كتب حازم صاغية في جريدة الحياة:
ما أحرزته إيران في الاتّفاق النوويّ الأخير ليس بسيطاً. بيد أنّ التنازلات التي قدّمتها وستقدّمها تبقى أكبر. فـ «انتزاع الحقّ في التخصيب» ليس محسوماً بعد، وهذا ناهيك عن السقف الذي سيحكم كلّ تخصيب والذي لا تتعدّى نسبته الـ5 في المئة، فضلاً عن تقليص المادّة التي خُصّبت بنسبة 20 في المئة أو تغيير طبيعتها.
لكنّ هذه الأمور التي أطنب الإعلام العالمي في شرحها تبقى قابلة للأخذ والردّ في النهاية، خصوصاً أنّنا لا نزال في طور «الموقّت» (6 أشهر) وفي إطار المقدّمات الأولى.
أهمّ من ذلك، لا سيّما في ما يعنينا، صورة إيران التي ستخرج إلى النور بعد هذا الاتّفاق، في حال إتمامه، محمّلةً بالمكاسب التي أحرزتها وبالأكلاف التي ستدفعها.
فهي ستكون محرومة من الأنياب النوويّة للمستقبل، وهذا ليس تفصيلاً بسيطاً. وهو لن يطاولها فحسب، بل يُرجّح أن يطاول منطقة بكاملها ستتّسع المسافة بينها وبين أسلحة الدمار الشامل. لكنّ إيران ما بعد الاتّفاق قد تمتلك موقع نفوذ في المنطقة يحظى بالإقرار الدوليّ، وإن كانت التكهّنات لا تزال تدور حول طبيعته واحتمالاته. ومن ناحية أخرى، ومن دون أيّ رابط سببيّ، يجيء التزامن مع تردّي العلاقة بين تركيّا ومصر ليقوّي حجّة القائلين بدور إيرانيّ أكبر تحتاجه الولايات المتّحدة في العراق وأفغانستان وأيضاً حيال الإرهاب «السنّيّ».
لكنْ، هل يعقل أن تمارس إيران دورها الجديد المحتمل بالأدوات الأيديولوجيّة ذاتها، وهل تستطيع أن تعدّل أدواتها الأيديولوجيّة وتحافظ على قوامها السلطويّ الراهن؟
يُلاحظ، بادئ ذي بدء، أنّ ما حمل طهران على التفاوض كان العقوبات الاقتصاديّة التي آذتها إلى أبعد الحدود، بعدما لعبت دورها الكبير في إيصال الشيخ «المعتدل» حسن روحاني إلى رئاسة الجمهوريّة.
وهذه خلفيّة تسمح بالقول إنّ للأيديولوجيا حدوداً في إيران. فنحن لسنا حيال كوريا شماليّة أخرى مستعدّة «أن تلتهم التراب كي لا تقدّم التنازلات». لكنّ تطوير هذه الخلفيّة والبناء عليها لن يكونا سهلين على نظام جمع منذ قيامه بين التمدّد الأمبراطوريّ وبين الوعي الأيديولوجيّ. فهذا، في حال حصوله، سيكون أخطر وأكبر من المغامرة بانتخاب روحاني أو انتخاب محمّد خاتمي قبله.
هل نغامر بالقول إنّ روسيا بوتين الساعية إلى مدّ نفوذها، بعد التخلّي عن الشيوعيّة، صالحة كمصدر للاستلهام؟
هذا السؤال المعلّق وغيره من الأسئلة لا تحول دون الجزم في أمر واحد، وهو أنّ لبنان وسوريّة سيكونان المسرحين اللذين يقدّمان الكثير من الإجابات حول إيران المستقبل.
وفي هذه الحدود، ثمّة فرصة للتدخّل العربيّ في ما ستؤول إليه الأحداث، أتمثّل هذا التدخّل في سياسات رسميّة وحكوميّة أشدّ ديناميّة وأقدر على الاندراج في الإجماعات الدوليّة ومعارضتها من داخلها، أم في سياسات شعبيّة، سوريّة وإيرانيّة، تستطيع أن تربط تصدّيها للاستبداد بالوجهة الكونيّة الغالبة للحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل.