بقلم الدكتور ماهر الجعبري

لقد فتحت شبكة الإنترنت أبواب الحقيقة التي كان الحكام يغلقونها بإحكام، وصار بإمكان الإنسان البسيط أن يتابع ما يجري في أصغر حي من أحياء قرية تائهة في أطراف الأرض، إذ أن شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات وحاضنات المقاطع المصوّرة من مثل اليوتيوب، تبث ما لا تبثه الفضائيات، وصار بإمكان شاب يحمل جهاز اتصال محمول أن ينتج “تقريرا إعلاميا” ويبثه في تلك المواقع من خلال مقهى إنترنت بتكلفة لا تتجاور الدينار الواحد، فيفضح تعتيم الفضائيات التي تصرف ملايين الدولارات لتمرير أجنداتها.
هذا الواقع ينطبق اليوم بشكل صارخ على ما يجري في تونس من “كتم” لصوت الخلافة، ومن حذف للمشاهد ذات الصلة في المسيرات عبر شوارع تونس من التقارير التي تبثها الفضائيات، ولا يحدث أن يتسرب (ولو صدفه!) شعار واحد من تلك الشعارات التي تصرخ بها حناجر المسلمين هناك، وقد بحت وهي تعلي الصوت عاليا ضد الظلم والجور وتوجّه الناس نحو الحل الجذري، وتحذرهم من إجراءات “المكياج” التي يجريها الساسة القدامى المتجددون.
وهنا تكفي جولة سريعة في بعض المنتديات وفي اليوتيوب لتُسمع الأصمَّ صوت الخلافة من قلب العاصمة التونسية والحشود تنشد باللهجة التونسية (وهي تشدد على الراء): “لا مفر … لا مفر …. الخلافة هي الحل”. بل وقد يتفاجأ من يحاول البحث في تلك المواقع عندما يتابع شابا يقف في مسجد من مساجد تونس، يحذر الناس أن “حكم الطاغية بن علي خرج من الباب في الخفاء ثم عاد من الشباك، بل من الباب، بعد كلِّ سفكِ الدِّماء!”.
هب أن بعض المراسلين لم يلحظوا بعض تلك المشاهد، فهل افرزت معادلات التوافيق والتباديل الإحصائية أن كل المراسلين يمكن أن يكونوا كل الوقت بعيدين عن كل المسيرات والنشاطات التي يقوم بها حملة مشروع الخلافة في تونس؟ بل وفي كل جغرافيا الأرض ! سؤال لا يمكن لعلم “العشوائية” في الرياضيات أن يقرره، ولكن سخافة الفضائيات تمارسه!
لقد ركزت بعض الفضائيات، ومنها الجزيرة، على مشهد صورة جيفارا، وكررته حتى مل المشاهد اللون الأحمر، وتتابعت الفضائيات في استضافة الرموز اليسارية والديمقراطية، ومن كل عاصمة أوروبية، وكأن كولومبس قد سحب تونس معه في رحلة العبور خلف المحيطات وكأن أهل تونس قد نسوا الإسلام كما مسحته محاكم التفتيش الغربية من الأندلس، وكأن السياسة هي لعبة حمراء يسراء!
لماذا هذا التعتيم المقيت من قبل الفضائيات على صوت الخلافة وعلى نشاطات حملة دعوة الخلافة ؟
سؤال يتكرر كل مرة عندما يرتبط الأمر بدعوة الخلافة حيثما كان الموقع الجغرافي: تتابع الاعتقالات والأعمال الوحشية ضد دعاة الخلافة في الدول التي تفتقت عن الاتحاد السوفياتي من حملة وصلة “ستان” في أسمائها، ولا صدى يتردد حتى في شريط إخباري، وتتحرك المسيرات في شوارع باكستان وفي أزقة بنغلاديش وليس ثمة ما يحرّك تلك الفضائيات وكأنها مسيرات فوق سطح القمر، وينهي دعاة الخلافة حملة تواقيع مليونية ضد انفصال جنوب السودان، ولا من تقرير عابر، وتصرخ جموع الخلافة في إندونيسيا في وجه أوباما عندما زار اندونيسيا ولا من ذكر لتلك الجموع التي تصرخ في وجه زعيم الأرض! ويكررون عقد المؤتمرات الإعلامية في لبنان يبيّنون مواقفهم من كل قضية من قضايا الأمة، ويؤكدون كفاحهم لإعادة السلطان المغصوب للأمة، ولكن الفضائيات تكرر تعتيمها!
ليس في الأمر صدفة، بل هناك أمر يدبّر بليل، توافقت عليه فضائيات الشرق والغرب: أن صوت الخلافة مجلجل، ولا مجال لأن تكون الفضائيات منبرا له.
ليس ثمة شك أنه إذا ذُكرت الخلافة ذُكر حزب التحرير، وإذا ذُكر حزب التحرير ذُكرت الخلافة.
وليس ثمة شك أن الأنظمة وفضائياتها تخشى صوت حزب التحرير وأصداء دعوته للخلافة، لأنها تدرك أنه صوت لمشروع يعمل على كنسها جميعا، بلا مفاوضة ولا مهادنة، وليس ثمة حل وسط عنده، بل إنه يؤكد باستمرار أن القائمين معه لن يقعدوا حتى يتم خلع آخر حاكم من الحكام الرابضين على صدور الأمة والكاتمين لأنفاسها.
وهو صوت ينادي في تونس أن هروب الطاغية، هو خطوة لا غاية، وأن تغيير النظام لا ينتهي بتغيير الأشخاص، وهذه دعوة خطيرة على الأنظمة وعلى من يقف وراءها، لأن القوى الغربية تكون دائما جاهزة برجالها-الاحتياط- يستبدلون من يُحرق منهم، في مشهد ساخر كمشهد “مختارنا الجديد يتقدم إليكم”.
إذن، هنا مكمن الأمر، إذ كيف يمكن لأنظمة ترتعد فرائصها من الخلافة أن تفتح المجال لصوت الخلافة؟ وكيف يمكن لفضائيات تتحرك في فضاء الأنظمة أن تفسح المجال لصوت الخلافة ؟!
ومع ذلك كتب البعض فغالطوا وتناقضوا
من الغريب أن بعض من يدّعي التحليل الإعلامي والمتابعة السياسية ينسب المطالبة بالخلافة في تونس لمن لا يقبل أن تنسب إليه، فمثلا تحدثت بعض التقارير (المكتوبة) عن تخوف اليساريين من الخلافة في تونس، ولكنها نسبت دعوة الخلافة لحركة النهضة التونسية التي تؤكد أنها ترفع شعار إسلام منفتح، كما يصرّح زعيمها الغنوشي –مثلا خلال لقائه ضمن برنامج حوار مفتوح على الجزيرة في 17/1/2011، الذي بين فيه أن المهمة هي “مهمة بناء مجتمع ديمقراطي”، من خلال “دستور ديمقراطي”، فيه “تداول على السلطة” وتبني “قيم مشتركة بين كل المنظومة الديمقراطية”، ويفتح المجال “لتعددية بدون وصاية لأحد، لا إسلامي ولا غير إسلامي”، وأكد ذلك بالقول “إسلامنا نحن لا يجعلنا ننقص من الديمقراطية بل نعطيها أساسا دينيا”، وبالتالي فهو يدعو إلى “نموذج دولة ديمقراطية”، وكان قد شبّه النموذج الذي يدعو إليه بالنموذج التركي، وكل هذه المعالم التي يتحدث عنها تبتعد عن مفهوم الخلافة شكلا ومضمونا.
ومن تلك التقارير المغلوطة التي نسبت الخلافة لحركة النهضة وكتّمت على حزب التحرير، ما ورد على موقع ميدل ايست اونلاين بتاريخ 18/1/2011 من تصريح لعادل الشاوش، عضو المكتب السياسي لحركة التجديد التونسية، من أن الإسلاميين يسعون الآن إلى إعادة إنتاج “الخلافة الإسلامية” من خلال الثورة المرشدية”، وفسر التقرير المذكور تصريحات الشاوش أنها “إشارة إلى التحركات التي تقوم بها حركة النهضة الإسلامية”. وكذلك الحال في تقرير موقع-وطن يغرد خارج السرب بتاريخ 18/1/2011 فهو عندما تساءل “هل تتجه تونس لتطبيق نموذج الخلافة الإسلامية ؟” تحدث عن النهضة دون أدنى إشارة لحزب الخلافة !
وبالطبع ليس المقام مقام تقويم لحركة النهضة وأفكارها، ولا شك أن دعاة مشروع الخلافة يريدون أن تتبنى حركة النهضة –كما كل قوى الأمة الإسلامية- مشروع الخلافة، ولكنها في الحقيقة لا تطالب بذلك، ودعوة الخلافة في تونس هي دعوة حزب التحرير.
إذن، مرة أخرى، عندما تُفصح التقارير والتحليلات المكتوبة شيئا حول فكرة الخلافة، لا تقبل أن تنسبها لمن تصدى لها منذ عقود، حتى في تونس، إلا في بعض التقارير النادرة، كذاك الذي نشره موقع العربية نت يوم 19/1/2011، الذي رسم الخارطة السياسية للحركات الإسلامية في تونس، وذكر أن بداية حزب التحرير في تونس تعود للعام 1973، وأنه “نجح في استقطاب عدد من العسكريين، بينهم ضباط، مما جعل الدولة تتهمه بالإعداد لانقلاب عسكري”، بل وأشار تقرير العربية نت إلى محاكمات أعضاء حزب التحرير “في أعوام 1983 و1986 و1990، وفي الأخيرة حوكمت مجموعة كبيرة ضمت 228 متهما. وفي 16-9-2006 أُحيل 8 أشخاص إلى القضاء بتهمة الانتماء لحزب التحرير”. بل ويذكر التقرير “وفيما بعد تم اعتقال عناصر أخرى كثيرة مما يعني أنه كان مستمرا في تجنيد عناصر جديدة وتثبيت خلايا في تونس برغم الظروف الأمنية الصعبة التي كانت سائدة في عهد بن علي”. ويخلص إلى أنه “لا يعرف الحجم الحقيقي للحزب…”.
وهنا سؤال بسيط لفضائية العربية (التي أدانت تعتيمها على حزب التحرير من خلال موقعها!): إذا كان حزب التحرير جزءا من تلك الخارطة وبهذا الحضور السياسي، فلماذا لم يلاحظ المشاهد لقطة على فضائية العربية تشير لذلك اللون السياسي في مشهد تونس ؟ سؤال يعيدنا مرة أخرى للبحث عن إرادة خفية صارمة في كل ما يتعلّق بالخلافة وبحزبها.
لا شك أن شعار الخلافة يرعب الحكام لأنه يذكرهم بسقوطهم المدوي. ولا شك أن الإعلام في غالبيته موجه بأجندات السلاطين حتى ذاك الذي يدّعي الانفتاح ويتغنى بشعاره المفضوح حول الرأي والرأي الآخر بل حتى ذاك الذي يدعي أنه إعلام مقاومة.
لقد أدركت محطات التلفزة التونسية الحاجة للتعبير عما يجري قبل أن يجري عليها تغيير جذري، فقررت أن تفتح إعلامها للناس قبل أن تفتح الناس أبواب تلك الفضائيات عنوة، فهل تخرج فضائية “تونس الوطنية” الجديدة عن سرب الفضائيات العربية؟

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫10 تعليقات

  1. الدكتور ماهر الجعبري
    فيك تقلي عدد داعمي مشروع الخلافة في تونس..من التوانسة طبعا..يا ريت كمان يا دكتور تقول عدد محبي هذه الصفحات من التوانسة..و كما أطلب منك يا دكتور أن تقوم بزيارة لتونس و تقيم شعبها و تخبرني كم تتوقع عدد الذين يتوقون لمشروع الخلافة هذا..

  2. ثم من قال لك أن الخلافة مرادفة للإسلام..فلتعلم أننا شعب مسلم إن كان نظام حكمنا رئاسويا برلمانيا أو أي نظام آخر..فالإسلام ليس حكرا على النظام الخلافي..ثم هل قمنا بالإطاحة بنظام بن علي الذي إستمر 23 سنة لنعوضه بنظام خلافة يضل فيه الخليفة على الحكم حتى يموت على كرسيه ..

  3. بارك الله بك يا دكتور وزادك الله علما وعملا واخلاصا
    اقول نعم ان مؤامرة كبيرة اتفقت على التعتيم على الدعاة لتطبيق الاسلام من خلال نظامه الاوحد المتمثل بالخلافة الاسلامية التي حكمت 1300 وكانت الدولة الاولى في العالم وبغيابها تفتت بلادنا الى دويلات هشة في حين نجد الغرب يعمل على الوحدة والاتحاد كالاتحاد الاوروبي
    وبالنسبة للذين يريدون حكم الاسلام فإن كل مسلم يؤمن بالله ورسوله لا يرضى بديلا عن حكم الله واهل تونس لا نشك أنهم من الأمة

  4. 1. tunisienneabd في تموز 29, 2011 |
    الدكتور ماهر الجعبري
    فيك تقلي عدد داعمي مشروع الخلافة في تونس..من التوانسة طبعا.. يضل فيه الخليفة على الحكم حتى يموت على كرسيه ..الخ!!!
    ………………………………………………………..
    اما عدد داعمي المشروع فكل مسلم مخلص يتمنى ان تصبح الامة الاسلامية اعز وافوى واعظم امة على وجه الارض- كما كانت قبل ان يتامر عليها اتاتورك ويهدمها بامر من اسياده الانجليز!!
    واما انها مرادفة للاسلام فلانه لايوجد للاسلام قيمة بدونها فهي التي تطبق الاسلام في الداخل وهي التي تحمله بالجهاد الى الخارج… وتطبيق الاسلام في الداخل يجعل الامة اكرم امة وحمله للخارج يجعلها اعز امة…فالعدل والكرامة ..لمواطن الدولة في داخل دولة الخلافة..والعزة للمسلم خارج دولة الخلافة التي كان جيشها لايقهر!!

  5. يضل فيه الخليفة على الحكم حتى يموت على كرسيه ..الخ!!!
    ……………………………………………..
    واما مسالة ان الخليفة يظل طوال حياته حاكما.. فنحن نريد العنب ولا نريد ان تقاتل الناطور فان كان الخليفة عادلا ورحيما بالامة كعمر بن الخطاب اوعمر بن عبدالعزيز يطبق الاسلام بالادلة الشرعية فلا اظن ان احدا يتمنى تنحيته او يطالب باسقاطه…وان جار وظلم فان لمحكمة المظالم- التي هي جزء من نظام الحكم في الاسلام – الحق في عزله…. ثم اذا ثبت بالادلة ان الخليفة المبايع من الامة لايجوز عزله الا اذا جار وبدل …فاعتقد ان لا مسلم يعترض على امر الله الا اذا كان في ايمانه دخلا!!

  6. فراس..
    أولا إنشآلله رمضان كريم عليك و ع كل أهلك..
    ثانيا بذمتك بتتوقع مع هالتكالب ع الحكم راح يكون في متل سيدنا عمر بن الخطاب..سيدنا عمر اللي رفض في البداية الحكم ع إعتبار إنو مسؤولية كتيير كبيرة قدام رب العالمين و ما كان بدو يتحمل وزرها..راح يكون في من هدول اللي حابين يحكمو بأي طريقة و حتى لو لثانية واحدة المهم عندن إنن يحسو بطعم السلطة و لو شوي..هدول راح يقدر يطلع منهم خليفة كسيدنا عمر بن الخطاب

  7. sarabDZ
    إنشالله رمضانك مبروك عزيزتي و سنين دايمة..
    dsl g pa fais attention à ton commentaire

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على فراس إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *