يبدو أن الساحة الغنائية العراقية بدأت تنحو نحو الأصوات الذكورية، بعد انحسار الأصوات النسوية. فمأشر الخط البياني يبدو متراجعا وبشكل كبير، خصوصا مع هجرة أو تقاعد المطربات العراقيات الرصينات اللواتي شكلن الذائقة الموسيقية لهواة هذا الفن الجميل، منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن أجواء العراق تبدو متشددة بشكل ما، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الفضائيات المحلية من إعداد برامج تبحث عن الأصوات المبدعة.
يربط الملحن المعروف محسن فرحان المشكلة بالمؤثرات الاجتماعية بالدرجة الأولى، ويقول لـ”العربية.نت”: لدينا أصوات طربية ممتازة، لكن نظرة المجتمع المتدنية لهذه الشريحة هي السبب في الابتعاد عن الظهور، خصوصا مع كثرة القنوات التلفازية التي تبحث عن ترويج إعلاناتها باستعراض الأجساد ومداعبة الغرائز وميوعة المطربة. وهو ما جعل الأهل أو أولياء الأمور يقمعون أية رغبة لدى فتياتهم، مفضلين بقاءهن في البيت على مواجهة الانتقاد العشائري أو المجتمعي.
غياب المعاهد الفنية وحضور المطربات
لم تكن السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية (1920 وما بعدها) مهتمة بتأسيس معاهد فنية للموسيقى والغناء، بقدر اهتمامها بتشكيل الجيش والشرطة وبنية أركان الدولة الفتية، لكن ذلك لم يمنع من ظهور أصوات يحن إليها الناس إلى الآن، وعلى اختلاف مشاربهم، مثل صديقة الملاية، بدرية أنور، زمنيرة الهوزوز، زكية جورج، وصولاً إلى سليمة مراد، وزهور حسين، ووحيدة خليل، وعفيفة إسكندر، ولميعة توفيق، وأحلام وهبي، وغيرهن الكثيرات.
حتى أن بعض الأغنيات لاتزال محفورة في ذاكرة الأجيال العراقية مثل “على جسر المسيب سيبوني”.

الأصوات النسائية
أغنيات لم تزل حيّة لأنها نبعت من حياتهم، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالتراث والفولكلور وكانت انعكاساً للواقع المعاش.
ملحن عراقي يفتح النار
من جانبه، يؤكد الملحن “المشاكس” جعفر الخفاف لـ”العربية.نت”، أنه في السابق كان الصوت القوي والاندماج مع الكلام واللحن هو وسيلة التنافس بين مطربات عصر الأغنية العراقية النسوية الذهبي، أما اليوم فالفضل يعود لانتشار المعطيات التكنلوجية التي تساهم في تحسين الصوت النشاز أو التسجيل على مراحل عدة وأماكن مختلفة، والاستعانة بكافة المؤثرات البصرية. ويضيف “على الرغم من ذلك، كل تلك الوسائل لم تنفع في إقناعنا بأهمية الأصوات الموجودة الآن”.
من ناحية أخرى، يشدد على أن الأصوات المبدعة التي تتقدم إلى “برامج المواهب” تفرض نفسها من البداية، أما الأخريات فيقلن مع أنفسهن حتى لو لم ننجح فإن ظهورنا في التلفزيون سيمنحنا فرصة الاشتغال في الملاهي الليلية، وهو أحسن الخيارات، لأن صاحبة الصوت الجميل ستحتاج الى أموال طائلة من أجل إنتاج أغنية واحدة، وهي لا تملك ذلك، لاسيما وأن أغلب المتقدمات هن من الطبقة الفقيرة أو متوسطة الحال.
الحل : شركات إنتاج مدعومة
بعض المنشدات اللواتي حاورتهن “العربية نت” بشأن تلك الظاهرة، رضين بالتكلم بشرط عدم ذكر أسمائهن لما يسببه ذلك من إحراج لهن مع دوائرهن الفنية، فقالت إحداهن: “إن التقصير هو في المؤسسات الرسمية، لأن برنامجا سابقا تبناه التلفزيون العراقي في الستينات وكان يسمى “ركن الهواة” قدم عشرات الأصوات النسوية والرجالية التي أضافت الكثير فيما بعد للغناء العراقي، بسبب احتضان المؤسسة لتلك المواهب.
وأضافت ثانية: “لدينا مؤسسة فنية تعنى بشؤون الموسيقى والغناء، ولكن على صعيد الإنجاز ماذا قدمت؟ لا شيء، سوى بعض الفعاليات الفقيرة التي يقصد منها إثبات المشاركة أو إرضاء المسؤول”.
وبعيداً عن النظرة المتشائمة التي تقول إنه لا أصوات نسائية قادمة للأغنية العراقية؛ يبقى الأكيد أن عدم وجود شركات إنتاج مدعومة من الدولة، وغياب لجان فحص الأغاني من ناحية الكلام واللحن والأداء، هو السبب الأساس في انتشار هذه الظاهرة وصعود الأغاني الهابطة واعتمادها على تمايل الأجساد ومخاطبة الحواس.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *