تنشب بين الحين والآخر خلافات بين القبائل في موريتانيا على ملكية الأراضي والآبار، وأفضلية النسب وقضايا الارتباط وعلاقات الزواج المرفوضة من قبل البعض. وتؤثر هذه الخلافات سلباً على المجتمع، في الوقت الذي يحذر الباحثون من تأثيرها وتطورها إلى جرائم قتل واعتداء.
ولا تزال القبائل والعشائر في موريتانيا تؤثر بشكل كبير في الحياة السياسية والاقتصادية وتتحكم في معظم مناحي الحياة الاجتماعية، كما لا تزال كلمة شيوخها مسموعة من قبل الحكام والمسؤولين، ويؤثر رأيها في رفض أو قبول أنماط الزعامات المختلفة والتعيين في المناصب السامية، ويلعب ثقل القبيلة دورا كبيرا في حياة السياسيين ويشكل إحدى أهم الدعائم في مسيرتهم، فلطالما وفرت الزعامات القبلية الظروف المناسبة للسياسيين لتحقيق النجاح وقادت حملات انتخابية لدعم ترشيحهم موظفات الثقل الشعبي والسياسي للقبيلة من أجل دعم وإنجاح مشروعهم.
وقد فرض هذا الدعم في بعض الحالات وضعا شديد التعقيد، حيث إن دور القبيلة لا ينتهي عند دعم المرشح في الانتخابات أو في الحياة السياسية عامة من أجل الوصول إلى مركز مرموق. بل امتد دورها إلى السيطرة والتدخل في صميم عمل السياسيين استثمارا لنجاحهم وانتقاما من الخصوم القبليين.
إضعاف دور الدولة
وفي هذا السياق، يقول الباحث محمد ولد إدومو إن “الدولة تعي أهمية سلطة القبيلة في موريتانيا وتراعي التوازنات بين القبائل في قواعد اللعبة السياسية، كما أنها تستغل النعرات القبلية ورواسب الخلافات العشائرية لتحقيق مصلحتها، وكان آخر خلاف بين العشائر قد ظهر جليا في تجديد ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وحتى الحزب الحاكم لم يسلم من تأثير مساعي القبائل لتحقيق نفوذ أوسع، حيث تصارعت بعضها لفرض مرشحيها مما عكس حجم الخلاف بين مكونات الحزب العرقية رغم محاولات قادة الحزب الحاكم فرض توازنات لتجاوز الخلافات العشائرية السائدة بين القبائل”.
ويشير إلى أن تأثير هذا الصراع التقليدي الذي يرجع في أساسه إلى اختلاف المصالح والجذور القبلية للصراعات القديمة دفع بعض السياسيين إلى الخروج عن قرار الحزب وهو ما يؤكد حجم تأثير قرار القبيلة على الحياة السياسية، ويحذر الباحث من تنامي سلطة القبيلة والنزاعات التي تهدد الأمن والسلم الاجتماعي ويدعو إلى حل النزاع على الممتلكات وحسم الخلافات العشائرية في بدايتها وتقوية دور الدولة في بلد ينقسم سكانه إلى قبائل وعشائر نشبت بينها معارك طاحنة في الماضي وما زالت تمجد انتصاراتها على بعضها البعض في أشعار وأغان تردد في الوقت الحاضر.
احترام الهرم الاجتماعي
يذكر على سبيل المثال، أن قوانين القبيلة تمنع زواج الرجال من امرأة تعلوهم نسبا في الهرم الاجتماعي، ويتسبب تجاوز هذه القاعدة في حدوث خلافات حادة بين القبائل، كما تثير كتب الأنساب جدلاً واسعاً في موريتانيا، التي لا يزال سكانها مقسمين إلى عدة قبائل تتنافس على الجاه وأفضلية النسب، ويتردد علماء الاجتماع كثيرا قبل إصدار كتب تبحث في جذور وأنساب القبائل والعشائر وتكويناتها وتطورها ودورها السياسي وتاريخ هجراتها، لأن البحث فيها يثير حفيظة بعض القبائل، ومن بين المؤرخين القلائل الذين تناولوا موضوع قوة النسب القبلي كان الراحل صالح ولد الرشيد الذي قدم دراسة هامة عن تاريخ القبائل وأنسابها، أثارت جدلا واسعا لأنها رتبت القبائل حسب قوة نسبها وسلطت الضوء على نواح مهمة في فهم النظرة الاجتماعية الدونية لبعض القبائل التي سُجل تاريخها مختلطا بالأسطورة، وهو ما أثار حفيظة بعض القبائل.
وتنقسم قبائل موريتانيا إلى قسمين “عرب محاربون” وهم حملة السلاح الذين يتولون مهمة الدفاع عن القبيلة، و”الزوايا” وهم حملة القلم الذين يتولون مهمة نشر العلم والدين، إضافة إلى التابعين من رعاة وصناع وعبيد. وسيطرت هذه التراتبية على جميع مناحي الحياة في موريتانيا وظلت العائلات الموريتانية تستمد قوتها من نسبها للقبائل المحاربة وتصنف نفسها على أنها الأكثر سلطة ونفوذا.