كتب سعود كابلي في صحيفة الحياة:
أصيب الإعلام الخليجي بحال من الفزع عقب توقيع الاتفاق بين دول مجموعة 5+1 وإيران حول برنامجها النووي. وهو أمر ربما يعبر عن المزاج السياسي الخليجي تجاه هذا الاتفاق الذي يرى أنه بادرة لقيام الولايات المتحدة بالعمل على إعادة رسم خريطة القوى في المنطقة على أسس جديدة تكون إيران فيه المحور الرئيس بما استطاعت امتلاكه من أوراق، بدءاً من العراق ومروراً بسورية ولبنان ووصولاً لمناطق في الخليج واليمن والسودان. هذا الاتفاق من وجهة النظر الخليجية هو باب لإعادة التقارب الأميركي – الإيراني بما يعطي إيران دوراً إقليمياً جديداً يشابه دور «شرطي الخليج» سابقاً.
السعودية وإيران يمثلان القطبين المتنافسين في المنطقة. ومن ثم لا بد من الإقرار بأن التقارب الأميركي – الإيراني المتوقع سيكون له تأثير مباشر في مصالح المملكة كونه سيدفع إيران الإقليمية بقوة على حسابها. وبعيداً من التحليلات في ما يتعلق بتأثير هذا الأمر في المملكة أو علاقتها المستقبلية مع الولايات المتحدة في ظل التحولات الإقليمية الراهنة، فإن السؤال الأهم الذي لم يطرح هو: أين وكيف أضاعت المملكة فرصها في ما يتعلق بهذه المسألة؟ وكيف نتحرك اليوم انطلاقاً من هذا الوضع؟
من السهل إلقاء اللوم على القوى العالمية لوصول الوضع الراهن – من وجهة نظرنا – إلى ما هو عليه. إلا أن الشجاعة تقتضي بأن نبدأ بانتقاد أنفسنا، فالأزمة الحقيقية هي في غياب المشروع السياسي السعودي للمنطقة. إن السعي لمجرد الحفاظ على الحال السياسية الراهنة في المنطقة (status-quo) ليست مشروعاً بحد ذاته، وإنما مجرد رد فعل سياسي. إن إيران لم تربح أوراقها في المنطقة من خلال جماعاتها وميليشياتها فقط، وإنما من خلال وجود مشروع سياسي واضح لها يرتكز على أيديولوجية فكرية، وعلى أسس الجغرافيا السياسية، وعلى تحركات قوامها الرئيس هو الندية مع الدول الأخرى. لقد اكتسبت إيران – على سبيل المثل – خبرة كبيرة من خلال التفاوض مع دول العالم ومن الشعور بالتهديد، واستطاعت في المقابل أن تفوز بأوراق من خلال التعامل مع الدول الكبرى بتحدٍّ في المنطقة، وهو أمر ربما يجب علينا أن ننظر إليه بتمعن وتعمق للاستفادة منه. فالشعور بالتهديد والتحدي قد يكون مفيداً للدول في بعض الأحيان كونه يطلق طاقاتها السياسية للعمل.
إيران لا تعتمد في مشروعها السياسي فقط على فكرة التشيع، فهي تتحالف مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية المسلمة. هنالك منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية تنتهجها إيران، بدءاً من القاعدة الثقافية من أفلام وفنون ومروراً بالقاعدة الصناعية المتنوعة التي تسعى لتثبيتها سواء في صناعة السيارات أو الصورايخ الإيرانية، وانتهاء بالقاعدة السياسية المتمثلة في تسويق نفسها كقوة إقليمية قادرة على فرض نفوذها في المنطقة.
مع ذلك يجب تقويم الوضع بمزيد من الموضوعية، فالمملكة لم تعجز عن إيجاد بديل إقليمي منافس لغياب قدرتها، فهي أثبتت قدرة على الثقة السياسية مثل إيران تماماً وأكثر، ويظهر هذا الأمر في مثال إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين أو دورها في سورية أو مساندتها الأخيرة لمصر، على رغم عدم التأييد الدولي في الحالات المذكورة. وهذا الأمر يضع محللي السياسة السعودية أمام تساؤل حقيقي حول أسباب غياب الحسم السعودي في الخروج برؤية شاملة ومشروع سياسي واضح للمنطقة.
إن المملكة في نهاية المطاف ليست دولة ضعيفة، ولا هي بغير القادرة على مواجهة منافسيها الإقليميين أياً كانوا، وفـــــي واقع الأمر فإن إيران أضعف مما تبدو، والمملكة أقوى مما تعتقد. إن ما تفتقده المملكة هـــو المشروع السياسي في المنطقة، ليتحول دورها بالتالي إلى لاعب إقليمي يسعى لفرض رؤية وليس مجرد التفاعل مع أحداث محيطه.
إن أي مشروع سياسي يرتكز على أسس ثلاثة: سياسية واقتصادية واجتماعية، ونحن في المملكة بأمس الحاجة إلى حوار جاد وصريح حول ما ينبغي أن يكون مشروعنا السياسي. فليس من المعقول في ظل كل هذه التحديات الهائلة التي تمر بها المنطقة والتي تتعلق بمصير الدولة أن نظل حبيسي قضايا هامشية، سواء كانت اجتماعية مثل قيادة المرأة أو اقتصادية مثل معالجة أزمة السكن، أو التأخر في معالجة قضايا رئيسة مثل إصلاح التعليم أو إطلاق التنمية الاقتصادية بتنويع القاعدة الصناعية.
ومن جهة أخرى، فإن الرؤية السياسية السعودية للمنطقة لا بد أن تكون واضحة، ليس فقط في ما يتعلق بقضايا مهمة كسورية، وإنما في ما يتعلق برؤيتنا لما يجب أن تكون عليه المنطقة ككل، والعراق أبرز مثال هنا، فرؤيتنا نحوه لا تزال محدودة بعوامل الصراع الطائفي الداخلي فيه، لا بعوامل دوره الأكبر في المنطقة وما نود أن يكون عليه مستقبلاً.
الشعور بالتهديد قد يكون مفيداً أحياناً، وشعورنا بالتهديد من خلال الاتفاق النووي الأخير بين إيران والقوى العالمية ربما يكون مفيداً كونه ينبهنا إلى ضرورة العمل على بلورة مشروع واضح للمنطقة وطرحه وتسويقه أمام الدول الأخرى، كما أنه قد يكون سبباً يدفعنا للثقة بأنفسنا سياسياً في شكل أكبر، وهذا في حقيقة الأمر ما نحن بأمس الحاجة إليه.