ي الوقت الذي باتت فيه أي مدينة في أقاصي الأرض أقرب إلى كثير من السوريين من طرطوس، تمكن مراسل صحيفة “فايننشال تايمز” من العبور إلى أحد الحصون المغلقة لطائفة الأسد، ناقلا صورة عما يعانيه الناس هناك من “إحباط” متزايد، جراء ارتفاع الخسائر البشرية في صفوفهم، بالتزامن مع التقهقر المتواصل للنظام الذي يدافعون عنه، حتى غدا التذمر واضحا في تعليقات البعض وهم ينتقدون نظامهم قائلين: لكم القصور ولنا القبور!

 
إلا الجنائز
تقول “فايننشال تايمز” في تقريرها الذي تلقته من داخل طرطوس:
على جدار دكان بمدينة طرطوس الساحلية تتوضع نصف دزينة من الصور، التي تظهر شبابا وقد تداخلت صورهم مع مؤثرات أخرى مثل علم سوريا، رئيسها بشّار الأسد، وأحيانا أبوه حافظ.
إنها “ملصقات الشهداء” لرجال وشباب قتلوا أثناء قتالهم للثوار، وهي ملصقات يمكن رؤيتها معلقة على الجدران في جميع أنحاء طرطوس.. خارج البيوت، على التقاطعات، وحتى على الزجاج الخلفي للسيارات.
 
طبقا لما تقوله لمى مالكة الدكان: يأتي في كل يوم على الأقل 7 أشخاص، طالبين منها إلصاق صورة صديق أو قريب.
 
طرطوس على ساحل البحر المتوسط، واحد من مواطن الأقلية العلوية التي تزود النظام بأشرس المقاتلين عنه، وقد بقيت هذه المدينة معزولة بشكل “سوريالي” عن الإضطراب والدمار، اللذين يحيقان بالبلاد، اللهم إلا فيما يتعلق بالجنائز.
 
طرطوس، هذا الموقع المتقدم لمؤيدي النظام، يواجه خسائر متصاعدة في الأرواح على جبهات المعارك، التي تتوسع بين العلويين، ومن يقولون إنهم متطرفون مدعمون من الخارج.
 
أمام المستشفى العسكري، ثلاثة توابيت ملفوفة بالعلم السوري حملها مجموعة من الجنود ووضعوها داخل سيارة إسعاف ستتولى نقل الأكفان إلى ذوي القتلى.. يمسح جندي دموعه، بينما يصيح آخر: هذا هو الجيش!.. الناس الذي يضحون بأنفسهم في سبيل البلاد!.. وبعد ثوان ينفجر الحشد الصغير مرددا: بالروح بالدم نفديك يا بشار.
 
ليسوا أصدقاءنا
في مكان آخر من المدينة، تبدو سميرة غير قادرة على التوقّف عن البكاء، كلما نظرت إلى صورة ابنها علي، الذي قتل في ضواحي دمشق في  نوفمبر/تشرين الثاني.
بالنسبة إلى الثوّار، كان “علي” مقاتلا لأجل النظام الذي أطلق عنان الدمار المريع باتجاه الأحياء المدنية السنيّة، وكان يقتل ويعذّب متمتعا بالحصانة.
 
بالنسبة إلى سميرة، كان ابنها المحبوب الذي يؤدي واجبه الوطني، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يواسيها أن موته لم يكن “رخيصا”، موضحة: هو كان يحارب ضدّ الثوّار، الناس المسلحين الذين لا يهتمّون بالمدنيين، هؤلاء الناس لا يريدون السلام، ولا يريدون الحرية أو الديمقراطية، هم فقط يريدون تدمير هذه البلاد.
 
كما هي الحال مع مقاطع كثيرة مشابهة  يجري بثها هذه الأيام، صديق مقرب بث مقطعا مصورا يوثق جنازة “علي”، بدأه بكلمات لحافظ الأسد يصف فيها الشهداء بأنهم “شعلة من ضياء”، لتتوالى بعدها لقطات من الجنازة.
 
يؤكد بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية أن وراء التقديس الظاهر للتضحية، يسود الإحباط صفوف العلويين من إخفاق النظام في قمع التمرّد، بينما تتزايد الخسائر البشرية في صفوفهم (أي العلويين)، وهذا الإحباط يمكن أن نلمسه في تذمّر البعض عندما يقول: لك القصور، ولنا القبور!.
 
لكن الخوف من العدو الخارجي، وطابوره الخامس، يضخ جرعة من الثبات هنا في قلب منطقة النظام الساحلية، إمرأة في اللاذقية تصف كيف يحذف الناس قناة العربية والجزيرة وغيرها من قوائم القنوات في مستقبلاتهم (الرسيفر)، على الأقل حتى لايغدو داعمين للمعارضة، ويستعيضون عن تلك القنوات بوسائل إعلام الدولة التي تصور كل الثوّار بأنهم متطرفون إسلاميون أو أجانب.. إلخ.
 
احد أعضاء المليشيا المعروفة بـ”الشبيحة” يعترف بأنه من الخطأ أن تقتل أخاك أو صديقك السوري، لكنه يستدرك: هم ليسوا أصدقاءنا. إنهم سلفيون.
 
غابت في دمشق فظهرت هنا
بينما النزاع يحتدم بعيدا عن طرطوس، سيطرت عقلية التقوقع على الناس داخل المدينة، فالبعض يرفضون التحرك بعيدا، حتى ولو كان ضمن حدود طرطوس، بشكل لم يعفر له مثيل خلال السنتين الماضيتين.
 
تحت أنظار المخابرات، يجلس كهول شيّاب الشعر يحتسون العرق ويمجدون “البعث” وفضائله، بينما تتنزه شابات يلبسن على الموضة قرب شاطئ البحر.
 
تقول شابة تتناول آيس كريم على الشاطئ: إنه حلو مثل سوريا سابقا، ونتمنى بأن تبقى حلوة، بينما يقول “شيخ” من طرطوس إن المدينة التي كان يقطنها حوالي مليون نسمة، غصت بمئات الآلاف من الوافدين الجدد الباحثين عن الأمان.
 
ويرى هارلينغ أن بعض هؤلاء النازحين فقراء ينتمون للمناطق الساخنة في شمال سوريا، وقد تقصد النظام استقبالهم في طرطوس في محاولة لاحتوائهم.
 
وفي الحقيقة تبدو طرطوس اليوم مثل سوريا قديما، حيث تنتشر صور الرئيس، والملصقات ذات الطابع الوطني، والسيارات ذات الزجاج المعتم، وكأن الذي غاب عن دمشق العاصمة بدأ يظهر هنا  في طرطوس على نحو متزايد، وعلى نطاق واسع.
 
ليس واضحا بعد، إن كان هناك إجماع قوي على صمود النظام وتحمله الخسائر كتلك التي تحملتها أسر الضحايا،. لكن الخليط الذي يدمج الاستشهاد بالنظام بالبلاد وبالطائفة، ويترقب “عدوا على الباب”، يبدو أنه ما يزال ناجعا في التشجيع على مزيد من التضحية، تماما كما تقول سميرة: كلّ الناس سيواصلون بالقتال.. سنقدم الشهيد تلو الشهيد حتى تغدو سوريا آمنة.
شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

  1. طرطوس والسويداء واللاذقية و بعض المناطق الكردية اخر المحافظات الامنة بنسبة كبيرة وتشكل ملاذا حقيقيا للنازحين اذا دخلها المغول الجدد كما دخلوا الرقة الامنة فعلى سوريا السلام وهم حاولوا كثيرا لكن الفشل كان حليفهم ……………………الجزائر

  2. من هالمناطق الطيارين و القتلة و المجرمين, اقرء لائحة طياري مطار تفتناز 95% علوية 5% دروز حتى الفنيين خلاصة الحكي خليك بجزائرك جايكم الدور, من دمر سوريا هو اللذي تبقى من سوري و سيآتي الدمار الى يوتهم انشاء الله

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *