كتب ميشيل كيلو في الشرق الأوسط:
مع قرار أميركا بتسليح المعارضة بأسلحة حقيقية، يبدو أن سوريا بدأت تدخل «الزمن الليبي». وهذا مصطلح أقصد به أن وضعها بدأ يحسم في ضوء موازين القوى العالمية، أكثر بكثير مما سيحسم في ضوء موازينها الخاصة؛ موازين المعارضة والنظام، التي مالت في الآونة الأخيرة لصالح الأخير، مثلما مالت موازين القوى لصالح القذافي في الأيام السابقة للتدخل الخارجي في ليبيا، حتى إن سيف الإسلام، ابن «الأخ العقيد»، أعلن بلغة لا لبس فيها أن التدخل لن يغير شيئا من واقع الأمور على الأرض، لأن المعركة ضد المعارضة ستحسم خلال أربع وعشرين ساعة مقبلة. غير أن تقدير القذافي الابن لم يكن سليما، لأن التدخل أخرج دبابات أبيه من شارع جمال عبد الناصر في مدينة بنغازي، حيث دمرت 30 دبابة، فكان تدميرها بداية التراجع الكبير لقوات النظام، الذي توقف بعد أشهر قليلة في العاصمة طرابلس، قبل مقتل القذافي نفسه بأيام معدودة، وفرار أركان نظامه في كل حدب وصوب.
ثمة، في الصراع السوري، مفارقة لطالما طرحت أسئلة محيرة بخصوص أسبابها، ونتائجها بالنسبة إلى الطرف المعارض، جسدها التناقض الصارخ بين حجم الدعم الدولي المفتوح بالسياسة والسلاح، الآتي من روسيا وإيران، والدعم العربي المادي والمعنوي: الجزائري والسوداني والعراقي، الذي قدم للنظام، وحجم التخلي الدولي الشامل عن ثورة سوريا، التي تركت في مواجهة قوة عظمى دولية وأخرى إقليمية ونظام مدجج بالسلاح، مع ما أدى إليه اختلال التوازن من خسائر فادحة نزلت بالشعب الأعزل، وتضحيات لا تصدق قدمها كي يقيم توازنا ما مع الجيش النظامي، نجح بأعجوبة في المحافظة عليه طيلة عامين شهدا معارك ضارية انحسر النظام خلالها عن مناطق واسعة من وطننا، وقلص سيطرته حتى داخل المدن الكبيرة والمتوسطة، التي حافظ على سطوته عليها بالقوة العارية. في النموذج الليبي، رجح التدخل الخارجي كفة المعارضة، أما في الحالة السورية، فكان التدخل الخارجي لصالح النظام، ضد المعارضة، التي اتهمت منذ بداية الأحداث بالأصولية والتكفير وتعرضت لحرب شعواء لا رحمة فيها.
هل سيبدل القرار الأميركي هذا الواقع، وهل سيقيم التوازن المطلوب مع التدخل الروسي – الإيراني، مع ما سيؤدي إليه ذلك من استمرار للصراع بطرق تختلف عما عرفناه إلى اليوم؟ أم أن حجم التدخل الأميركي سيتفوق على تدخل الطرف المقابل وسيفضي إلى هزيمة النظام وحليفيه، بعد زمن يقصر أو يطول وفقا لحجم الدعم ونوعه، فتخرج بلادنا من المأزق العصيب الذي زج بها فيه تحالف موسكو – طهران – الأسد، وكلفها ما كلفها من دماء ودمار؟ هذا السؤال المهم لا يلغي واقعة أكثر أهمية منه؛ هي أن الحل في سوريا لن يتعين بالعلاقات والموازين الداخلية المباشرة، بل بالعلاقات والموازين الخارجية، التي لن تكون متعادلة، بالنظر إلى غلبة القوة الأميركية على ما لدى روسيا وإيران في المنطقة العربية عامة وقرب سوريا خاصة، وما يمكن أن تفضي إليه غلبة الخارج من غلبة ميدانية للجيش السوري الحر على جيش النظام وحلفائه من غزاة حزب الله والعراقيين والحوثيين والأفغان والإيرانيين والأذربيجانيين.
بالقرار الأميركي، صار العامل الخارجي مرجحا، بل وحاسما لسببين:
– أولهما أنه أتى قبل «جنيف2»، الذي يقال إنه سيعقد في فترة غير بعيدة تقاس بالأسابيع. فلا عجب أن لا يعقد «جنيف» قبل أن يفعل هذا البعد الخارجي فعله في الصراع وتظهر نتائجه على الأرض السورية.
– وثانيهما: أن القرار يعطي الأولوية لإمداد الجيش السوري الحر بالسلاح، ولتغيير موازين القوى لصالحه، ويتحدث عن «جنيف2» كمهمة أميركية أو دولية تالية، ويقول إنها ستنجز «في وقت ما»، وبالتالي فهو لا يربط نتائج «جنيف» بالعلاقات الأميركية – الروسية، بل بالتبدلات الميدانية المطلوبة على الأرض، التي يرجح أن تتيح للمعارضة وقتا كافيا لاتخاذ موقف موحد من المؤتمر الذي سيعقد فيها، في وقت ما.
وكانت هيلاري كلينتون قد قالت ذات يوم: «يكون الأسد واهما، إن هو تصور أنه سيهزم المعارضة». كعادته، لم يفهم الأسد الرسالة ولم يدرك أن انتصاره خط أحمر أميركي، فاستعان بإيران وأتباعها علّه يحسم الأمر ميدانيا ويذهب إلى جنيف لفرض شروطه كمنتصر. وعندما خال أنه اقترب من هدفه، بدأ العامل الدولي يفعل فعله، لأسباب منها أن هزيمة شعب سوريا خط أحمر، وأن انتصار نظامها وحلفائه سيكون كارثة تحل بأميركا في مواجهتها مع طهران خاصة.
سيظهر قادم الأيام أن من أخرج دبابات القذافي من شوارع بنغازي، ليس مطالبا بإخراج دبابات الأسد من مدن سوريا، وأن شعبها الثائر ومقاومته هما اللذان سيتكفلان بذلك.