كتب ابراهيم في جريدة الأخبار اللبنانية:
غريب أمر فريق 14 آذار. لا مجال لأن يترك هؤلاء أمراً يسير وفق طبيعته. حتى المحكمة التي يريدونها مدخلاً الى حقيقة من اغتال رفيق الحريري، لا ينتظرون انتهاء أعمالها. كما في كل شيء. يكتفون بالعنوان، وهم يتكفلون بالتفاصيل. أليسوا من فئة اللبنانيين الذين يعرفون كل شيء، ولا حاجة لهم إلى التدقيق أو البحث أو الاجتهاد؟ أليسوا من جماعة «كل شيء سهل»؟
أمس، تصرف سعد الحريري في لاهاي كما يفعل في السعودية، وكما يفعل في بيروت. قرر، أيضاً، أن ما يحتاج إليه من المحكمة جلسة الافتتاح فقط. وما إن أعاد فريق الادعاء تقديم اتهاماته وأدلته من دون جديد، ومن دون مفاجآت كما وعدنا قادتهم السياسيون والأمنيون، حتى خرج الحريري ليتلو الحكم. هو يقول لنا إنه، شخصياً، كما رفاقه، ليسوا في حاجة الى كل المحاكمة وكل الدفاع وكل قرائن البراءة. هو أصلاً قرر في بيروت من هو القاتل، وهو يعاود الآن القول إن من قرر هو أنه المتهم، صار هو المتهم. وإذا كان هو من اتهم، فإن المحكمة تدين، ولا تكرر الاتهام فقط.
خرج الحريري من جلسات المحكمة الافتتاحية ليقرأ لنا بياناً مكتوباً قبل وصوله الى لاهاي. لم ينتظر حتى سماع فريق الادعاء. كل ما كان يهمه هو افتتاح الجلسة، وبعدها صار انتظاره مملاً. يعرف هو أن لا شيء في يد المحكمة غير ما أخذته من فريقه الأمني والسياسي، ولذلك قرر أن «يفاجئنا» بإعلان حقيقته الساطعة فقال إن «هناك جهة لبنانية متهمة بأدلة مسندة، ولم نكن نتصور أن يكون هناك من اللبنانيين من باع نفسه للشيطان وتبرع لقتل رفيق الحريري، وهذه الحقيقة جارحة وموجعة، ولكنها باتت حقيقة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة والمكابرة»، ورأى أن «المجرمين الذين ارتكبوا الاغتيال هم لبنانيون ويتبعون حزباً لبنانياً معيناً».
حسناً، اتخذ الحريريالحكم. وقرر من جانبه أنه لا حاجة إلى محكمة ولا إلى مزيد من الشروحات وعرض الادلة، ولا حاجة الى دفاع ولا الى من يحزنون. ومن لديه اعتراض على ما قرره «وليّ الدم» فليبلّط البحر!
وبعد، هل تريدون لنا أن نساير محكمة كهذه، وأن نساير هذا الصبي الأرعن لمجرد أنه ابن الضحية؟ وهل تريدون لنا أن نقيم الاحتفالات من أجل العدالة والحقيقة وغير ذلك من لافتات منعت عنا الهواء النظيف منذ 9 سنوات؟
قرر سعد الحريري أنها الحقيقة، ونقطة على السطر.
هل لنا أن نقول له، بصراحة، كما فعل هو: هذه حقيقتك، وليست الحقيقة التي ينتظرها الناس لمعرفة من فتح باب جهنم على لبنان وسوريا منذ تسع سنوات ولا يزال؟
كيف للحريري أن يقرر خطوة كهذه، وهو يأمل من الناس أن ينتظروه زعيماً وطنياً أو قطباً مركزياً أو رئيساً للحكومة؟
كيف للحريري أن يقول ما قاله، ويريد في اليوم التالي أن يوافق على إدارة للبلاد بشراكة مع من قرر أنهم القتلة. وهو لم يكتف حتى بإطار المحكمة الذي يتهم أفراداً، بل سارع الى إفهام من لم يفهم أن هؤلاء الأفراد، الذين قرر الحريري إدانتهم، إنما هم أعضاء في حزب معين؟
كيف للحريري أن يقول لناسه وجمهوره وأهله ما قاله أمس، ثم يخرج عليهم لاحقاً معلناً أنه يقبل بالجلوس الى الطاولة نفسها مع هؤلاء القتلة أو من ينوب عنهم؟ أليس هذا منطقه، أم أنه يقول لنا من على باب المحكمة إنه لا يريد حكومة شراكة وطنية؟ وأكثر من ذلك.
يعرف سعد الحريري، كما يعرف الجميع، أن من يستند اليه الادعاء العام في المحكمة الدولية إنما هو ما سبق أن أعدّه فرع المعلومات في بيروت. وقد أعدّه بإشراف ومتابعة من قبل الحريري نفسه، ومن قبل آخرين كانوا يشاركون في صناعة هذا الفيلم الذي أضاف عليه المدّعون، أمس، عناصر تشويق وإثارة بدت مملة هي الاخرى. وكل ما شاهدناه وسمعناه لا يضيف حرفاً أو خبراً أو معلومة على ما نعرفه على شكل تسريبات، تولى الحريري وفريقه إدارة القسم الاكبر منها منذ انطلاق أعمال التحقيق. وهو لا يضيف لنا ما يجعل الشك قائماً في حقيقة أن من تتهمهم المحكمة هم فعلاً المسؤولون عن جريمة 14 شباط.
طبعاً، سيغرقنا هذا الفريق، خلال الايام المقبلة، بسيل من التحليلات والتأويلات والتفسيرات والتمنيات والدعوات المرتبطة بافتتاح أعمال المحكمة. ولأنهم يفكرون في استثمار الدم، فسيفكرون في استثمار كل ما يقع تحت أيديهم.
لكن هل يفكر هؤلاء قليلاً، ويعرفون أن كل هذا الضجيج، وهذه الافلام السينمائية، لن تفيد في تعديل وقائع صلبة تقوم على أرض لبنان والمنطقة اليوم؟.
هل من حاجة الى تذكير هؤلاء بأن «زمن الاول تحول»، وأن ما نجحوا في إمراره من قهر وتعسف واعتداء عام 2005 لم يعد ممكناً اليوم، ولا يمكنهم أو من يرعاهم القيام به من جديد؟
هل من بين أهل بلدنا من يقدر على أن يشرح لهم أن قبول المقاومة تسوية حكومية، الآن، ليس فيه أي إشارة ضعف، وأنها فرصة حقيقية للبلاد والعباد، وأن بديلها مغامرة لن تفيد تيار المقاومة، لكنها ستصيب كل خصومها بشلل دائم؟
كلام أخير…
هذه المحكمة لا تمثل الضمير العادل. هي تمثل فقط مصالح سارقي شعوب العالم وناهبيهم وقاهريهم. وهي ليست إطاراً صالحاً لإعلان حقيقة غير مشكوك فيها. وهي أداة تخدم فقط مصالح أعداء المقاومة. ولذلك، هي محكمة قائمة ليس من أجل لبنان!
أسمعت لو ناديت حيا” ولكن لا حياة لمن تنادي