ميشيل كيلو – الشرق الأوسط

أفقت صباح أحد الأيام الماضية على بكاء زوجتي. كانت تنظر إلى الـ«آي باد» وتبكي. سألت عن السبب فوضعت الجهاز أمام عيني، فإذا برجل يدفن حيا لأنه يرفض أن يقول: «بشار الأسد ربي». كان الرجل غارقا في التراب إلى عنقه، وكان من الجلي أنه دفن واقفا، بينما تحلق حوله نفر من عناصر الأمن وفي يد كل منهم رفش. فجأة، ظهر ضابط في المشهد، وسأل إن كان «ابن الكلب» قد شهد أن لا إله إلا بشار الأسد، فقال الرجل بصوت مخنوق: «لا إله إلا الله». عندئذ، وضع فوهة بندقية على صدغه وأمرهم بطمره، فشرعوا يهيلون التراب على رأسه وهو يكرر أن «لا إله إلا الله»، إلى أن غاب ولم يعد يظهر منه أي شيء.

بعد ظهر يوم آخر، قبل ساعات من مشهد دفن الرجل حيا، كانت طائرة تقصف مخبزا في بلدة صغيرة قرب حماه اسمها حلفايا، تجمع أهلها طلبا للخبز. أما حصيلة الغارة، فكانت 300 قتيل هشمتهم القنابل التي ألقيت عليهم.

ذكرتني هذه الجريمة بأمرين: جريمة نازية وقعت ضد قرية بوهيمية ذبح خلالها قرابة 300 شخص، بقيت إلى اليوم في ذاكرة عالمنا المنافق، الذي لا يرى ما يرتكب من جرائم يومية مماثلة ضد سوريا والسوريين من جميع الأعمار والفئات. وذكرتني كذلك بقصيدة للحطيئة (إن كانت الذاكرة تسعف) تصف صيادا يترصد ظبية ترد الماء، وكيف أمهلها حتى «ارتوت من عطاشها» قبل أن «يرسل فيها من كنانته سهما».

هذه الواقعة اعتبرت دوما خير تجسيد لأخلاق الشهامة والكرم العربية، التي لا تجيز قتل ظبية تطلب الماء وهي عطشى. قارنت أخلاق العرب بأخلاق نظام لم يتوقف يوما عن التشدق بالعروبة وقيمها، لكنه ما إن طالبه شعبه بحقوقه أو بشيء منها، حتى سارع إلى دفن بناته وأبنائه أحياء أو قصفهم وهم ينتظرون رغيف خبز لهم ولأحبابهم.

قبل أيام من قصف فرن حلفايا، قصف فرن في حلب، واليوم يقصف حي البياضة في حمص بثماني عشرة قنبلة محملة بغاز السارين السام، وغدا ستقصف سوريا الثائرة بكل ما يملكه النظام من أسلحة دمار شامل، بعد أن قصف قبلها داريا بغاز السارين القاتل إياه، دون أن يكون هناك أي رد فعل من أي جهة دولية، وخاصة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وضع قبل قرابة شهر خطين أحمرين شجعا السلطة الأسدية على تصعيد القتل، عندما «حذرها» من تجاوز أي منهما، فإذا هما: إسرائيل والحفاظ على الأسلحة الكيماوية كي لا تقع في يد متطرفين أو ترسل إلى حزب الله. قال أوباما إن تدخلا فوريا سيحدث إن وقع واحد من هذين المحظورين، ففهمنا يومها أنه يطلق يد الأسد في شعبه، ويسمح له بقصفه بكل ما يملك من طائرات ومدافع ودبابات وراجمات صواريخ وصواريخ ثقيلة.

وكان المدافعون الدوليون عن الإنسان وحقوقه قد أخبرونا في فترة مبكرة من الصراع أنهم قرروا أن لا يحيلوا أحدا من أرباب نظامنا وأتباعه إلى محكمة الجنايات الدولية، لسبب لا يعلمه إلا الله، رغم أن هؤلاء لم يتركوا بيتنا أو قرية أو بلدة أو مدينة سورية من شرهم، وفتكوا بالبشر كأنهم نمل ليست لهم حياة وحقوق يجب أن تحترم.

للتذكير بمعنى مأساتنا: شنت إسرائيل حربا دامت عشرة أيام ضد غزة التي كانت تقصف مدنها المختلفة بالصواريخ، قتل خلالها 108 أشخاص، وهو عدد يوازي عدد من قتلوا في حلب وحدها خلال يوم واحد، مع أن حلب لم تكن تقصف أحدا بالصواريخ، بل كانت تطالب بالحرية والإصلاح.

واليوم، والشهادات الميدانية المباشرة تقول إن عدد القتلى من السوريات والسوريين تجاوز عتبة المائة ألف، وعدد من تشردوا وهاموا على وجوههم وهجروا واعتقلوا ولوحقوا وعذبوا وجرحوا واختفوا بالملايين، يبدو العالم وكأنه مرتاح لما يجري، أو كأنه يشارك النظام في إدارة مجزرته المنظمة ضد شعب يتعرض منذ قرابة عامين للقتل، بعد أن تعرض قرابة نصف قرن للإذلال والاضطهاد والإهانة والنهب والإفساد، تحت سمع العالم المؤيد للنظام الأسدي وبصره.

ماذا يمكننا أن نقول عن عالم يسكت على هذه المأساة الإنسانية المرعبة؟ وهل نصدق بعد اليوم أن هناك مؤمنين بالإنسان ومدافعين عن حياته وحقوقه، إذا كان ذبح البشر يتم بأكثر الصور علنية وأكثر الأسلحة الحديثة فتكا، دون أن يثير أدنى شعور بالشفقة، ناهيك عن الاعتراض لدى المتفرجين، الذين ينقسمون إلى مؤيدين مصفقين وآخرين صامتين، وفي الحالتين إلى شهود لا يرون شيئا مما يجري، كأن موت السوريين بالجملة لا يعني شيئا، أو كأنهم نمل وليسوا بشرا؟

أليس العالم متواطئا بصمته وموافقته وشريكا في القتل، وهو الذي عطل الحمايات القانونية والإنسانية لشعب يباد كالذباب، وبدأ قتله البارحة بالغازات السامة في كل من حمص وداريا، دون أن يصدر ولو رد فعل كلامي على ما وقع، أو يتحرك أصحاب الخطوط الحمراء، التي يبدو أنها لم تبطل ما أعطوه للنظام خلال نصف قرن من خطوط خضراء وبيضاء، تمكنه أن يفعل ما يريد؟ وهل سيعيد العالم السوريات والسوريين إلى الحياة من خلال تصريحات طافحة بالكذب والرياء تتحدث عن التقصير، مثلما حدث في حالات مماثلة سابقة، وقع تجاوزها دوما بواسطة تعهدات لفظية تنم عن انعدام الإنسانية والضمير لدى من أطلقوها، تدعي أنهم لن يسمحوا بتكرارها، لكن هذا لم يمنعهم من الوقوف مكتوفي الأيدي طيلة قرابة عامين على مذبحة منظمة بإتقان ضد شعب سوريا: أحد أقدم الشعوب المتحضرة، الذي يعصف القتل بكل شيء لديه، بما في ذلك أوابده التاريخية التي تتعرض لقصف منهجي يدمرها ويمحوها من الوجود، أو يجعلها عرضة للسرقة والتشويه، مع أنها إرث إنساني يلزم القانون الدولي جميع البلدان بالمحافظة عليه وحمايته؟

ليس الموقف الدولي مما يجري في سوريا مقبولا بأي معيار، ولا شك في أنه ستكون له نتائج خطيرة على حقوق وحياة البشر والشعوب في كل زمان ومكان، وعلى أمن وسلام عالم أثبت أنه لا يقيم وزنا للإنسان، فلا عاصم له عن دفع ثمن فادح سيترتب على امتناعه المقصود عن صيانة أمنه الخاص عبر امتناعه عن احترام ما يمليه القانون الدولي والتضامن الإنساني من احترام حق السوريين في الحياة والحرية والأمان.

ثم لا يخجلون من أنفسهم، ويحدثونك عن جنوح ضحايا الإبادة الشاملة إلى التطرف!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫7 تعليقات

  1. والله انت خارج التغطية يا ميشيل كيلو او رطل او طن حتى كل اسماء المعارضين غريبة واحد سيدا مرض خطير لحد الان لم يجدوا له دواء والاخر غليون حكاية حلفايا التى مازلتم تتاجرون بها يا عملاء يا من تدعون انكم معارضة كانت تصفية حسابات بين الجماعات المسلحة نفسها وقتل فيها ما لا يقل عن 40 مسلح ورأيناهم كيف يغسمون الخبز في الدماء ليتاجروا بالجرح السورى كعادتهم اما موضوع دفن الرجل حيا فكانت الثمثيلية واضحة تماما انتم من ضيعتم هذا الشعب وهذا البلد بالتنظير الكاذب والمنافق يوميا على قنوات الفتن وعندما اصبحتم بلا فائدة تم صرفكم على المعاش ولم تعد لكم حتى الفرصة للنباح في قنوات سفك الدم السورى ………………الجزائر

  2. انا اسال محبيين بشار اسف اقصد بهائم بشار الفاني…
    فل نقل ان من يقوم بهذه التفجيرات هم عصابات تخريبية…
    اليس من الواجب على الرئيس ان يحمي شعبه ؟
    اذا الرئيس لم يحمي شعبه فهو لا يستحق ان يكون رئيسا بل يكون مكانه في الزبالة….
    يعني ماشاء الله هذه العصابات التخريبية تقتل بالرشاشات والدبابات والطائرات والرئيس قاعد يتفرج ؟
    اي نظام هذا؟؟!!!

  3. حتى ولو ما كانت تمثيلية فهي خدعة في واحد في كامل وعيو يقول على نفسو الاه
    ان هؤلاء الذين يسمون انفسهم بالجيش الحر بحيث اعطوا لانفسهم الحرية في كل ما يحلو لهم من قتل و اغتصاب و تعذيب من اين لهم كل هذه الاسلحة والدبابات و الرشاشات وكل عملية يقوموا بها ينسبوها للنظام ان معظم الناس عارفة وساكتة
    يا رب خد بيد اخواننا في سوريا و قوي ايمانهم وانصرهم على من عاداهم يا رب

  4. مشتهي شي مرة شوف بوست لقناة الدنيا مرفق بفيديو

    نحن منزل طيارة …… بكون معا فيديو
    منحرر منطقة …… بكون معا فيديو
    لك بضربو الشباب فشكتين بالهوا …… بكون معا فيديو

    أما هالقوات المسلحة
    بتقتل عشرطعشر ألف إرهابي…….مافي فيديو
    بتفكك عشرطعشر ألف عبوة……….مافي فيديو
    بتعتقل غريندايزر والمحقق كونان………مافي فيديو
    لك بتفتح علبة السردين بإيد وحدة………..مافي فيديو

    مين عم يفبرك بقى
    نحن ولا إنتو ؟
    ..
    منقول وبنقوووووووول صح

  5. God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite
    God curse all hypocrite

  6. اللهم لك الحمد كله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم

    اللهم الطف بأهل سوريا .. اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك

    اللهم انصر المسلمين في أرض سوريا وحكم فيهم شرعك واكفهم شر كل طاغية جبار

    ربِ انصر إخواننا وأهلنا في سوريا و لا تنصر عليهم، ربِ ثبت أقدامهم وارحمهم..

    ربِ رد كيد كل من أراد بهم السوء يا عزيز يا جبار..

    اللهم تول أهل سوريا برعايتك..اللهم احقن دمائهم …اللهم ول عليهم خيارهم

    اللهم احقن دماءهم واحفظ أعراضهم و ذراريهم و أموالهم.

    نسألك اللهم أن تعصم دماء المسلمين وأموالهم وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن

    وأن تصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين .

    نسأل الله أن يجعل لإخواننا هناك من كل هم فرجا ومن كل ضيق ومخرجا ويحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهمّ إنا نسألك السلامة لأهل سوريا

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *