مجتمع الحصار هو تجربة إنسانية نادرة الحدوث، فلا توجد قصص كثيرة عن مناطق عُزلت بشكل كامل عن محيطها الطبيعي في الحياة المدنية لمدة 500 يوم وما يزيد على ذلك.
مجتمع جديد ذو صفات خاصة، ضمّ خليطاً متنوعاً من مجتمعات مختلفة وأحياء مختلفة، جمعها الهدف الواحد في مجابهة النظام بكل قدرة ممكنة.
على اختلافهم وجدوا أنفسهم في ضرورة العمل لاستمرار الحياة، بعضهم تكفل بحمل السلاح والذود عن حدود المنطقة المحاصرة، وآخرون تكفلوا بالأعمال المدنية من إطعام وإغاثة وتأمين المياه والكهرباء والمشافي وغيرها.
ليعمل العسكري والطبيب، والنجار والحداد، والمزارع والتاجر، والمحاسب والميكانيكي والمصوّر في دائرة متكاملة يكمل أحدهم الآخر.
ظروف الثورة فرضت نوعاً من الضرورة الأمنية الدائمة على العاملين في مجالات الثورة المختلفة للتخفي بأسماء وهمية خوفاً من اعتقال أو مضايقة عوائلهم في الأحياء التي لاتزال في قبضة العصابة الأمنية، فلم يعمل بعلنية ظاهرة إلا من اضطر لذلك لخدمة الثورة وتحقيق مصالحها، ليستمر الوضع على حاله حتى بدأت تتشكل دائرة الحصار وأصبحت الأحياء الثائرة قبل أن تصبح محاصرة مكاناً لتجمع الثوار من مختلف اختصاصاتهم كمقاتلين أو إعلاميين أو أطباء.
وفرضت دائرة الحصار على الجميع تعاملاً مباشراً بشكل يومي بين جميع المحاصرين، فأصبحت الألقاب تظهر لتفريق فلان عن فلان لتقليل الارتباكات والأخطاء من هذا النوع، فكان أول الأسماء وفقاً للأحياء أو القرية أو المدينة، فمثلاً: “سامر باب السباع لانتمائه لحي باب السباع، وأبوخالد كرم الزيتون.. ومحمد الخالدية.. حدو الديري، ياسر الحلبي” وهذا بشكل عام.
وأما بين المقاتلين فكانت الصفة الغالبة لهم وفق انتمائهم للكتيبة “أحمد الفاروق لانتمائه لكتيبة الفاروق، وأبوياسين الأتباعي لانتمائه لكتيبة أتباع الرسول، وأبوعمر الأنصاري لانتمائه لكتيبة الأنصار”.
أو وفق تمرّسهم في العمل على سلاح معين ليرتبط اسم ذاك المقاتل بتخصصه على السلاح “أبومحمد رشاش، وأحمد هاون، رياض القناص، أبوحمزة 12 ونص …أبوأحمد دبابة” كما هي حال العاملين في الإعلام التي ارتبطت أسماؤهم غالباً في الأحياء التي عملوا فيها أو نسبة الى التنسيقيات والهيئة الثورة التي عملوها فيها، “صفا الخالدية – أبومحمد شام – لعمله في شبكة شام- حسين الهيئة – لعمله مع الهيئة العامة”.
لتبقى الألقاب التي سمّي بها الآخرون في باقي المجالات أكثر حرية متصلة بعمل يومي اشتهروا بالقيام به أو فعل معين أو حتى عبارات ارتبطت بشخصية صاحب الاسم “يامن مولدة – أسامة طبية – أبوياسر الحداد.. أبوربيع الفران، أبوسعيد الله يتوب عليه”.
أسماء وألقاب جديدة أتت لترافقهم في حياتهم الجديدة التي اختروا فيها أكثر خطواتها، لتظهر فجأة ذاكرة حياتهم السابقة عند استشهاد أحدهم، لتكشف أسماؤهم الحقيقة وألقاب عوائلهم، فمن يعرفها في الحصار فقط الأصدقاء المقربون والمعارف من حياة ما قبل الثورة.. لتسقط في عالمهم الجديد وتبقى ذكراهم ملتصقة بأسمائهم الجديدة.