مرسلة من احمد عطيات ابو المنذر

قصة وفاء السموأل… نموذجا…
مهداة الى نهى
كثيرة هي القصص التي اشتهرت في التاريخ العربي قبل الاسلام، وتناقلها الناس دون محاولة إعمال الفكر في صحتها او بطلانها…وبما ان النهضة لا يمكن ان تحصل دون تنقية المفاهيم ..كان لنا هذا الحهد المتواضع في الموضوع.
اولا :القصة:
السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي شاعر جاهلي يهودي حكيم عاش في النصف الأول من القرن 6م. من سكان خيبر، وزعم البعض انه صاحب قصة الوفاء مع امرئ القيس. حيث قدم اليه كبير شعراء الجاهلية (امرئ القيس بن حجر الكندي) وكان قد عجز عن الاخذ بثأر أبيه وعزم الذهاب إلى قيصر الروم ليستنجد به لعل القيصر يخرج معه جيشا يساعده على ذلك ,فذهب إلى السمؤال وأمنه أدراعا ثمينة لا مثيل لها كما ترك عنده أهله وسار بعد ذلك إلى قيصر الروم.
وبعد حين طوق حصن السمؤال أحد الملوك ممن له ثأر على امرئ القيس، فسأله السمؤال عن سبب تطويقه لحصنه ؟ فقال الملك : سأغادر الحصن بمجرد تسليمي أدراع امرئ القيس وأهله، فرفض السمؤال ذلك رفضا قاطعا، وقال : لا أخفر ذمتي وأخون أمانتي، فظل الملك محاصرا الحصن حتى مل، وفي أثناء ذلك جاء أحد أبناء السمؤال من رحلة صيد وفي طريقه إلى الحصن قبض عليه الملك ونادى السمؤال : هذا ابنك معي فاما أن تسلمني مالديك واما ان أقتله !
ومع ذلك رفض السمؤال تسليم الأمانة فذبح ابنه أمام الحصن وعاد بجيشه من حيث أتى من غير أن يحصل على بغيته فقال السمؤال :
وفيت بأدرع الكندي اني………………..اذا ما خان أقـوام وفيـت
فضرب به المثــــل في الوفــــاء،وصـار يقال:أوفى من السموءل. ومن تلك الأبيات المتفرقة:
إذا المرءُ لم يَدْنَسْ من اللؤم عِرضُه فـكـل رداءٍ يرتـديـه جـمـيـلُ
وإنْ هو لم يَحمِلْ على النفس ضيمَها*فليس إلـى حُسْـنِ الثنـاء سبيـلُ
تُعيِّـرُنـا أنّــا قلـيـلٌ عَديـدُنـا فقلـت لهـا: إنّ الـكـرامَ قلـيـلُ
ومـا ضَرَّنـا أنّـا قليـلٌ، وجارُنـا*عزيـزٌ، وجـارُ الأكْثريـنَ ذلـيـلُ
وإنّا لَقومٌ ما نَـرى المـوتَ سُبَّـةً *إذا مـا رأتْـه عـامِـرٌ وسَـلـولُ
وما مات منّـا سيِّـدٌ حتْـفَ أنفِـه ولا طُـلَّ منـا حيـث كـان قتيـلُ
تسيل على حَـدِّ الظُّبـاتِ نفوسُنـا *وليستْ على غيـرِ الظُّبـاتِ تسيـلُ
سَلِي إنْ جهلتِ الناس عنا وعنهـمُ فليـس سـواءً عالـمٌ وجَـهـولُ
فإنَّ بنـي الدَّيّـانِ قطْـبٌ لقومهِـمْ*تَـدورُ رحاهُـمْ حولهـم وتَـجـول
وكان اول من روى القصة الأعلَم الشَّنْتَمَرِي الأندلسي المتوفى سنة 476هـ/1084م في كتابه “شرح أشعار الشعراء الستة” ومما قال: (وظل امرؤ القيس شريداً يتنقل بين أمراء العرب، حتى نزل أخيراً على السموءل بتيماء، فأجاره، وطلب إليه امرؤ القيس أن يكتب للحارث- أمير الغساسنة بالشام- ليوصله إلى قيصر ملك الرومان، ويمهد لامرئ القيس سبيل السفر إلى القسطنطينية، يطلب منه المعونة ليستعيد ملكه، فأجاب السموءل طلبه، فأودعه امرؤ القيس دروعاً كان يتوارثها ملوك كندة، ورحل إلى قيصر، وكان ذلك في عهد القيصر يوستانوس.
وجاء التبريزي (ت 502هـ/1109م) في “شرح كتاب الحماسة لأبي تمام” فزاد الطين بِلَّة حيث قال معقباً على القصيدة التي مطلعها:
إذا المرءُ لم يدْنَسْ من اللؤم عرضُه* *فـكـلُّ رداءٍ يَرْتـديـهِ جَمـيـلُ
ففصل القصة أكثر مما فعل الشنتمري، ومما قال التبريزي: “يضرب بالسموءل المثل بالوفاء، لأنه أسلم ابنه ولم يخن أمانته، في أدراع أودعها عنده امرؤ القيس لما صار إلى الشام يريد قيصر، فطلبه المنذر بن ماء السماء، فلجأ إلى السموءل ومعه أدراع كانت لأبيه، فوجه المنذرُ بالحارث بن ظالم في خيل، وأمرة أن يأخذ مال امرئ القيس من السموءل، فلما نزل به تحصن منه، وكان له ابن قد يفع، وخرج إلى قنص، فلما رجع، أخذه الحارث بن ظالم، ثم قال للسموءل: أتعرف هذا؟ قال: نعم! هذا ابني! قال: فســــلِّمْ ما قبَلَكَ أوأقتله؟ قال الســـــموءل: شأنَك به، فلست أخفر ذمتي، ولا أسلِّم مال جاري. فضرب الحارثُ وسط الغلام فقــــطعه قطعتـــين، وانصــرف عنــــه. فضرب به المثل”.
ثانيا : قصاصون يروون دون تفكر .. وضللهم شعر منسوب للاعشى:
أما القصاصون والروائيون فقد راقهم الخبر، وأعجبتهم القصة، واعتمدوا على أبيات منسوبة إلى الأعشى يمدح فيها السموءل، وفيها يقول:
كنْ كالسموءل إذْ طاف الهمام به*……….*في جحفل كهزيع الليـل جَـرار
إذْ سامه خطَّتيْ خسْفٍ، فقال له*………. *قل ما تشاء، فإني سامـع حـارِِ
فقال: غدرٌ وثُكلٌ، أنـت بينهمـا*………. *فاختر، وما فيهما حظ لمختـار
فشكَّ غير قليل، ثـم قـال لـه*………. *اقتل أسيرَك، إني مانـع جـاري
فاختار أدراعه كي لا يُسَبَّ بهـا*………. *ولم يكن عهـدُه فيهـا بختَّـار
لم ينتبه القصاصون والروائيون إلى هلهلة هذا الشعر، وكأنه من عصور الضعف والانحطاط، بينما شعر الأعشــى من الطراز الأول بين الشعراء الجـــاهليين، وجعلوا رســولا للمنــذر بن ماء الســــماء واطلفوا عليه اسم الحارث بن ظالم، وجعلوه في غاية الخسة والغدر والنــــذالة، يســـتجيز الغدر،ويسـتهين بالثكل من أجل دروع ويقطع رأس الصغير بكل برودة قلب،وما ذنب أبيه إلا أنه حفــظ الأمانة، وحافظ على وعده وعهده.!!أو لا تكفي هذه الملاحظات لرمي القصة بالانتحال والتزيد والوضع، بل بالكذب الصراح..وهل في التاريخ العربي-ولا أقول الإسـلامي- ما يشبه هذه النذالة !؟
شواهد كثيرة ترمي القصة بالإنتحال والتزيد والوضع:
أما السموءل في شعر الأعشى فله من الشمائل، والأخلاق الحميدة، والوفاء الذي عز له نظير،والمحافظة على العهد والوعد، ما لم يتصف به عربي فـــي الجاهلية قط،يُذبح ابنه- والأب سـيد من السادات – أمام عينيه،فلا يحرك ساكناً،بل يقول قصــــيدة غنائية مفتخراً بفعاله، معتزاً بأخــــلاقه، وشــرفه،ولا يَرِدُ على لسانه في القصيدة كلها كلمة صـــغيرة في ابنــه، ولا يبكيه ولو بدمعة صغيرة.
النقد الموضوعي يوحي باختلاق أبيات الأعشى،كما يوحي بأن ما أورده الشــــنتمري والتبـــريزي كلام موضـــوع .
والغريب أن عدداً كبيراً من القدماء والمعاصرين صدقوا هذه الأكذوبة ورددوها في كتبهم، وكأنها حقيقة لاشك فيها ولا مِراء.
ذكر أبو تمام في الحماسة أبياتاً ونسبها إلى السموءل، وكررها صـــاحبا كتاب “الوســـــيط في الأدب العربي وتاريخه” وهما أحمد الإســـكندري ومصطفى عناني بك، ثم رددها مؤلفون كبار في مصر وهم:أحمد الإســـــكندري، وأحمد أمين، وعلي الجارم، وعبدالعزيز البشــري، وأحمد ضـــــيف في كتابهم “المفصل في تــــاريخ الأدب العربي”. والأبيات التي ذكرها المفصل:
وإنا لَقومٌ لا نرى الموت سبة*………. *إذا ما رأته عامـر وسلـول
يقرب حب الموت آجالنا لنا*……………….. *وتكرهـه آجالهـم فتطـول
وما مات منا واحد حتف أنفه*………. *ولا طل منا حيث كان قتيـل
فاذا لم يكن السموال هو قائل الابيات المذكورة المشهورة فمن هو القائل الحقيقي!!!! وخوفا من الاطالة فاننا سنجيب عن هذاالسؤال في الجزء الثاني.. ان شاء الله !!
من كتاب قصة مشهورة ..لكن مفتراة!!/ احمد عطيات

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫12 تعليق

  1. شكراً اخي ابو المنذر لسردك هذا التوضيح مع انني لو كنت مكانك رغم شكي بأن قصة السموأل قد تكون غير صحيحة لما حاولت إثبات العكس
    إن هذه القصة كما هو معلوم رمز للوفاء و حفظ الأمانة عند العرب مما قد يلهب حماسة الشاب العربي المعاصراتمنى ان تستمر هذه الأمثولة في وجدان الرجل العربي امثولة يحترمها و يتمنى لو استطاع ان يكون على هذا المستوى من مكارم الأخلاق و التضحية بالغالي في سبيل مبدأ اغلى

  2. رواة التاريخ يخطئون او يبالغون او بيضيفوا بصماتهم فتتغير الاحداث وكل القصة

    اختي نهى خلينا نقتضي بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وفي سيرته العطرة مايغنينا عن تلك القصص سواء اكانت صحيحة ام لا

    شكرا للكاتب احمد عطيات ابو المنذر ونتمنى منه ان يدخل ليناقشنا في مشاركاته

  3. اختي نهى هذه القصة المفتراة بطولة يهودي …وكون ان يكون يهوديا رمز للوفاء بالهد والدمة ، امر منافض للعقل والنقل ، فكل الام والشعوب عانت من غدر اليهود عير التاريخ ..والاسلام من خلال القرات والسنة اكدا ان اليهود لايمكن ان يرعوا عهدا ولا ذمة – على الاقل اذا تعلق الامر بغيرهم!!!!

  4. مراحب في أيلول 28, 2011 |
    شكرا للكاتب احمد عطيات ابو المنذر ونتمنى منه ان يدخل ليناقشنا في مشاركاته
    ………………………
    اختي مراجب اتمنى ان افعل ما تقولين ولكنني ممنوع من التعليق وتتغاضى نورت احيانا!!
    واردت معرفة السبب فاقرئي صفحات
    الجهاد على صفحات نورت
    وممنوع من التعليق
    اما لماذا تمنعني نورت ..وتسمح بنشر مواضيعي فعلم ذلك عندها!!

  5. اخي احمد بارك الله فيك على مواضيعك الاكثر من الرائعة و على كل ما تفعله هنا في الموقع و لقد استفدت الكثير من قراءاتي لك جعلها الله في ميزان حسنلتك
    كيف لي ان اشتري كتبك؟ هل لديك رابط الكتروني Online ؟

  6. اخي الكريم اBKAM في أيلول 28, 2011 |
    اشكرك على مشاعرك ..وليتك تاخذ ايميلي من بعض الاخوة على نورت
    لانها لاتسمح لي بنشره ..وعندها يمكن ان ارسل لك ما تيسر منها عبر الايميل وسلمت لاخيك في الاسلام!!

  7. مرحبا يا جماعة …
    عندي سؤال لك اخي جهاد :
    هل سعيك لنقض القصة لان البطل فيها يهودي ؟؟

  8. يا اخي رستم .. الحقيقة انه لم يكن ذلك قصدي ولكن ذكر الاخت نهى للقصة دفعني الى ارسال الموضوع الموجود في احد كتبي…وتحياتي لك!!

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على رستم ياسين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *