشي” علي السطح، لم تستطع أن توقظ الدهشة التي أيقظها اكتشافه في كل مكان ذلك الغموض الذي يحيط بالنسبة المقدسة (1.618)، وهو في الحقيقة غموض يستحق الدهشة، فهي موجودة في كل ما حولنا، وهذه بعض الأمثلة القليلة من شلالات لا تنتهي من الأمثلة :

أنت، مثلاً، متي قمت بقياس المسافة من قمة رأسك إلى الأرض، والمسافة من سرتك إلى الأرض وقمت بقسمة العددين سوف يكون الناتج حتماً = (1.618)، أيضاً، متي قمت بقياس المسافة بين كتفيك وأطراف أصابعك ثم قسمت الناتج على المسافة بين كوعك وأطراف أصابعك ستحصل علي نفس النسبة المقدسة!

اكتشف البيولوجيون حقيقة مؤكدة تتعلق بمجتمعات النحل، وهي أن عدد الإناث في كلِّ خلية، وأيِّ خلية، حتماً، أكبر من عدد الذكور بنسبة ثابتة، هي طبعاً، (1.618)!

علماء النبات بدورهم، اكتشفوا أن بذور “عباد الشمس” تنمو بشكل لولبي وبنفس هذه النسبة الذهبية!

أيضاً، أنسب شكل للمستطيل هو ما يكون طوله يتناسب مع عرضه بنفس النسبة (1.618)!

المسافة بين بعد المجموعة الشمسية عن حافة المجرة وبعدها عن مركز المجرة عند قسمة العددين سيكون الناتج هو “فاي”، النسبة المقدسة!

كذلك، عند رسم نجمة خماسية فإن الخطوط سوف تقسم نفسها تلقائياً إلى أجزاء وفق النسبة المقدسة!

كما أن هذه النسبة موجودة بوضوح أكثر مما ينبغي في الشكل الرياضي لشريط الحامض النووي الرايبوزي (DNA)، وفي تسلل نبضات القلب، وفي الموسيقي أيضاً، حتي أن السُلَّم الموسيقي تم تأسيسه حسب هذه النسبة الغامضة، كما تظهر هذه النسبة في البني النظامية لسيمفونيات “بيتهوفن” وسوناتات ” موزارت” و “بارتوك” وموسيقيين كثر غيرهم، بالإضافة إلي أن صانع الكمان الإيطالي “ستراديفاريوس”، مع نهاية القرن الـ “17”، قد استخدم هذا الرقم المقدس لحساب الموضع الصحيح للفتحات التي تأخذ الشكل (f) في صنع كماناته ذائعة الصيت!

وفي القرن العشرين، أصبحت هذه النسبة تستخدم بكثافة في تحليل الأسواق المالية وأسواق العملات والمعادن، بل، هي من أهم الأدوات المستخدمة في التحليل الفني لتلك الأسواق، فعندما تتجه أسعار الأوراق المالية أو العملات أو المعادن لتصويب مسارها، بمعنى أن تنخفض بعد اتجاه صاعد، أو ترتفع بعد هبوط حاد، يقوم المحللون لتلك الأسواق بحساب نسب ارتدادات الأسعار، وفق استراتيجيات مثل ارتداد “فيبوناتشي”، وتلك النسب كلها مشتقة من النسبة المقدسة (فاي)!

في القرن العشرين، أيضاً، روعي عند بناء مبنى الأمم المتحدة في “نيويورك” أن يكون التصميم وفق تلك النسبة الغامضة، حدث هذا بالنسبة إلي بطاقات الائتمان أيضاً، نفس الشئ حدث بالنسبة للعديد من المواقع الالكترونية، وأشهر هذه المواقع علي الاطلاق هو موقع “تويتر”، فواجهة ” تويتر” روعي في تصميمها أن تكون وفق الرقم المقدس (1.618)!

المدهش أن المصريين القدماء قد فطنوا إلي هذه النسبة واستخدمها مهندسو هرم ” خوفو” أثناء البناء حوالي عام ” 2800 ” قبل الميلاد، كما استخدم هذه النسبة نحات تمثال “نفرتيتي” الشهير، ربما، لهذا السبب، كان هذا التمثال المذهل أحد أهم مقتنيات “هتلر”!

الإغريق، أيضاً، انتبهوا إلي غموض هذه النسبة واستخدموها في بناء هيكل ” البارثينون” بمدينة “أثينا”، وهو “أكروبوليس أثينـا” أيضاً في القرن الـ ” 15″ قبل الميلاد، وعلي الرغم من ريادة قدماء المصريين في هذا السياق، تواطأ العالم علي اعتماد الحرف الإغريقي “فاي” عند كتابة هذه النسبة، تكريماً للنحات الإغريقي ” فيدياس” الذي قام بتزيين “البارثينون”!

لهذه النسبة المقدسة أيضاً نبض أكيد في تصميم جامع “القيروان” الكبير، أو مسجد “عقبة بن نافع” في “تونس”، وقصر “تاج محل” في “الهند”!

أود قبل أن أنسي أن أقول : كانت هذه النسبة أحد الأحجار التي بني عليها “دان براون” روايته ذائعة الصيت ” شيفرة دافنشي”!

لكن المهم، وما أريد أن أنتهكه بهذا الكلام هو أن “أمريكا” منذ عقدٍ وبعض العقد تراعي أن تكون السياسة الأمريكية في التعاطي مع كل القضايا الجوهرية داخل حدودها، وخارجها، وفق النسبة المقدسة (فاي)!

كيف؟

لقد أدركت “أمريكا” أن الدخول المباشر في مواجهة مسلحة لابد أن ينجم عنه مرور حتمي تحت أقواس الخسائر، حتي المنتصر لا يسلم من تجربته ..

ولقد أدركت أن الوصول إلي أقصر ممرات الدفاع الأفضل لا يتحقق إلا باعتبار الزمن ليس دائرياً، وليس مغلقاً علي ذاته، لذلك، هي لا تفصص مظان الخطر كلّاً علي حدة، لتتعامل معها دون أن تزن المجازفات وتراقب العواقب بنفس الطريقة، إنما، هي تضع كل الكيانات الجغرافية المتهمة بالخطر علي مصالحها واستراتيجياتها بعيدة المدي في سلة واحدة، تحت السيطرة، ثم، هي، تدخل هذه السلة في اختبارات متعاقبة، تحت ظروف سياسية معايرة بعناية شديدة جداً تولد بالعمل من بعيد علي تربية العوائق والتحديات والصراعات الصغيرة المرشحة للانفجار، وهنا، لابد من تأثيرات متبادلة تحدث وتأثرات، طبقاً لنظرية الفوضي، بمعني أن انفجار في مدينة “النجف” العراقية مثلاً سوف يكون له أصداءٌ في مدينة “القاهرة”، هذه الامتدادات لابد أن تؤدي في النهاية إلي أن يدمر كل كيان نفسه بنفسه تلقائياً، أو يركع، أو يصبح أقل خشونة تدريجياً تجاه الإملاءات الأمريكية علي أقل تقدير، كل هذا يحدث حسب النسبة الذهبية، (فاي) ..

سوف ننتهك الخلفية التي ولدت من خلالها “داعش” بتأمل التوقيت الذي أعلنت فيه جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة ميلاد “داعش”، أبريل “2013”، نفس التوقيت الذي قالت فيه السفيرة الأمريكية “آن باترسون” لـ “د.مرسي” عندما طلب منها التدخل للصلح بينه وبين (جبهة الإنقاذ) :

– جمهورك الوحيد هو “السيسي”!

إن زمن الأحداث الارتجالية الكبيرة قد ولي وانتهي!

والآن ..

ب – داحس

أشبه الأسماء بـ “داعش”، بالنسبة لي علي الأقل، وعندما سمعت، للمرة الأولي، في ربيع العام (2013)، اسم “داعش”، طفا اسم “داحس” علي سطح ذاكرتي، وفوراً!

و ” داحس” اسم فرس كان لـ “قيس بن زهير بن جذيمة العبسي”، الابن الأكبر لـ” الملك زهير”، الرجل الذي لابد يعرفه كل من شاهد فيلم ” عنترة بن شداد”، لا أتذكر اسم الممثل الذي لعب هذا الدور الآن، كل ما أنا متأكد منه فقط أنه ليس ” فردوس محمد”!

إلي حادثة كان هذا الفرس شاهداً عليها، أو كان أحد أطرافها تحديداً، تنخفض علة حرب من أشهر حروب العرب المفصلية في الجاهلية علي الاطلاق، وقعت بين ” ابني بغيض بن ريث بن غطفان”، وهما قبيلتي “عبس” و ” ذبيان”، وهي حرب ” داحس والغبراء”، وفي ذلك قال “زهير بن أبي سلمي”، يمدح “الحارث بن عوف” و “هرم بن سنان” المُرِّيين، الرجلين اللذين سعيا في الصلح بين القبيلتين حتي وضعا حداً لتلك الحرب، من معلقته الشهيرة، تجاوزا لأصابع ” حماد الراوية” أقول معلقته، فالمعلقات كذبة عربية مشهورة من صنع “حماد”، يقول:

تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا / تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ

وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعـاً / بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَـمِ

و “منشم” اسم امرأة تبيع العطر، كانوا يتطيرون من عطرها، أقول هذا في غفلة من عقلي أيضاً، فأنا لا اصدق هذا الكلام ..

لقد اشتعلت الشرارة الأولي لتلك الحرب بسبب سباق بين فرسين، “داحس” لـ “قيس بن زهير العبسي”، و “الغبراء” مهرة لـ “حمل بن بدر الذبيانى” ..

كان الرجلان قد اتفقا على رهان قدره “100” بعير، كما اتفقا أن تكون مسافة السباق “100” غلوة، ومدة إعداد الفرسين للسباق “40” يوماً، بانتهاء هذه المدة، وحلول موعد السباق قيد الفرسان إلى موضع الانطلاق، في ذلك الوقت، كانت أرض الجزيرة العربية علي موعد مع ثورةٍ عارمة لعطر ” منشم” سوف تدق أجراسها في كل مكان ..

كان “حمل بن بدر”، مالك “الغبراء”، قد جهز كميناً من بعض فتيان قبيلته وراء بعض التلال على طول ممرات السباق، وكان قد أمرهم بالوثوب بوجه “داحس” متي جاء سابقاً ليجفل وينحرف عن الطريق الصحيح فتربح “الغبراء” المقدمة، وهذا، تماماً، هو ما قد حدث، وانكشفت المؤامرة، وقضي المحكمون بالفوز لـ “داحس”، وطلبوا من “حمل بن بدر” أن يعطي الرهان لـ ” قيس”، وحدث، لكن المشهد تطور فجأة بعصبية شديدة، لقد شتم ” بدر بن حذيفة بن بدر”، بعد اتهامات متبادلة بينه وبين عمه “حمل بن بدر”، سيد عبس”قيس بن زهير”، فقتله الأخير برمحه، مع هذا، كانت السيطرة علي ناصية الموقف حتي هذه اللحظة ممكنة، اتسع الخرق علي الراتق فقط عندما قتل “حذيفة بن بدر” ثأراً لابنه ” مالك بن زهير العبسي”، وفي ذلك يقول “عنترة بن شداد” :

فللَّه عيناً من رأى مثل مالكٍ / عقيرة قوم ٍ إن جري فرسان

فليتهما لم يجريا قيد غلـوةٍ / و ليتهما لم يرسـلا لرهـان ِ

قصة هذه الحرب قصة طويلة جرت في متون الألم، لكن، هناك نجومٌ تولد من رحم الحرب أيضاً، وجمال ينجم عن تفاصيلها، وأكاذيب تاريخية أيضاً، وأجراس تدق لترشد المؤجلين إلي رائحة الخطر، كيف؟..

لقد كانت هذه الحرب هي السبب المباشر في أن يسكن ردهات التاريخ رجلان لولا اشتعال تلك الحرب لتجاوزهما التاريخ دون أن يلتفت إليهما، كملايين غيرهما، في كل زمان وكل مكان، ” الحارث بن عوف” و “هَرِم بن سنان” المريين!

كذلك، في يوم “المريقب”، أحد أيام تلك الحرب، لمع نجم “عنترة بن شداد” لأول مرة، وملأ اسمه الجزيرة العربية وشغل الناس، وحتي يومنا هذا!

أيضاً، كتعقيب مباشر علي حرب “داحس والغبراء” ولد نجم الشاعر “زهير بن أبي سلمي” وتناثر غباره علي كل شبر في أرض الجزيرة وما حولها، وولدت أعظم قصائده علي الإطلاق، وهي، تجاوزاً، معلقة “زهير بن أبي سلمي”، وتبدأ بهذا البيت :

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ / بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ ..

كل هذا ثري، لكن، هناك كذبة سينمائية تتعلق بتلك الحرب كأكاذيب سينمائية متعمدة لا تحصي تتعلق بأسرة “محمد علي”، بل جرائم تاريخية!

لابد أن كل سكان الوطن -الذي كاللا وطن-، ذلك الممتد من المحيط إلي الخليج الفارسي شاهدوا فيلم “عنترة بن شداد”، لابد أيضاً أنهم يحتفظون بالصورة الذهنية التي اقترحها الفيلم لـ “عمارة الزيادي” الذي جسد شخصيته الفنان “نور الدمرداش”، ذلك الشاب الرقيع “النايتي” الذي يردد عند كل ظهور له علي الشاشة، وعلي طول الفيلم وعرضه تلك اللازمة السخيفة “هات العطر يا ولد”، هل تذكرته الآن؟، انس الآن كل ما تذكرته، وإليك مني هذه الصدمة الميسرة ..

لقد كان “عمارة بن زياد”، ذاك الرقيع الذي تحتفظ بصورته الذهنية، أحد أبطال العرب المشهورين، وأحد أبطال حرب “داحس والغبراء” المعدودين، وكان دوره فيها يلمع كالسيف، وكان شقيقاً لخمس من الإخوة تعارفت الجزيرة العربية كلها علي تلقيبهم بـ “الكملة”، لكمال أخلاقهم وصفاتهم، هل تشعر الآن بالخجل؟، آسف ..

تعقيب ضروري..

كانت حرب “داحس والغبراء” هي الممر الملكيُّ إلي حرب “شِعْب جبلة”، آخر الحروب الكبيرة التي دارت رحاها علي أرض العرب قبل التغيير الشامل، والجذري، والحاسم الذي أحدثه ظهور الإسلام، وكان مقتل “زهير بن جذيمة العبسي” هو السبب المباشر لنشوب كلا الحربين، كل الذين يتوقفون عند الجذور يدركون هذه الحقيقة!

وبهذه المناسبة، أوقع هنا اعتقاداً أو نبوءة ..

متي بدأت الحرب علي “داعش”، سوف لا تذهب “داعش” إلي الجحيم قبل أن تستقيم خطوط وتنحني خطوط وتزول خطوط أخري تماماً من الخريطة الجيو سياسية للأرض الناطقة بالعربية، لا أقول الوطن العربي، فهذه شائعة لا أساس لها من الصحة!

والآن،

ج – الرجل الفيتروفي

هي لوحة فنية ولدت عام “1492” علي أصابع ذلك الكوسموبوليتاني السابق لأوانه “ليوناردو دافنشي”، أحد الذين رفضوا أن يموتوا قبل أن يتركوا العالم أجمل مما كان عليه قبل ميلادهم!

اللوحة تحتوي علي نص خطي مكتوب بطريقة المرآة، هذا يعني أن “دافنشي” كتبه، لسبب ما، معكوساً، لا يقرأ إلا من خلال انعكاسه علي أسطح المرايا ..

واللوحة مزدحمة بالرموز المضمنة، كمعظم ما أبدعت أصابع “دافنشي”، وهي تعكس، قبل كل شئ، وأكثر مما ينبغي، درايته الكاملة بعلم التشريح، وليس هذا غريباً، لقد كان نبش القبور واستخراج الجثث منها ليعكف بعد ذلك علي دراسة متأنية لنسب جسم الإنسان إحدي عاداته الشهيرة، وهو أول من أثبت بالتجربة أن جسم الإنسان يتكون من كُتل بناء نسبها تساوي دائما النسبة الذهبية “فاي”، “1.618”، وهذه هي النسبة التي اعتمدها في رسم “الرجل الفيتروفي”، تماماً كما فعل في لوحة ” الموناليزا”، أكبر أعماله استحقاقاً لفخره علي الإطلاق، ولوحة ” العشاء الأخير” أيضاً، بالإضافة إلي أنه اهتم بشكل خاص بإبراز كتاب يوضح الخصائص الرياضية المذهلة للرقم الذهبي “فاي”، هذا الكتاب يسمي “”De divina proportio، أو “التناسب الإلهي”، كانت أصابع كاهن إيطالي يسمي “فرا لوكا باشيولي” تقف وراء تأليف هذا الكتاب..

لكن النص المرفق يؤكد، لسبب ما، أن “دافنشي” قام برسم هذه اللوحة تطبيقا لنظرية المهندس اليوناني القديم “فيتروفيوس”، ومن هنا جاء اسم اللوحة، وهي نظرية تكاد تكون صحيحة، لكن النص المكتوب كان مضللاً بعض الشئ، هذه أيضاً كانت إحدي عادات “دافنشي”!

واللوحة، في النهاية، هي تطابق وضعيتين لرجل عاري – أو رجلين كما اعتقد – داخل إطارين، أحدهما مربع، والآخر دائري، بعض الذين حاولوا قرأءة اللوحة اعتبروا أن الإطار المربع يرمز للمادة، بينما يرمز الإطار الدائري للروح، هؤلاء تناسوا أن أعمال أي فنان لابد أن تكون انعكاساً لشخصيته، أو علي أقل تقدير تشبهه، وهنا، لتتضح الصورة، يجب أن أفشي بعض الحقائق المؤكدة عن شخصية “ليوناردو دافنشي” ..

“دافنشي” كان أحد الماسونيين الأوائل، بل كان قطباً من أقطاب الماسونية، وكان عضواً بارزاً في جمعيات سرية لا تقيم لخرافات الكنيسة وزناً، وتخاف من بطشها في نفس الوقت، لذلك، ازدحمت أعماله بالرموز حتي أننا يجب ألا نستبعد عند النظر إلي أيٍّ من لوحاته أن الأضواء المبعثرة علي الحواف ربما تنبض ببعض الرموز، كذلك الظلال والخطوط!

و “دافنشي” وضع عن عمد وجهه هو نفسه في وجه “الموناليزا”، نعم، وجه “الموناليزا” هو وجه “دافنشي”، هذا الاعتقاد أصبح الآن في حكم المؤكد ..

و “دافنشي”، وهذا هو الأهم، كان مثلياً بإفراط، يقدس اللواط ويعتبره لوناً من ألوان العبادة، ويفضل ارتداء الملابس النسائية، وهذا البعد من بين أبعاد شخصيته الكثيرة جداً هو ما خلده في لوحة “الرجل الفيتروفي”، ذلك إن كثيرين قبله وكثيرين بعده قد اهتموا بالرقم المقدس، مثل، “بييرو ديلاّ فرانشيسكا” و “مايكل أنجلو” و “ألبريخت دورر” و “سلفادور دالي” و “موندرين”، لكن أحداً من كل هؤلاء لم يصل اهتمامه إلي مرحلة الهوس بهذا الرقم كما فعل هو!

ما علاقة هذه اللوحة بـ “داعش”؟

“أمريكا” أيضاً، تلك اللوحة البشرية المزدحمة بالرموز، تلعب الآن دور “الرجل الفيتروفي” الموجب، ذلك الذي يقف دائماً في المربع الآمن، كالمادة، تقف في الخلف، فهي لا تحب الوقوف في الدوائر، لأن الوقوف بها يعني المراوحة في نفس المكان، ولا تحب الوقوف في الخطوط الأمامية لأنه مكلف، وما دام الأمر هكذا، فلابد من مفعول به، و ما أكثر – الذين كالرجال – السلبيين الواقفين الآن في دوائر، أرواح هشة تبجل اللواط عن طيب خاطر، فرحين بما يظنون أنها المقدمة ..

شرق أوسط جديد، حر، أبيض، هذا فقط هو النصف الممتلئ من كوب “داعش”، فلقد آن للمخنثين ذوي القلوب السوداء أن يتنحوا عن موكب البياض الكوني!

أشهد أني سئمت وجوههم، لذلك، أجدني بحاجة شديدة الآن، وأكثر من أي وقت مضي، إلي أن أسمع أجراس عطر “منشم” المذعورة تدق في كل شبر من المحيط إلي الخليج الفارسي ..

أترككم الآن مع هذا المثل الفرنسي الشهير، وأطمع أن تتردد في أذهانكم أصداءه الصحيحة :

“الانتقام طبقٌ يؤكل بارداً” ..

محمد رفعت الدومي

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *