تمثل السعودية رقماً صعباً في الاقتصاد العالمي وتستحوذ مشاركتها في قمة مجموعة العشرين على أهمية استثنائية، حيث تنعقد قمة العام الحالي في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق الناشئة بالعالم من اضطراب مالي، وتقف على شفير أزمة جديدة، فيما يعوّل المراقبون على المملكة لأداء دور كبير في ضبط إيقاع الأسواق المضطربة خلال الفترة المقبلة.
ولدى المملكة ثاني أكبر صندوق استثمارات سيادية في العالم، والأكبر عربياً، حيث يحوي صندوق النقد العربي السعودي أصولاً للمملكة بقيمة 675.9 مليار دولار، موزعة على مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة على حد سواء، بما يجعل القرارات الاستثمارية للسعودية ذات أهمية استثنائية.
كما أن لدى المملكة واحداً من أكبر الاحتياطات النقدية في العالم، حيث أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي في شهر أبريل/نيسان الماضي أن الاحتياطات النقدية المتوافرة لديها ارتفعت 17% وبلغت 2.54 تريليون ريال، وهو واحد من أعلى المستويات في العالم.
وتتصدر قضية الاضطراب المالي في الأسواق الناشئة جدول أعمال قمة العشرين المنعقدة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، حيث يخشى العالم من الانزلاق الى أزمة اقتصادية جديدة بسبب التغير الذي طرأ على السياسات المالية والنقدية للولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يتسبب بنقل الأزمة الى منطقة أخرى من العالم بدلاً من تجاوزها بشكل كامل.
حالة انكماش
وفيما خرجت منطقة اليورو من حالة الانكماش فإن الدول الناشئة، وعلى رأسها البرازيل والهند وتركيا، تشهد مشاكل اقتصادية بسبب تراجع أسعار عملاتها، وهو التراجع الذي نجم عن التغير الذي تعتزم الولايات المتحدة تنفيذه بشأن سياسات التيسير الكميّ.
ويرى المحلل الاقتصادي السعودي محمد العمران أن مشاركة السعودية في قمة مجموعة العشرين تستحوذ على أهمية كبيرة، سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي أو بالنسبة لاقتصاد المملكة المحلي، مشيراً الى أن “العلاقات مع أكبر عشرين اقتصاد في العالم تمثل أهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد السعودي الذي يقوم على عمليات الاستيراد والتصدير، وهي عمليات تتم غالبيتها مع هذه الدول”.
وقال العمران لـ”العربية نت” إن “دور المملكة فعال ومهم جداً في ضبط الإيقاع بالأسواق الناشئة، لكن هذا لا يعني أنها قادرة بمفردها على أن تمكّن العالم من تجاوز أزمة مالية واقتصادية”، مضيفاً: “السعودية واحدة من بين عشرين اقتصاد يقع على عاتقهم انقاذ العالم من أزمة مالية جديدة”.
التزام المملكة
وبحسب العمران فإن المملكة ملتزمة بمواصلة الإنفاق الاستثماري، وتسريع الطلب، والحفاظ على إمدادات النفط والغاز الى العالم، بما يضمن عدم الارتباك في الأسواق، وبما يضمن عدم حدوث التوترات التي تضر بالاقتصاد العالمي.
ويرى العمران أن النشاط السعودي في مجموعة العشرين لا تعود فوائده على الاقتصاد العالمي فقط، وإنما يمثل عاملاً إيجابياً مهماً يدفع الاقتصاد المحلي نحو تحقيق مزيد من النمو، مؤكداً أن الاقتصادات الكبرى في العالم هي الشريك التجاري للمملكة، سواء في عمليات الاستيراد أو عمليات التصدير، وبالتالي فإن المشاركة في هذه القمة يمثل دافعاً مهماً للاقتصاد السعودي.
ورغم الأهمية التي يتحدث عنها العمران إلا أنه لا يرى أن انعقاد هذه القمة في روسيا في ظل الأوضاع الراهنة كان خياراً موفقاً، مشيراً الى أنها – أي القمة – لو انعقدت في أية دولة أخرى لكان مستوى التمثيل أفضل، ولكانت النتائج بكل تأكيد أفضل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، مؤكداً أن “الموقف الروسي من الوضع في سوريا هو ما يعكر صفو القمة، ويعرقل مسارها”.
يُشار الى أن العديد من الاقتصادات الناشئة في العالم تواجه متاعب مالية مع موجة التحسن الاقتصادي الذي تشهده الدول الكبرى، حيث تواصل العملات المحلية في كل من الهند وتركيا تراجعها في الوقت الذي يسود فيه الحديث عن موجة هجرة لرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية من هذه الدول الى الاقتصادات الكبرى التي تتعافى.