مرسلة من احمد عطيات ابو المنذر

كانت حال أبي محمد المهلبي (1) ،قبل اتصاله بالسلطان، حالَ ضعفٍ وقلة، وكان يقاسي منه قذى عينيه وشجى صدره،فبينا هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث (2) ، إلا أنه من أهل الأدب، إذ لقي من سفره نَصَبَاً فقال ارتجالاً:
ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه *** فهذا العيشُ ما لا خَيرَ فيهِ
ألا موتٌ لذيذُ الطعمِ يأتي *** يُخَلِّصَنِي من العيشِ الكَريهِ
إذا أبصرتُ قبراً مِن بعيدٍ *** وددتُ لو أنني مما يليهِ
ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍ *** تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ !
فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سكنه، وتحفظ الأبيات، وتفارقا، فترقت حال المهلبي إلى الوزارة،
وأخنى الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه، وضاقت به الأحوال ، فقصده، وتوصَّل إلى إيصال رقعةٍ إليه مكتوب فيها :
ألا قل للوزير فدته نفسي *** مقال مُذَكِّرٍ ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ *** ألا موت يباع فأشتريه؟
فلما قرأ الرقعة تذكره، وهزته أريحية الكرم، فأمر له في عاجل الحال بسبعمائة درهم، ووقع تحت رقعته:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[البقرة : 261] ،
ثم قلَّده عملاً يرتفق به ويرتزق منه.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) الوزير المهلبي (291 – 352 هـ / 903 – 963 م ) الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، من ولد المهلب بن أبي صفرة الأزدي، أبو محمد. من كبار الوزراء الأدباء الشعراء، اتصل بمعزالدولة بن بويه فكان كاتباً في ديوانه، ثم استوزره، وكانت الخلافة للمطيع العباسي، فقربه المطيع، وخلع عليه، ثم لقبه بالوزارة، فاجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان، ولقب بذي الوزارتين،
وكان من رجال العالم حزماً ودهاءً وكرماً وشهامة. له شعر رقيق، مع فصاحة بالفارسية، وعلم برسوم الوزارة، ولد بالبصرة، وتوفي في طريق واسط، وحُمل إلى بغداد.
(2) في ” الوافي بالوفيات “: وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي،
وقيل:أبو الحسن العسقلاني
……………………………
كثير من الناس يمرون بحالة المهلبي، ويتمنون لسوء احوالهم لو ان موتا يباع فيشترونه …ولكن القليل جدا منهم يتذكرون- اذا تعدل حالهم، ورزقهم الله الرزق الحسن – من كان يألفهم – كما قال المتنبي – في االمنزل الخشن.!!
فهل انتَ اخي او انتِ اختي من الناس الذين يذكرون اخوانهم في الهم والشقاء، ام من الناس الذين-كما يقول اصحاب ماركس – ينسلخون طبقيا!!!! ويتظاهرون بانهم- من الناس الذي ولدوا وفي فمهم -كابناء الحكام في كل بلاد الاسلام- ملعقة من ذهب!!!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫22 تعليق

  1. مرحبا الأخ الفاضل أحمد
    أسأل الله أن تكون في أتم صحة وخير

    وجزاك الله خيراً على موضوعك المفيد والناصح لنا
    وعلينا أن نتعلم من السابقين ونأخذ العبر والحكم …. وإن ام نفعل فما أشقانا

    .
    وبالنسبة لسؤالك …..
    فالإجابة سوف تكون صعبة ما …. وسوف أخبرك لماذا …بعد انتظاري للردود الأخرين

    حفظكم الله ودمتم بكل الخير والموده

  2. جميل جداً قرأنا الكثير عن كرم العربي وجوده عزة نفسه زوده عن محارمه و محارم غيره حفظه للوعود لدرجة التضحية بالأبن حفظاً لحق الأمانة في حادثة شهيرة من تاريخ العرب هل بقيت لنا الذكريات فقط الن ينتهي عصر الإنحطاط ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. شكرا
    موضوعك جيد وسؤال حساس
    وبعد فانا ما تراجعت يوما ما عن عمل معروف اقدر عليه

  4. الن ينتهي عصر الإنحطاط ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    …………………………
    سينتهي يا نهى يوم تحمل الامة من جديد افكارا ناهضة بدل الفكر الغربي الم نحط الرائج والسائد اليوم!!

  5. وبعد فانا ما تراجعت يوما ما عن عمل معروف اقدر عليه
    …………….
    ….وكل يعمل باصله وبناءا على الفكر الذي يحمله…وتحياتي لك !!

  6. اخ جهاد اتمنى ان تكتب موضوع عن مراحل الحج و العبرة من كل مرحلة بشكل مبسط اذا امكن و لك مني و من الجميع جزيل الشكر

  7. جهاد في تعليقك سينشر بعد التدقيق. أيلول 27, 2011 |
    ……يا اخت نهى :
    ان الذي يحدد سلوك الانسان في الحياة هو الفكر الذي يحمله فان كان فكره راقيا كان سلوك الانسان راقيا والعكس صحيح… لكن مشكلة تحديد الراقي من العكس تحتاج الى مصدر قطعي يحسم الخلاف حولها فما يراه البعض سلوكا راقيا كالمروءة ومساعدة الضعاف يراه اخرون حم اقة ….

  8. حفظ الامانه وصيانتهامن حكايات العرب عن حفظ الامانه وصيانتها ان امرؤ القيس اودع اسلحته ودروعه التي كانت مشهورة بمتانتها عند رجل من العرب اسمه السموال وطلب منه المحافظه عليها الي ان يستردها وحرص الرجل علي حفظ الامانه ف مكان امين وذهب اليه احد الملوك وجنوده والقي القبض علي ابنه وهدد السمؤال بقتل ابنه قائلا اذا لم تسلمني الدروع قتلت ابنك فقال السمؤال اتركني افكر ف الامر لمده يوما واحدا ثم جمع رجال اسرته واستشارهم ف الامر فنصحوه بتسليم الاسلحه والدروع الي الملك ومع ذلك عندما التقي السمؤال بالملك في صباح اليوم التالي قال له لن اخون الامانه ولن استطيع تسليمك ماطلبت وافعل ماتشاء فقام الملك وجنوده بقتل ابن السمؤال وعندما حل موسم الحج ذهب السمؤال الي مكه ليؤدي فريضه الحج ومعه الدروع والاسلحه وقام بتسليمها كامله الي ورثها مرأ القيس

  9. اخت نهى يؤسفني ان اقول ان قصتك التي اوردتيها عن وفاء السموأل غير صحيحة وقد نقضتها في كتابي حكايات وقصص مفتراة…واتمنى قبل ان ننقل اي قصة ان نتاكد من صحتها وتحياتي لك !!

  10. وكان من رجال العالم حزماً ودهاءً وكرماً وشهامة. له شعر رقيق، مع فصاحة بالفارسية، وعلم برسوم الوزارة،
    *******************************
    ماشاء الله, شتْان بين أناس الأمس و اليوم… اللهم اصلح أحوال الأمة برجال هم أهل لحمل الأمانة.
    شكرا أخ جهاد على المواضيع الهادفة.

  11. اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر و أعاذنا و اياكم من الرد لأرذل العمر…
    رَأيتٌ المنايا خبطَ عشواءٍ*** مَــــن تٌـــــصِــــبْ تُـــمِـــتْـــهُ و مَــــن تُـــخْــــطِئ يَـــكْــبَر فَـــيَــــهْــــرَمِ

  12. المشكله يا عزيزي ليست فينا فقط فنحن كبشر ننسى وإن إفتكرنا فالطالب للمساعده وطريقه طلبه إختلفت واقولها عن خبره ما في مره حاولت المساعده إلا وتحول الشخص لإستغلالي حاقد, الكل تغير بتغير ظروف الحياة.

  13. قد ذكر النبي أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } [في الصحيحين].

  14. اشكرك اخ احمد عطيات على هذا الموضوع اذا لم نهتم بامور المسلمين فلسنا منهم و لو الموت يباع لاشتريناه فعلا

  15. هند جزائرية في أيلول 28, 2011 |
    اشكرك اخ احمد عطيات على هذا الموضوع اذا لم نهتم بامور المسلمين فلسنا منهم و لو الموت يباع لاشتريناه فعلا
    ……………………………….
    صحيح يا هند ان اوضاع الامة المزرية الان تجعل المرء المحلص لدينه يتمنى الموت …لكن التغييرات الاخيرة تشكل املا كبيرا في اقتراب الفرج من الامة ..ولو لم يكن لهذه ةالثورات الا انها كسرت حاجز الخوف عند الامة لكفاها فخرا!!

  16. ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ صدق الله العظيم.
    من أجمل الموضوعات التي قرأتها على صفحات نورت حقا.
    أسوأ ما قد يواجه النفس البشرية أن يغنى صاحبها غنى فاحشا بعد فقر مدقع فالاختبار صعب وهنا يتضح معدنها.
    شكرا لك يا أبا المنذر فإبداعك منقطع النظير.

  17. شكرا لك اختي لبنى- ولو تاخر- على التشجيع وسلمت لدينك واخيك في الاسلام !!

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على جهاد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *