فقط في سوريا ليس عليك إلا أن تدفع مبلغ 500 ليرة سوريّة، حوالي ثلاثة دولارات لسائق الحلّة، وتتخذ مكانك بحذر وحسب توجيهاته، أيّ اختلال في التوازن قد يؤدي إلى أن تنقلب الحلّة وتسقط وأغراضك وبقية الركاب في الماء، وبعد أن يكتمل العدد، يسحب السائق الحبل الذي يصل بين الضفتين، ويعبر بك من الضفة السورية إلى الضفة التركية، وينبهك قبل أن تغادر “لم ينته المطاف هنا، ستتمكن منك الشرطة التركية إن لم تركب مع إحدى السيارات التي تنتظرك هنا”.
والحلة ليست مدينة حدودية كما قد يهيّأ لك وأنت ترى “الحافلات” أو “السرافيس” تنادي بالقرب من معبر “باب الهوى” الحدودي: “عالحلة.. عالحلة” .. بل هي “حلّة” بالمعنى الحرفي للكلمة وتعني وعاء للطبخ، وتكون على شكل وعاء كبير جداً بالحجم وأكبر بكثير من تلك التي تستخدم في المنازل، هي إناء طبخٍ يتسع لأكثر من خمسة أشخاص، ليعبر بهم نحو تركيا من دون جواز سفر أو ختم دخول.
بمجرد وصولك إلى الضفة التركية يكون في انتظارك عدد آخر من المهرّبين، يعرضون عليك سياراتهم – والتي تكون غالباً شاحنات – ويطلبون منك الإسراع، ادفع 500 ليرة أخرى وأسرع بالركوب، فالشرطة التركية قد تداهم المكان في أي لحظة، ويرددون “لقد مرّت منذ عشرة دقائق وقد تعيد الكرة، هيا لا تخاطر بالعبور مشياً على الأقدام”.
طريق ترابية وعرة وحالة ترقب
في المشهد هناك عائلات تعبر بأفرادها كاملة وقد أخذت معها العديد من أغراض منزلها، والتي يمكن أن تتسع في “الحلة” إن نقلت على مراحل، تسأل أحدهم عن سبب اعتماده على هذه الطريقة، فيتمتم ضاحكاً “تعبت من البراميل ومات ابني الصغير، أريد الذهاب، ومن أين لي ولعائلتي جواز سفر؟!”.
قد تضطر الآن لركوب الشاحنة بعد أن تدفع المستحقات، الطريق ترابية ووعرة ويتقصد السائق الإسراع لتجنب الالتقاء بالشرطة التركية، يجدر عليك التمسّك جيداً تحسباً للصدمات المفاجئة فوق الأحجار، لا تبدو الحالة الجسدية وحالة الترقّب التي يعيشها الركاب خلال هذه الدقائق الخمسة مناسبة لفتح حديث، لكن قد يدفعك الفضول لتسأل راكباً عن قصته وقد بدا على عينيه اصفرار واضح، فيروي لك: “أنا مقاتل في الجبهة الإسلامية، أصبت بالتهاب الكبد B، وبدأت أعراضه تزداد وتصبح أكثر حدّة، لم يؤمن لي الأطباء الدواء والعلاج اللازم لذا لم أجد بداً من قطع الحدود بحثاً عمن يعالجني في الجانب التركي”.
“مظهر إسلامي متشدد”
هناك برج مراقبة للشرطة التركية يبدو مرتفعاً، ومن المؤكد أنه يستطيع رصد العابرين لو أراد، بدا الأمر وكأن الشرطة التركية تتساهل بشكل مقصود مع عبور المدنيين، تغض الطرف بعض الشيء ومن ثم تشدد القبضة في أحيان أخرى، لكنها وبحسب ما روى السائق تقوم بمداهمات مفاجئة بين الحين والآخر وتوقف المهرّب والعابرين الذين معه، ويزداد تدقيقها إن كان هناك “مظهر إسلامي متشدد” على العابرين بحسب تعبيره، وتدقق على البضائع المهرّبة، ويقول باللهجة المحلية “مبين إنو انتو ركاب عاديين ودراويش على باب الله، لو معنا بضائع تهريب أو سلاح كانوا لقطونا هلأ”.
ليس هناك إحصائية واضحة لعدد السوريين الذين يعبرون يومياً نحو تركيا بهذه الطريقة، لكنهم بالمئات حتماً، كما يعبر المئات في طريق العودة، هذه المرّة لا تضطر لركوب “الحلة” والهروب من الشرطة التركية، ما عليك سوى أن تذهب للمعبر – معبر باب الهوى- بشكل نظامي، تظهر له هويتك السورية فقط، فيعلم أنك دخلت بشكل غير قانوني، ويتركك تعبر بكل احترام نحو سوريا.
بالقرب من معبر حدودي آخر، معبر “باب السلامة”، تعبر أمامك العديد من السيارات التي تدعوك لعبور الحدود بشكل غير قانوني، يصيحون هذه المرّة “عالتيل، عالتيل”، لن تظنها هذه المرة مدينة حدودية ولن تشكك بمعلوماتك الجغرافية، بل ستدرك معناها سريعاً، التيل هو التيل، أي السلك الشائك، لا بدّ أنه قُطع في مكان ما ليسمح منه بالعبور نحو تركيا دون ختم دخول.