في الوقت الذي يجب ان لا يكون المرء صلبا فيكسر عليه ان لا يكون لينا فيعصر !
وهي مقولة ينسبها البعض لامير المؤمنين علي عليه السلام ( لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر )
وامتنا الاسلامية اليوم تعيش حالة من الانكسار والضعف والهوان ولا تقابل الذلة التي تتعرض لها من اعدائها الا بالين والخنوع ، فما زادهم ذلك الا عصرا لها وزيادة في سلبهم حقوقها واذلالا لها ….. فكما في الحياة العامة يحتاج المرء ان يكون قويا ، يحتاج من الدول ان تكون قوية كذلك .

هناك قصة قصيرة في تاريخ الأدب العالمي .. للكاتب الروسي #انطون_تشيخوف ، وهي قصة جميلة يبين فيها كيف ان الانسان لو تنازل عن جزء من حقوقه امام الطغاة او البغاة الظلمة … كيف ان ذلك يشجعهم على ان يسلبون منهم ما هو اكثر ! بل ربما كل شيء!!

لنستمع لقصة
أنطون بافلوفيتش تشيخوف الكاتب الروسي المسرحي وكاتب قصص قصيرة وهو يعتبر من أعظم الكُتاب على الإطلاق .

يقول :
منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها
– قلت لها : إجلسي يا يوليا … هيّا نتحاسب … أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك .. حسناً .. لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر
– قالت : أربعين
– قلت : كلا .. ثلاثين .. هذا مسجل عندي … كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً) …
– حسناً
– لقد عملت لدينا شهرين
– قالت : شهرين وخمسة أيام
– قلت : شهرين بالضبط .. هذا مسجل عندي .. إذن تستحقين (ستين روبلاً) ..
نخصم منها تسعة أيام آحاد .. فأنت لم تعلّمي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط .. ثم ثلاثة أيام أعياد .
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا) وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة
واصلتُ …
– نخصم ثلاثة أعياد إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) .. وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم تكن يدرس .. كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط .. وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء .. إذن إثنا عشر زائد سبعة .. تسعة عشر .. نخصم ، الباقي .. (واحد وأربعون روبلاً) .. مضبوط ؟
– إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها .. وسعلت بعصبية وتمخطت ، ولكن … لم تنبس بكلمة
– قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً .. نخصم (روبلين) .. الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث ، ولكن فليسامحك الله !! علينا العوض .. وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته .. نخصم عشرة .. وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء .. ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً .. وهكذا نخصم أيضا خمسة .. وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)
– همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ
– قلت : ولكن ذلك مسجل عندي
– قالت : حسناً، ليكن
– واصلتُ : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين .. الباقي أربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع .. وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل .. يا للفتاة المسكينة
– قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً .. أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) .. لم آخذ غيرها
– قلت : حقا ؟ .. انظري وانا لم أسجل ذلك !! نخصم من الأربعة عشر ثلاثة .. الباقي أحد عشر .. ها هي نقودك يا عزيزتي !! ثلاثة .. ثلاثة .. ثلاثة .. واحد ، واحد .. تفضلي .
ومددت لها (أحد عشر روبلاً) ..
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة .. وهمست : شكراً
انتفضتُ واقفاً واخذتُ أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب
– سألتها : شكراً على ماذا ؟
– قالت : على النقود
– قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك .. سلبتك ! .. لقد سرقت منك ! .. فعلام تقولين شكراً ؟
– قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً
– قلت : لم يعطوكِ ؟! أليس هذا غريبا !؟ لقد مزحتُ معك .. لقنتك درساً قاسياً ..
سأعطيك نقودك .. (الثمانين روبلاً) كلها .. ها هي في المظروف جهزتها لكِ !! ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة ؟ لماذا لا تحتجّين ؟ لماذا تسكتين ؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ؟ هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة ؟
– ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها : “يمكن”
– سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة ، (الثمانين روبلاً) كلها .. فشكرتني بخجل وخرجت
تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا .

ما اشبه ما حدث ليوليا مربية الاولاد المسكينة بما يحدث لدولنا الخانعة اليوم !! لكن الفرق انه تشيخوف انصفها في النهاية ، اما دولنا لا تجد من ينصفها .

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

  1. شكرا نورت
    البعض يريدك ان تكون ضعيفا مستسلما ، فيقول لك وماذا يعني انه يشتمون مذهبك ويفترون عليك ويكفرونك ويتهمونك بالشرك والزنى وكل الموبقات التي فيهم ؟؟؟ ، وعليه يجب ان تقول لهم شكرا او تسكت هههههههه حتى تثبت لهم انك على خولق ههههههه او تحب ان تكون على خولق ههههههه على قول عادل امام هههههههه فلو سكت واكلت الضرب معناه انك تقدم صورة جميلة عن اخلاقك ومذهبك ….. لو كان هذا ينفع مرة اثنين عشرة كان فعلته ، وفعلا اول دخولي لنورت عملته ههههههه لكن وجدت سفلة لا يصلحهم الا الهوان ، فقعدت اعمل باية من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ، او قول امير المؤمنين عليه السلام ردوا الحجر من حيث ما اتى فالشر لا يدفعه الا الشر ، وما على من ظلم او اعتُدي عليه من سبيل .
    فمرات من الواجب الواحد ان يتصدى للعدوان وكذلك الدول تفعل نفس الشيء ، والا تستغل وتصير ملطشة للرايح والجاي !!

  2. قصة جميلة ، وتشيخوف كاتب مبدع
    فعلاً أذا كان الإنسان ضعيف الشخصية فسيكون سهل استغلاله و كل مره يتنازل فيها لن تنتهي قائمة التنازلات .
    الكرامة اهم من كل شيء ، و الحمد لله نحن الشيعة على نهج محمد و آلِ محمد سلام الله و صلواته عليهم جميعاً و تعلمنا منهم الشجاعة و الإقدام و المواجهة و ان لا نتنازل عن حقنا و أن لا نركع إلا لله سبحانه وتعالى
    وكما قال سيدي ومولاي و إمامي الإمام الحسين
    سلام الله و صلواته عليه
    (( هيهات منا الذّلة )) و كانت شعار سماحة السيد سيد المقاومة السيد حسن نصر الله الذي بحضوره و تواجده و بعد استشهاده لا يزال يرعبهم و قاهرهم .
    رحمه الله و أسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الأنبياء و الأئمة و الشهداء وجمعنا الله سبحانه وتعالى بهم جميعاً ب الآخرة .

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *