ابتكر الفلسطينيون طريقة جديدة وجميلة لحفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية من خلال مشروع بادر إليه موقع “طقس فلسطين” في الآونة الأخيرة، يتميز بإطلاق أسماء قرى فلسطينية معظمها تم مسحها من الوجود في العام 1948 على المنخفضات الجوية والحالات المطرية، وذلك لتعريف وتذكير الفلسطينيين بها.
وذكر أيمن المصري، مدير الموقع، في حديث مع “العربية.نت”، أن المشروع انطلق منذ نحو شهرين، و”يهدف إلى ربط التاريخ الفلسطيني الذي يحتضر، والتراث الفلسطيني والذاكرة الفلسطينية التي تحتضر أيضاً بالأحوال الجوية، وخاصة المنخفضات لتذكير الفلسطينيين بمعالم من وطنهم، وذلك لأن المنخفضات والأجواء الماطرة تلقى اهتماماً كبيراً من الناس، وبالتالي تشكل هذه الأحوال الجوية فرصة يمكن استثمارها لتمرير المعلومات وإحياء الذاكرة”.
وأوضح المصري أن هناك نحو 30 منخفضاً جوياً تشهدها فلسطين بالمعدل في كل عام، قد تقل أو تزيد، وعليه تم وضع قائمة بأسماء 30 قرية من مختلف مناطق فلسطين، معظمها تم تدميرها في عام النكبة 1948 وباتت أكواماً من الحجارة، بعضها نسيها الناس، وهناك من لم يسمع بها أبداً، وهذه القائمة ستتبدل بأسماء جديدة حين يتم استهلاكها.
أسماء فنية رنانة
يحرص القائمون على الموقع على اختيار أسماء رنانة وفنية من السهل حفظها، خاصة أن المشروع لا يزال في بدايته.
ويوضح أيمن المصري الأمر بقوله: “اجتهدنا أن تكون الأسماء فنية بحيث تعلق بالأذهان أو أن تكون من مقطع واحد، أو لها وقع على الأذن، منها مثلاً ديشوم، إندور، ميرون، نمرين، وهذه كلها أسماء لقرى مهجرة، وإن كان هناك أيضاً أسماء أخرى لبلدات لا تزال مأهولة”.
هذه الأسماء تثير فضول رواد الموقع الذين يتفاعلون معنا من خلال الموقع الرسمي أو صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا أو حتى من خلال الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة، ويتساءلون عن مصدر هذه التسميات، أو يقومون بالبحث عنها في الشبكة العنكبوتية، وهذا يقودهم إلى أنها أسماء لقرى فلسطينية، وهكذا يتعرفون عليها أو يستزيدون بمعلومات عنها.
انتشار الاسم يتأثر بقوة المنخفض
يتأثر انتشار اسم القرية بمدى تميز الحالة الجوية، خاصة في فترات المنخفضات والعواصف الثلجية، أو في المطر الغزير. ويضرب المصري مثالاً على ذلك المنخفض الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي وتأثرت به فلسطين، بحيث كان الإقبال على الموقع كبيراً من قبل الفلسطينيين المهتمين بالأحوال الجوية من الداخل والخارج.
وقال “أطلقنا على المنخفض الأخير مثلاً اسم التوأم “إندور – ديشوم”، لأنه في حقيقة الأمر كان عبارة عن منخفضين متداخلين وليس منخفضاً واحداً، ولكن هذا التداخل يجعل الناس لا يميّزون بينهما، ولذلك اخترنا اسمين لقريتين ووصفناه بأنه منخفض التوأم. هذا المنخفض الذي كان عاصفاً ومميزاً بثلوجه وبرودته وسيوله الناجمة عن الأمطار جعل الاهتمام به كبيراً، وبالتالي انتشر اسم القريتين بشكل كبير، وتعرف عليهما من لم يكن يعرفهما من قبل، ومن هنا نقول إن قوة الأحوال الجوية تؤثر في انتشار المعلومات حول البلدات التي تحمل اسمها.
قبل هذا المنخفض التاريخي كان هناك منخفض صغير أطلقنا عليه اسم قرية نين، ولكن الاهتمام به كان أقل بكثير من منخفض الأسبوع الماضي، وبالتالي تم تداول اسم القرية بعدد مرات أقل بكثير أيضاً.
منخفض باب الشمس
وحول آليات اختيار أسماء البلدات، أكد أيمن المصري في حديثه مع “العربية.نت”، أن الاختيار هو عشوائي إلى حد كبير، ولا يرتبط بمدى ارتفاع أو انخفاض القرية أو مكانها أو طبيعة مناخها، وعليه فإن قائمة الأسماء تتغير مع استهلاكها، لكن هناك استثناء تم إدخاله على القائمة التي وضعت في وقت سابق، بحيث سيتم إطلاق اسم “باب الشمس” على المنخفض القادم.
ويقول المصري: “إن إقحام اسم باب الشمس بالقائمة هو نتيجة للأحداث الأخيرة التي قام فلسطينيون خلالها بنصب خيم في منطقة قرب القدس أطلقوا عليها هذا الاسم، متحدّين المؤسسة الإسرائيلية التي تنوي إقامة مستوطنة عليها. لقد تلقينا العديد من الاقتراحات التي تحثنا على إطلاق اسم القرية الجديدة على المنخفض القادم”.
ويرفض القائمون على الموقع إقحام السياسة والصراع الفصائلي الفلسطيني في التسميات، ولذلك رفضوا إطلاق اسم الشهيد أحمد الجعبري على أحد المنخفضات، رغم أنهم تلقوا اقتراحاً بذلك.
وأضاف “إننا نحترم كل شهداء فلسطين وكل قياداتنا، لكننا نريد أن نكون موقع تجميع لا تفريق للفلسطينيين، ونريد التركيز على قضية الأرض دون إقحام تسميات يمكن أن تثير جدلاً في أوساط الفلسطينيين. نريد أن نبقى بعيدين عن السياسة، وبالتالي نرفض إطلاق أسماء شخصيات سياسية رغم احترامنا الكبير لها”.
تفاعل فلسطيني من أرجاء العالم
يرى أيمن المصري أن “طقس فلسطين” تمكن من استقطاب الفلسطينيين من مختلف أرجاء العالم، “فهناك تفاعل كبير مع الموقع من قبل الفلسطينيين في الداخل والخارج، فحتى أولئك الذين يقيمون في دول مختلفة يهتمون بمعرفة الأحوال الجوية في وطنهم، خاصة في العواصف ويتفاعلون معه ويقودهم هذا أيضاً للاهتمام بمعالم هذا الوطن، ولكي نتمكن من الحفاظ على إقبال كبير حتى في الصيف حيث الاهتمام أقل بالأحوال الجوية، فقد ابتكرنا زوايا جديدة تهتم بالبيئة والطبيعة، وبالتالي الموقع تجاوز فكرة الاهتمام بالطقس فقط، وإنما أيضاً بمواضيع ذات صلة به أو قريبة منه”.