هدف وحيد، من النصراوي المتخصص في الشباك الهلالية محمد السهلاوي، كان كافياً، لتبدأ العاصفة الزرقاء في اقتلاع الأشجار، وليلفظ البحر ماءه في وجه اليابسة إعلاناً لحالة الغرق.
هدف وحيد، غلّتهُ ثلاث نقاط “سمان” كان كافياً لأن يكشّر الغضب الهلالي عن أنيابه، قبل أن يوغلها في لحم الضحية، ويجزل القطع.
خرج النصراويون البارحة من ديربي الرياض بوجوه ضاحكة مستبشرة، وقلوب لم يمسسها كدر، تاركين لإدارة خصمهم اللدود، ما تبقى من الليل وساعات الفجر الأولى ليبحثوا فيها عن طريقة يصافحون بها جماهيرهم لتصفح عنهم، وقد أوشكت الثقة بينهما على النفاد.. خصوصاً والهزيمة هذه المرة تضع حملَها “يأساً سويا”!
أمضى الهلاليون الليل الذي أعقب صافرة النهاية وهم في حنق شديد، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، وفي قلوبهم غلٌّ على الذين حُمّلوا الأمانة الهلالية ثم لم يحملوها.. لكنهم هذه المرّة لم يشيحوا بأبصارهم عن الهزيمة النصراوية ولم يتولوا هاربين، وإنما صوبوا بنادقهم إلى صدور الذين “يقولون مالا يفعلون”، وقد أصبح الصبر في قلوبهم بقدر حبة خردل.. فامتطوا ظهر “تويتر” وثاروا وأثاروا النقع، بكلمات لا ترحم، ولا تتيح الفرصة لفرصة أخرى أن تتاح، وقد أعقب الوعد، الوعد، لكن بلا تحقيق.
وقبل أن تبدأ الساعة الثانية بعد منتصف الليل لكز عقاربها لتمضي إلى الثالثة فجراً، جاءهم خبر من أقصى المدينة يسعى: “أقيل كمبواريه، وزلاتكو هو المدرب البديل”، وزلاتكو مدرب كرواتي يدرب فريق الهلال الأولمبي منذ ثمانية أشهر أو يزيد، إذن هو من “حمام الدار”، ومن صفات “حمام الدار” أنه لا يكلف مالاً إضافياً، ولا يحتاج تذكرة سفر ليأتي إلى السعودية لأنه فيها.. لكن هل من معترضين على هذا القرار؟!.. يقول مسؤول التحرير في صحيفة “الشرق الأوسط” عبدالعزيز الغيامة: “قبل شهر، كان الرئيس الهلالي يقول: إقالة دول في منتصف الموسم أكبر خطأ اقترفته إدارته، والآن يعيد تكرار الخطأ.. الهلال يعيش فراغا إداريا كبيراً، ولا حلول”.
وعلى حافره يقع حافر الصحافي فارس السبيعي، الذي كتب في تغريدة ساخطة: “ماذا فعلت يا رجل؟!.. أضعت حلم مشجع، وأفقدت بطلاً هيبته، وجلبت لاعبين فاشلين، وأفرحت أناساً بائسين، وتسببت في فصل صحافي.. وتريد البقاء؟!”.
وعلى ذي مقربة من رأيهما، يقف الصحافي محمد الشيخ، الذي يشبّه ما يحدث في الهلال بما يحدث في المنتخب: “بعد إقالة كمبواريه وتعيين زلاتكو صار المشهد في الهلال يذكرني بالمشهد في المنتخب تماماً، وبالتالي فالعلة ليست في المدربين فقط”.. ومثله فعل الصحافي حمد الدوسري، الذي أسدى نصيحة صريحة مريحة لرئيس الهلال لا تخلو من زفرات سخط: “عبدالرحمن بن مساعد الناس تريد أن تساعدك لكنك لا تريد مساعدة نفسك، استمع إلى نصائح المخلصين وتوقف عن الاستماع بغرض الدفاع فقط.. أين حنكتك..؟!”
اللاعب الهلالي السابق فيصل ابو اثنين شد من أزر إدارة نادية، وزوّدها بالأمل الذي تحتاجه، إذ كتب مغرداً: “قرار حكيم من إدارة الهلال بإقالة كمبواريه.. المهم الوقفة مع الفريق وتصحيح الأخطاء ودعم المدرب الجديد وتجاوز الخلافات.. فالدوري مازال قريبا”.
وكتوأم سيامي جاء اسم قائد الفريق الهلالي ومدير الكرة فيه سابقاً سامي الجابر لصيقاً لاسم زلاتكو، فهو وفقاً للأخبار التي وردت في “تويتر”، سيكون مدرباً للأزرق مرة، ومساعداً للمدرب مرة أخرى، وهو في مرة ثالثة سيكون مشرفاً على الفريق كما كان قبل أن يحزم حقائبه منذ أشهر ويغادر الهلال إلى أوكسير الفرنسي مدرباً متدرباً، وهي الأخبار التي يقرأها نائب رئيس القسم الرياضي في صحيفة “الحياة” عادل العيسى، بطريقة واحدة حتى وإن كانت تفاصيلها شتى: “سامي الجابر يملك تاريخاً عظيماً لكن حبه لإدارة الهلال وحرصه على الفريق سيحوله الى كبش فداء وسيعبث بتاريخه حينها سيكتشف أنه كان ضحية “العبث”، تذكروا جيدا أن الهدف من إعادة سامي لن يكون تطوير الفريق بل بغية وقف الغضب الجماهيري وبالتالي خروج الإدارة من أزمة الغضب”.
في خضم هذا كله، لم يترك النصراويون، الذين جزّوا قبل أشهر (في أعقاب فوز هلالي نال نصيبه منهم)، رقبة مدربهم الكولومبي ماتورانا، بطريقة الذبح نفسها التي استخدمها الهلاليون مع الفرنسي كمبواريه، فرحة إلا ودهنوا بها قلوبهم، وأغدقوا على مدربهم الأورجواني دانيال كارينيو ما لذ من الكلام، ليس لأنهم فازوا به على الهلال، وإنما لأن الروح النصراوية التي دخلت في غيبوبة منذ أعوام، بدأت تستجيب لعلاجه وتستفيق!
وإلى جوار البهجة الصفراء، كان شيئاً من السخرية حاضراً، في سلسلة من المواجهات القصيرة والصغيرة التي تنشب بين المعسكرين، كلما حانت اللحظة المناسبة لمدّ اللسان تندراً، فكتب الصحافي بندر العتيبي: “النصر لا يقيل مدربين، بل يشتت شمل الأندية”، وعلى غراره كتب الصحافي مسلي آل معمر: “أشعر أن الذي هندس صفقات الهلال هذا الموسم، عضو في إدارة النصر”.
حسناً.. ماذا بقي عن ديربي العاصمة ليقال؟!.. غير أن صحافياً أقيل من وظيفته، لأنه قال للمدرب الهلالي (المُقال هو الآخر) في المؤتمر الصحافي الذي تلا المباراة مباشرة: “أنت تتلاعب بتاريخ الهلال”.. إنه حدث جديد فعلاً .. كما تفعل الهزائم باللاعبين والمدربين، تفعل بالصحافيين أيضاً!.