على الرغم من ظهور العديد من الأجيال، تظل أغنياته وأعماله محفورة في وجدان محبيه، من مختلف أنحاء الشرق الأوسط والعالم.
ويُعتبر العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، رمز الغناء بلا منازع، فقد إستمر نجاحه وتألقه حتى بعد رحيله يوم 30 آذار/مارس عام 1977.
عاش يتيماً في الطفولة وأصيب بالبلهارسيا
ولد عبد الحليم حافظ علي شبانة في 21 حزيران/يونيو عام 1929 في قرية الحلوات، التابعة لمركز الابراهيمية بمحافظة الشرقية وأصبح يتيماً بعد أن توفت والدته بعد الولادة بأيام ووالده قبل أن يكمل عامه الأول، فنشأ مع أخوته الثلاثة، شقيقته عليا وشقيقاه الفنان إسماعيل شبانة ومحمد.
وعاش في بيت خاله الحاج متولي عماشة بعد رحيل والديه وكان يلعب مع الصغار في ترعة قريته وهو ما جعله فريسة لمرض البلهارسيا الذي عانى منه طوال حياته حيث أجرى 61 عملية جراحية.
وقد تردد أنه تربى في ملجأ لكنّ المقربين منه نفوا الأمر وأوضحوا بأنه كان يزور الملجأ في قريته لأنه كان يضم الآلات الموسيقية التي يعشقها لكنه كان يقيم في منزل خاله.
درس عبد الحليم حافظ في معهد الموسيقى العربية منذ عام 1943 وتخصص في التلحين وتخرج في عام 1948 وعمل كمدرس للموسيقى في طنطا والزقازيق ثم القاهرة لمدة أربع سنوات، قبل أن يقرر الإستقالة من التدريس.
وعمل عازفاً على آلة الأوبوا بفرقة الإذاعة الموسيقية في عام 1950 ليكتشفه الإذاعي حافظ عبد الوهاب والذي سمح له بإستخدام اسم حافظ بدلاً من شبانة ليصبح اسمه الفني “عبد الحليم حافظ” وأصبح في ما بعد لقبه “العندليب الأسمر” والذي أطلقه عليه الناقد جليل البنداري.
بداية النجومية وحفل تاريخي في لندن
رُشّح عبد الحليم حافظ ليغني في حفل أضواء المدينة، يوم إعلان الجمهورية في عام 1953، فغنى أغنية “صافيني مرة” وكانت بدايته الحقيقية نحو الشهرة، ليقدم بعدها أكثر من 200 أغنية تعاون خلالها مع عدد كبير من الملحنين في هذه الفترة، منهم محمد عبد الوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي.
ومن أشهر أغنياته “أهواك” و”نبتدي منين الحكاية” و”فاتت جنبنا” و”سواح” و”جبار” و”زي الهوا” و”توبة” و”قارئة الفنجان” للشاعر الكبير نزار قباني، و”أسمر يا سمراني” و”موعود” و”بحلم بيك” و”حبك نار” .
وفي عام 1967، أحيا حفلة تاريخية في لندن أمام 8 آلاف شخص، وكانت لصالح المجهود الحربي ضد العدوان، وقدم أغنية “المسيح”، وهي من كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي.
الحب في حياة العندليب الأسمر وزواجه السري من سعاد حسني
في بداياته أحب عبد الحليم حافظ فتاة وافق أهلها على الزواج بعد أربعة سنوات وبعد الخطوبة اكتشفت أن لديها ورم في المخ لتتوفى قبل الزواج .
كما كشفت زبيدة ثروت في لقاء قبل وفاتها بأن عبد الحليم تقدم للزواج منها، لكن والدها رفض أن تتزوج من فنان.
ويظل زواجه بـسعاد حسني لغزا حتى الآن وهو ما كشف عنه الإعلامي مفيد فوزي وعاد لينفيه، فخرجت شقيقتها جانجاه لتؤكد على أن عبد الحليم حافظ تزوج من شقيقتها رسمياً.
أما ميرفت أمين التي أحبها أيضاً، فطلبت منه إعادة أغنية “أهواك”، فغناها لها في إحدى حفلاته، وبعدها طلب منها أن تتزوجه وتسافر معه إلى باريس، حيث سيقضي فترة نقاهة من عملية سيجريها، فطلبت منه وقتاً للتفكير وبررت رفضها لأنه مريض، وإذا توفي سيعتبرها الكثيرون وجهها نحس عليه.
خلافاته مع نجوم ونجمات الغناء
تسببت المنافسة والغيرة الفنية في خلافات بينه وبين عدد من نجوم ونجمات الفن، وكانت أبرزها مع أم كلثون، فدام خلافهما لسنوات، بعد حفل 23 تموز/يوليو عام 1964، وكانت أم كلثوم تغني على أن يكون الختام مع عبد الحليم حافظ، ولكن كوكب الشرق تأخّرت كثيراً في فقرتها، مما أغضب عبد الحليم، ولأن الكثيرين خرجوا بعد إنتهاء أم كلثوم، فعلّق عبد الحليم على الموقف بمجرد صعوده على المسرح، وقال إنه لا يعلم سر إختياره للغناء في ختام حفل تغني به أم كلثوم، وهل هو شرف أم مقلب؟
وإنقلبت الأجواء خاصة لما تتمتع به أم كلثوم من مكانة، وطالبه الكثيرون بالإعتذار لكنه رفض، ولكن بعد نكسة عام 1967 تحدث إليها لينهي الخلاف من أجل الإجتماع لمصلحة مصر، ووافقت وتم الصلح.
أيضاً كانت علاقته بوردة الجزائرية تحمل الكثير من الشد والجذب، فقيل إن وردة حاولت إفساد حفله حينما غنى “قارئة الفنجان”، لكنها نفت أيضاً.
وعلى الرغم من أن عبد الحليم كان شاهداً على عقد الزفاف بينها وبين بليغ حمدي، لكن حينما غنى “ابتدا المشوار ويا خوفي من المشوار” فسرته الفنانة الجزائرية بأنه تنبأ بعدم استمرار زواجها، فيما قام هو أيضاً بانتقادها بعد أن غنت “ولاد الحلال” وقال لها من قلة الكلام الجميل تغني للنميمة، فغصبت وقالت له ليس أوحش من “حلو القمر حلو فأنت تغني للقمر في العصر الحديث”، لكنهما تصالحا في ما بعد.
أيضاً غضبت نجاة بعد أن أعاد غناء “لا تكذبي”، وهي الأغنية التي قدمتها في فيلم “الشموع السوداء”، وحققت نجاحاً كبيراً واعتبرت نجاة أن ما قام به عبد الحليم هو تعدٍ على نجاحها، والأمر تكرر مع فايزة أحمد بعد أن غنى “أسمر يا أسمراني” في فيلم “الوسادة الخالية” وهي أغنيتها وقامت فايزة بغناء “هاتولي وابور الحريقة” على وزن أغنيته “قولوله الحقيقة” رداً على ما قام به.
ولا يمكن نسيان الخلاف بينه وبين الفنان فريد الأطرش، بعد أن سافر فريد إلى بيروت والتي استقر بها في عام 1966، وكان قبلها اعتاد أن يحيي حفل الربيع في شم النسيم، وفي فترة غيابه انفرد عبد الحليم بالحفل، وعاد فريد في عام 1970 وقرر أن يحيي حفل الربيع الذي اعتبره من حقه لأنه قدم الحفل لمدة 25 عاماً، واعتبرها عبد الحليم أيضاً من حقه وبدأ بينهما الخلاف، وتم الصلح بينهما من خلال لقاء جمعهما مع الإعلامية آمال فهمي.
ثالث أكبر جنازة شعبية وإنتحار الفتيات
عانى العندليب الأسمر طيلة حياته من مرض البلهارسيا، الذي أنهك جسده وقضى عليه، فقد سافر إلى لندن في عام 1977 ليخضع لفحوصات واشتد عليه المرض وأصيب بالصفرا، وطلب منه الأطباء أن ينتظر في المستشفى، وكان عبد الحليم حافظ رغب في أن يعود إلى القاهرة ليغني “من غير ليه”، والتي كان سيقدمها في حفل شم النسيم، وفي 11 آذار/مارس من العام نفسه ساءت حالته وجاء طبيبه الخاص بـ4 أطباء آخرين، لكن كانت حالته تتدهور، ويوم وفاته 30 آذار/مارس عام 1977، كان قد إرتدى ملابسه وغسل شعره ورتب أظافره، ويتعرض لنزيف شديد.
وكان عبد الحليم حافظ معشوق الفتيات وتعتبر جنازته واحدة من أكبر الجنازات الشعبية في تاريخ مصر، بعد جنازتي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأم كلثوم، وإنتحرت العديد من الفتيات حزناً على رحيله.
وخلّد المخرج المصري محمد خان هذه اللقطة في فيلم “زوجة رجل مهم”، الذي أظهر خلاله إنتحار إحدى الفتيات بعد وفاته، فألقت بنفسها من الشرفة.