العلاقة بين المفكر والمجتمع علاقة اذا لم تشجع وتتطور ويسمح لكل انسان في دولنا ان يكون مفكر ، حتى لو كان انسان بسيط فلن تتقدم دولنا .

الغرب تقدم بعدما سمح للجميع ان يطرحوا ما يفكرون به ، والمؤسسات البحثية والجامعات وكبار اهل السياسة ياخذون ما تطرحه الجماهير ، حتى لو كانت من خلفيات ثقافية متواضعة ، ويشجعون بسطاء الناس ومن غير حملة الشهادات العليا على تنفيذ افكارهم ، فاغلب اصحاب الشركات الكبرى والاختراعات المذهلة في العالم اليوم يكادون يكونون بلا شهادات عليا ، او انهم من خلفيات بسيطة ومتواضعة .

فيا ترى ماذا يعيق دولنا العربية والاسلامية عن فتح الباب ليكون بعض الناس ( ان لم يكن اغلبهم ) مفكرين؟ ، ويستمع لفكرهم ( حتى لو لم يؤخذ به ) ؟ المهم يبقى التشجيع لهم للاستمرار وليس الانكفاء ، فعدم تفعيل ارادة التفكير عند الناس تصيب الشعوب والبلاد بالبلادة والتراجع على كل المستويات .
كما ان القران الكريم يحث الناس على التفكر ، اذا هو امر محمود ، وحتى لو كان التفكر لا يصل للحقائق المطلقة لكن يبقى مطلوب ، والعمل على مناقشة اي فكر وتطويره يصحب في مصلحة العباد والبلاد .
هناك كتاب جميل للفيلسوف والمفكر فريدريك نيتشه وهو فيلسوف ألماني، و ناقد ثقافي، و شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث. اسمه :
هكذا تكلم زرادشت
رحلة في أعماق الفكر النيتشوي

الكتاب هذا كتبه نيتشه وهو في حالة من العزلة الفكرية والروحية العميقة، و يعاني من مرض مزمن ووحدة قاسية. ومع ذلك، أو ربما بسبب ذلك، استطاع أن يخلق عملاً فلسفياً فريداً يمزج بين العمق الفكري والجمال الأدبي بطريقة لم يسبق لها مثيل.

وبعيدا عن السبب الذي دفع نيتشه لاختيار شخصية زرادشت، كبطل لكتابه ، و كما بعيدا عن ترهات وردت في الكتاب لا نقبلها كمسلمين ، لكن هناك : تحليل عميق للمسار الفلسفي للمفكر يستعرضها نيتشة بقوله :

* المرحلة الأولى: النزول من الجبل *
يبدأ الكتاب بمشهد رمزي قوي: زرادشت، في الثلاثين من عمره، يقرر مغادرة عزلته في الجبل للنزول إلى الناس. هذا المشهد يحمل دلالات عميقة:

– يمثل الجبل رمزاً للعزلة الفكرية والروحية الضرورية للتأمل العميق
– عمر الثلاثين له دلالة رمزية تشير إلى نضج الفكر واكتمال الرؤية
– النزول إلى الناس يمثل مسؤولية المفكر تجاه مجتمعه

يقول زرادشت في هذا المشهد:
“أنا متخم بالحكمة، مثل النحلة التي جمعت رحيقاً كثيراً؛ أحتاج إلى أيدٍ تمتد إليّ.”

* المرحلة الثانية: مواجهة المجتمع *
عندما ينزل زرادشت إلى السوق، يواجه أول صدمة: عدم استعداد الناس لتقبل رسالته. هنا يقدم نيتشه تحليلاً عميقاً لطبيعة العلاقة بين المفكر والمجتمع:

1. **صدمة التواصل**:
– عدم قدرة الجماهير على فهم الأفكار العميقة
– الفجوة بين الحكمة الفردية والفهم الجمعي
– ضرورة إيجاد لغة جديدة للتواصل مع الناس

2. **نقد المجتمع**:
في هذه المرحلة، يقدم زرادشت نقداً لاذعاً للمؤسسات والقيم السائدة:
– نقد الدين التقليدي والأخلاق المسيحية
– نقد الدولة والمؤسسات السياسية
– نقد التعليم والثقافة السائدة

* المرحلة الثالثة: الأفكار المحورية *

* إعادة بناء القيم *
نيتشه يؤكد على ضرورة إعادة بناء القيم بشكل فردي. بمعنى آخر، يجب على كل شخص أن يصبح “( موجدا ) للقيم”. هذا يتطلب شجاعة وإبداعًا، حيث يجب على الأفراد أن يتجاوزوا التقاليد القديمة ويبتكروا معاني جديدة تتناسب مع تجاربهم الخاصة. هنا تأتي فكرة “الإنسان الأعلى” الذي يمثل الشخص الذي يتجاوز القيود التقليدية ويخلق قيمه الخاصة.

– **البعد الميتافيزيقي**:
– انهيار المرجعية المطلقة للقيم
– ضرورة إعادة تأسيس المعنى في عالم بلا مركز
– تحدي خلق القيم في غياب السلطة المتعالية

– **البعد النفسي**:
– مواجهة الإنسان لوحدته الوجودية
– ضرورة تحمل مسؤولية الحرية المطلقة
– تحدي خلق المعنى الشخصي للحياة

* 2. الإنسان الأعلى يقدم نيتشه مفهوم الإنسان الأعلى ( اتحفظ على التسمية والغرض)

مفهوم “الإنسان الأعلى” في فلسفة نيتشه، يمثل تجسيدًا لرؤية جديدة للإنسانية تتجاوز القيود التقليدية. يشير نيتشه إلى أن الإنسان الأعلى هو الشخص الذي يتجاوز القيم الأخلاقية السائدة، ويخلق قيمه الخاصة من خلال إرادة القوة والإبداع.

## **تحليل عميق لمفهوم الإنسان الأعلى**

1. **إرادة القوة**: يُعتبر مفهوم الإرادة القوة المحرك الأساسي للإنسان الأعلى، حيث يسعى الفرد لتحقيق إمكانياته الكاملة وتجاوز ذاته. هذا المفهوم يعكس قدرة الفرد على تشكيل واقعه وتجاوز القيود المفروضة عليه.

2. **التجاوز عن الأخلاق التقليدية**: نيتشه يتحدى الأخلاق المسيحية التي تروج للمساواة والتضحية، داعيًا إلى إعادة تقييم القيم الإنسانية. الإنسان الأعلى لا يتبع القيم الموروثة بل يسعى لخلق معايير جديدة تتماشى مع طموحاته.

3. **التكرار الأبدي**: يُعتبر هذا المفهوم جزءًا أساسيًا من فلسفة نيتشه، حيث يدعو الأفراد للتفكير في أفعالهم كما لو كانوا سيعيشونها مرارًا وتكرارًا، مما يعزز المسؤولية الفردية ويشجع على اتخاذ قرارات تعكس الإرادة الحرة.

4. **الإنسان ككائن مبدع**: الإنسان الأعلى هو كائن مبدع يسعى إلى تحقيق ذاته من خلال الفن والفكر، مما يبرز أهمية التجربة الذاتية في تشكيل الهوية.

5. **النقد للديانات التقليدية**: لنقل في حالتنا المذاهب الاسلامية غير الناضجة كالفكر السلفي والداعشي والتيموي …،
فماذا يمنع المسلم من الاطلاع على الفكر الشيعي مثلا والتفكر والتأمل فيه ؟ فقد ذلك يجعل منك انسان اعلى مما انت عليه حتى لو لم تعتنق ذلك الفكر ! فالتثقيف للنفس شيء جيد .
لان من – **خصائص الإنسان الأعلى**:
* القدرة على خلق القيم الخاصة
* تجاوز الأخلاق التقليدية
* قبول الحياة بكل تناقضاتها
* القدرة على العيش دون حاجة إلى معنى متعالٍ

ويتطرق نيتشة في كتابه الى – **مراحل التحول نحو الإنسان الأعلى**: ويسميها بالترتيب :
1. **الجمل**:
– يمثل مرحلة الطاعة والخضوع
– حمل الأثقال والقيم الموروثة
– الصبر والتحمل

2. **الأسد**:
– مرحلة التمرد والرفض
– تحطيم القيم القديمة
– إعلان الحرية والاستقلال

3. **الطفل**:
– مرحلة الإبداع والبداية الجديدة
– البراءة والنسيان المقدس
– خلق القيم الجديدة

بالتالي، يعتبر مفهوم الإنسان الأعلى دعوة لتحرير الذات من القيود التقليدية، ولكنه يتطلب شجاعة وإرادة قوية لمواجهة التحديات المرتبطة بذلك.

* 3. العود الأبدي *
يعتبر مفهوم العود الأبدي من أعمق وأصعب أفكار نيتشه:

فكرة “العود الأبدي” تتجاوز كونها مجرد فكرة فلسفية؛ إنها دعوة للتأمل في طبيعة الحياة نفسها. إذا كان كل شيء سيعود ويتكرر بنفس الطريقة، فإن كل لحظة تصبح ذات قيمة قصوى. هذا المفهوم يطرح سؤالًا وجوديًا عميقًا: كيف يمكننا أن نعيش حياتنا بطريقة تجعلنا نرغب في تكرارها بلا نهاية؟

* التأمل الوجودي *
عندما يفكر الفرد في العود الأبدي، فإنه يُجبر على مواجهة خياراته وأفعاله بشكل مباشر. هذا التأمل يتطلب منه التفكير فيما إذا كانت خياراته تعكس قيمه الحقيقية وما إذا كان يعيش حياة تستحق التكرار. إذا كان الشخص غير راضٍ عن حياته كما هي، فهذا يشير إلى ضرورة التغيير.

* القوة والإرادة *
فكرة العود الأبدي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الإرادة عند نيتشه. الإرادة هنا ليست مجرد رغبة للسلطة أو السيطرة، بل هي قوة دافعة تدفع الأفراد نحو تحقيق ذواتهم الحقيقية. قبول فكرة العود الأبدي يعني قبول الحياة بكل تحدياتها وأفراحها وأحزانها.

* القبول والاحتضان *
نيتشه يدعو الأفراد إلى الاحتفاء بالحياة بكل جوانبها. إن القدرة على قبول الألم والمعاناة كجزء من التجربة الإنسانية تعكس قوة داخلية عميقة. عندما نتقبل فكرة أن حياتنا ستتكرر بنفس الطريقة، فإننا نبدأ في رؤية كل لحظة كفرصة للإبداع والابتكار.

فرغم الهفوات في كتاب نيتشة : “هكذا تحدث زرادشت” ، بل اعتقد انه في الكتاب بعض الهرطقات الغير مقبولة عندي بالقليل ان لم يكن عند اكثر المسلمين ، الا ان فيه اشياء قد تكون مفيدة لتنظيم علاقة المفكر بالمجتمع . وجعل الناس يفكروا ويتفكروا .

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *