لابد أن تضحك لإرباك أولئك المزيفين الذين يعتبرونك “بقرة فريزيان برخصة ” ، وكم أسقط الضحك عروشاً راسخة ..
ومن يحض المصريين علي الضحك كمن يبيع الماء في حارة السقايين ، فهم أرباب هذه الصناعة بلا منازع ، بل يجيدون علي غير العادة إبداع النكات في أكثر الأوقات قلقاً وعتمة !!
ما ظنك بشعب نسي جمال لحظة تنحي “مبارك” ، وهي أجمل لحظة في تاريخ مصر علي الإطلاق ، وركز فقط في “الراجل اللي ورا عمر سليمان” ؟!
شعب “فقري” بطبعه ، أيام يناير ، وما بعد يناير ، وطوال الأعوام الثلاث الماضية ، كان ميدان التحرير ، برغم حرج اللحظة ، سوقاً رائجة للنكات واللافتات الطريفة ، مثل “صحوني لما مبارك يمشي” ، “ارحل عايزة اتجوز” ، “ارحل عايز استحمي” ، “المرار الطافح” ..
وكان الثائر من الشباب يواجه بصدر مفتوح قنابل الغاز والخرطوش نهاراً ، وإذا حدث وصادف أنثي جميلة وهو في طريق العودة إلي منزله بعد يوم حافل بأشياء الثورة ، ينسي متاعبه وينخرط فوراً في فاصل من الغزل الرخيص :
– والحلو بأه ، حيّ ولا مطَّاطي ؟!
– الشعب يريد رقم تليفونك ..
مثل هذه العبارات تفاقم استخدامها أثناء الثورة وبعدها وحتي الآن حتي طغت علي عبارات مثل : “يا صفايح الزبدة السايحة ” ، “يا أرض احفظي ما عليكي” !!
لم يحدث أن فوت المصريون حادثاً جللاً كان أو تافهاً دون أن يستقطبوه إلي نكات القاع ،،
حدث في الستينات أن ادعي أحد النصابين اختراع تركيبة سرية تشفي من جميع الأمراض اسماها ” البللم ” ، ثبت فيما بعد كذبه ، لكن الذاكرة المصرية التي لا تنسي التوافه عادة ادخرت هذه الحادثة حتي تركتها للمؤجلين في فيلمين من أجمل أفلام الكوميديا المصرية ،،
“بللم” عبد المنعم ابراهيم في فيلم ” سر طاقية الإخفاء ” ، عصفور قمر الدين ،، و”بروروم” اسماعيل ياسين في شخصية “رجب” ، فعلاً “رجب” ، والله رجب ، في فيلم “اسماعيل ياسين في الأسطول” ، وأشهر عبارات هذا الفيلم علي الإطلاق هي : “شغلتك علي المدفع بروروم” ..
نقطة أحب أن أضيفها ..
قبل أن أشرع في كتابة هذا المقال ، أردت أن أتأكد من إملاء كلمتي “بروروم” و “بللم” ، فسألت الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، بل يحاول التنبؤ بسؤاله قبل أن يقوله ، “جوجل” طبعاً ، فاكتشفت علي الفور أن مقولة “سعد زغلول” الشهيرة ، “مفيش فايدة” ، صحيحة تماماً ، فعلاً “مفيش فايدة” ، جرب واكتب كلمة “البللم” علي محرك بحث جوجل وحيَّ علي البكاء جماعة ..
لكي تفهم فولة كلامي هذا ، يجب أن تعرف أن لدي “جوجل” قاعدة بيانات ضخمة ، وأن التنبؤات التي تظهر أثناء الكتابة علي محرك البحث تعتمد في ترتيبها بالأساس علي عدد مرات البحث عنها وأشياء صغيرة أخري ..
وحين بدأت البحث عن “البللم” ، ظهر لي تنبؤ يقترح عليَّ “سرّ البللم” ، هذا معناه ، أن آلآفاً من المصريين الأصليين سألوا “جوجل” من قبل عن “سر البللم” مرات كثيرة إلي حدٍّ جعل قاعدة بياناته تقبض علي هذا التنبؤ ، وهذا معناه أيضاً أن الكثيرين بيننا يحلمون باكتشاف سر “طاقية الإخفاء” ليسرقوا أشيائنا ويهتكوا أعراضنا آمنين !!
أبهجني هذا الاكتشاف في الحقيقة ..
وخطر لي أن أكتب كلمة “شويبس” ، فظهرت لي التنبؤات الآتية ، سر شويبس ، ما هو سر شويبس ، سر شويبس حسن عابدين ..
بدا لي الموضوع بهذا الشكل مقلقاً ، وبدا لي أيضاً أنني أنفقت ما مر من عمري وسط ناس يأخذ بعضهم مثل هذه الخرافات علي محمل الجد دون أن أدري ، وتذكرت نكتة من نكات “أصاحبي” ، أو ما كنت أظنها حتي قبل ساعات قليلة نكتة عن مصري يسأل “جوجل” :
” فين بنطلوني الجينز” ؟
وسألت “جوجل” :
“فين بنطلوني ؟”
فظهرت لي التنبؤات الآتية : فين بنطلوني البني ، فين بنطلوني الأسود ، فين بنطلوني الابيض ، فين بنطلوني الكحلي يا عم ، فين بنطلوني الجديد ، فين بنطلوني الكحلي اللي في الدولاب !!
مفيش فايدة ..
يعمق هذا الإحساس عندي ، حوار قرأته منذ أسابيع علي “تويتر” بين شاب مصري وآخر أسباني علي ما يبدو ، يقول فيه الشاب المصري للآخر بلغة إنجليزية سليمة ، وهذه هي المشكلة ، فهو وجد من الوقت ما يكفيه ليتقن الإنجليزية دون أن يقرأ كتاباً واحداً يرشد ظله إلي أن لكل إقليم ثقافته الخاصة ومفرداته التي تنسحب علي أهل هذا الإقليم وحدهم ، مما قال في هذا الحوار :
– الأهلي هياخدكم ورا مصنع الكراسي !!
مفيش فايدة ..
والشائعات حول الدواء الذي يشفي من كل الأمراض ويعيد الشباب قديمة جداً ، وفي كتاب الموصوف والمنسوب لـ “الثعالبي” فصل بعنوان “أصفر سُليم” ، و “سُليم” هذا كان صيدلانياً لا يبيع سوي سائل أصفر اللون ادَّعي أنه يشفي من جميع الأمراض !!
وأن يدعي “سُليم” اكتشاف علاج لكل الأمراض في وقت كان فيه من يستطيع السفر من العراق إلي الهند ويعود يطلقون عليه لقب “رحالة” ليس أمراً غريباً ، لكن الغريب أن يحدث هذا في زمن لم يعد فيه شئ يحتاج إلي تأويل إلا ما ندر !!
والأغرب أن يقف مواطن بدرجة “عبد العاطي” ويصيح عيني عينك ، بلهجة الفاتحين العظام ، والحائزين علي جوائز الأوسكار :
“هزمنا الإيدز ، ثقوا أننا هزمنا الإيدز ، وقهرنا سي “لعله يقصد سي السيد” ، ولن تجدوا مريضاً يعاني من هذا المرض وهناخد الإيدز ونحطه في صباع كفتة ونغذي بيه المريض” !!
بروروم ..
طلعة أصيع من “طلعة رجب” ، واشهد يا رب ، هما اللي بيستفزونا ..
سبحانك ، علاج نهائي وغذاء أيضاً في نفس ذات الجهاز ، يعني “عبد الحليم حافظ” يغني ويرقص في نفس ذات الفرح ،،
أتعجب من انتشار ظاهرة “الصوابع” في مصر ، بداية من صباع “محسن الفنجري” ، مروراً بصوابع “مرسي” ، حتي صباع كفتة “عبد العاطي” ..
كما أتعجب من هوس المرحلة بالمشويات ، كفتة وفاهيتا وأميجو الحلاق ..
ولا يسعني هنا إلا أن أتذكر أكثر من أي وقت مضي ، بيت الشاعر “أبي فراس الحمداني” :
نعم أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ / ولكنَّ مثلي لا يُذاعُ له سرُّ ..
تري ما هو أنسب شكل لهذا البيت في هذه المرحلة الحلمنتيشي ؟ ، بالتأكيد :
نعم أنا عيَّانٌ وعنديَ لتغةٌ / ولكنَّ مثلي لا ينامُ له ثبْرُ ..
تصريح فاضح ومشوه يؤكد أن دوائر النهاية توشك علي الاكتمال ، تماماً كتصريحات القذافي الشهيرة قبيل النهاية مثل :
تظاهروا كما تشاؤون ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين !!
ساظل فى ليبيا إلى أن أموت أو يوافينى ألاجل !!
أيها الشعب ، لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام !!
أنا لست ديكتاتوراً لأغلق الفيس بوك ، لكني سأعتقل من يدخل عليه !!
بر الوالدين ، أهم من طاعة أمك و أبوك !!
يحق للمرأة الترشح سواءً كانت ذكراً أم أنثي !!
متاخدوش الترامادول عشان بيجيب أمراض ، بيأثر علي القلب !!
إن المرء ليعجب كيف سارت الأمور في “ليبيا” تحت حكم “ملك ملوك أفريقيا” كل هذه المدة دون حدوث كوارث حقيقية !!
لا تظن أننا ابتعدنا عن الموضوع فنحن لا نزال في قلب الموضوع ، ومثل هذه التصريحات المجانية عن أشياء كبيرة لا وجود لها كانت في وقت قديم من أسلحة المعارك الباردة ، ليس الآن علي كل حال ، بل هي الآن مثارٌ للسخرية ، وهذا ما حدث ..
فقد سخرت ، وهذا أول الغيث ، مجلة “كومينتاتور” الأمريكية من الجهاز المعجزة الذى كشف عنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعلاج أخطر أمراض العالم الإيدز وفيروس سي للكبد الوبائى ، ووصفته بالمعجزة السياسية لا الطبية !!
ونقلت المجلة عن “عبد العاطي” قوله : “المشير السيسى قال :
إننا نتخلف كثيراً وعلينا القفز للأمام بدلاً من السير ببطء ونعلن منافستنا للآخرين وهذا الجهاز هو القفزة الأولى للأمام” !!
بروروم ..
ورأت المجلة أن هذا النوع من الدعاية يعُيد إلى أذهاننا الحملات الإعلانية للاختراع العسكرى الأكذوبة لصاروخى عابرى القارات “الظافر والقاهر” أثناء فترة حكمى الرئيسين الراحلين “جمال عبد الناصر” و “أنور السادات” ،،
وقالت المجلة الأمريكية : قيل وقتها أن هذين الصاروخين قادران على الوصول إلى أعماق إسرائيل نفسها ، وأثناء هذه الاوقات صوّره الإعلام كما لو كان قنبلة نووية تستطيع ردع أى تهديدات لمصر..
واستأنفت : “وفيما بعد ، أعلن الفريق “سعد الدين الشاذلي” فى مذكراته ، أن صاروخى “الظافر والقاهر” كانا وسيلة دعاية فقط ولم يكونا فاعلين أو لديهما قدرة تدميرية عالية ، وقد تم التأكيد على وسائل الإعلام وقتها على الترويج بكثافة لهذين الصاروخين الأكذوبة حتى يستخدمه “السادات” كتهديد لأمريكا وإسرائيل” ..
وهذه الإيقاعات السخيفة عادية ودارجة في الوطن العربي عامة ، ومصر علي وجه الخصوص ، وقد ألفنا هذا “المزع” الرخيص ،،
وفي مفاجأة غير سارة لإعلام البلاط ، فقد سبق وأعلنت القوات المسلحة عن هذا الجهاز تحديداً في عام “2012” ، ثم ضمر الحديث عنه فجأة ، وادخروه لمثل هذه اللحظة العصبية ..
وقبل سنوات أقاموا الدنيا وأقعدوها ابتهاجاً بباحث “مسلم” ، لاحظ التأكيد علي لقب “مسلم” ، اكتشف قطرة للعيون بوحي من سورة يوسف ، علي حد زعمه ، وهو يؤكد أن “يعقوب” ارتد بصيراً بعد أن ألقوا إليه قميص “يوسف” لأن عرق “يوسف” في القميص دخل في عينيه !!
بروروم ..
الفارغون ليس لديهم ما يحرسونه سوي الفراغ ، هل قيل لك أو سمعت أو قرأت في وسيلة إعلام أجنبية لقب باحث مسيحي أو باحث يهودي ؟
هذا الباحث المسلم ، أيضاً بدرجة “عبد الباسط” ، أين هو الآن ، وأين اكتشافه المقدس ؟ ، لا أحد يدري ..
وقبل سنوات أيضاً نسب أحدهم إلي “شامبليون” الخطأ في فك رموز حجر رشيد ، وادَّعي في “تلامة الحلاقين” أن النص المكتوب علي حجر رشيد هو بشارة بنبوة “محمد” !!
بروروم ..
مع ذلك ، تخيل أن هذا الاختراع حقيقيٌّ ، وأقسم بإله محمد ، ورب يسوع ، ويهوه ، وآمون ، وزيوس ، وجوبتر ، ورب بوذا ، وهذه مهنتي ، أنه سوف يسكن الفراغ عما قليل ، تخيل ، هل يستحق كل هذه الضجة المبكرة ، أما كان أولي أن ننتظر حتي نتحصل علي مريض تم شفاؤه ، أم أن الضجة بالأساس هي الغرض من الاختراع ؟!
هذا الأسلوب القديم يؤكد أن الجدَّ “هيكل” ضالعٌ في الموضوع برمته ، ممنونين ..
ثمة حكمة لا أحبها تقول :
تبيض الدجاجة بيضة “رخيصة الثمن” فتملأ الدنيا صراخاً ، وتضع السمكة آلافاً من بيض الكافيار”غالي الثمن” وهى صامتة !!
كيف يطلب من الآخرين أن يحترموه من لا يحترم المنطق ؟!
ولماذا كل هذه التصريحات العصبية ضد “د. عصام حجي” المستشار العلمي للرئيس المؤقت ، والمقيم بأمريكا ، لمجرد أنه انتقد العرض المسرحي لإختراع الجيش ؟!
هل تظنون أن البلد أصبحت بلدكم وحدكم ؟!
وتظنون أنكم فقط الذين تملكون كل الحقيقة ؟!
والأهم من هذا كله ، هل دفعكم الغرور بقدرتكم علي تدبر أمر “محمد أبو سويلم” ، وخالي “دفراوي” ، وخالتي “أم الولد” ، و”خصوصي” ، و “جمالات كفتة” ، هل دفعكم الغرور بقدرتكم علي السيطرة علي عقول هؤلاء البسطاء إلي الظن بأنكم تستطيعون خداع الذين أوشكوا أن يفتحوا للزوار أبواب حدائق الحيوان علي كوكب المريخ في أعياد الفصح مجاناً !!
بروروم ..
نحن أيضاً ، أمام محاولات العبث المتواصلة بعقولنا ، والنظر إلينا كبهائم لا تعرف كيف تتدبر أمورها ، يحق لنا أن نتسائل :
هل تقبلون الاحتكام إلي التاريخ ليعرف الجميع ماذا قبلكم كنا ، وأين بفضلكم صرنا ؟!!
كما يحق لنا أن نضيف إلي قاموس الغزل الرخيص الخاص بنا عبارة :
– والحلوة بأه ، تاريخ ولا شئون معنوية ؟!