لكل بلد مسلم تقاليده المشهورة في شهر رمضان، والتي تعتبر جزءاً من موروثه الشعبي..
وفي العراق اشتهرت لعبة لا تتخلف عن ممارستها أية مدينة عراقية، لا في الشمال ولا في الجنوب أو في الوسط.. تمارس هذه اللعبة في الأزقة والمقاهي حيث يشترك في لعبها الصغار والكبار.. أما إذا جرت في البيوت فسوف تشترك فيها العوائل بكاملها وفي المقدمة منها النساء.. وهذه اللعبة تسمى “المحيبس”، تصغيرا لكلمة “محبس” أو “الخاتم”.
وتعتمد لعبة “المحيبس” في ممارستها على الفراسة والصبر، ولذلك يسعى قائد الفريق إلى اختيار لاعبيه من الرجال المعروف عنهم اللامبالاة في مواجهة المواقف الصعبة وقدرتهم على المراوغة.
فهذا “المحيبس” يتحول وسط الأنظار المتفحصة والعيون المراقبة والتوقعات إلى “صخرة”، وليس مجرد “خاتم صغير”، بحيث يريد الشخص الذي وضع في يده ولم يكن مؤهلاً لذلك التخلص من ورطته بأسرع ما يمكن، لافتاً انتباه رئيس الفريق المقابل من خلال تغيّر ملامحه وكثرة التعرّق وارتجاف يديه وعندها يكون صيداً سهلاً لخبير الفريق الخصم الذي يهتدي إليه بسهولة فائقة، فينتزع المحبس من يديه وهو الممنون.
بطولات وطنية ورهانات
وعن هذه اللعبة يقول الباحث الفولكلوري باسم حودي: “دأبت وزارات الرياضة والشباب المتعاقبة في العراق، وكذلك مجالس البلديات على تنظيم بطولات لهذه اللعبة الفولكلورية التي تستهوي آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين وجمهور يتابعها بشغف طيلة ليالي رمضان وتنقل وقائعها في البطولات الوطنية من خلال شاشة التلفزيون، حتى إن المتميزين فيها يصبحون نجوماً مشهورين تتابع إنجازاتهم الصحف التي تحلل “استراتيجية” لعبهم والطريقة المتفردة التي استطاعوا من خلالها الوصول إلى “المحبس” برغم سعي الفريق المقابل إلى إخفائه جيدا وبأيدي لاعبين مهرة، تم اختيارهم من بين عشرات المشتركين من أبناء مدينته أو منطقته”.
ويضيف، في حديثه لـ”العربية.نت”: “لا تلزم قوانين اللعبة تحديد عدد معين من المشتركين، فأحيانا يتجاوزون الألف. وكلما زاد العدد كلما زاد التشويق للجمهور المتابع وزادت التحديات أمام قادة الفرق”.
وقد اشتهر اسم النجم الرمضاني جاسم الأسود، بطل العراق في هذه اللعبة على مدى ربع قرن، لتميّزه بفراسة نادرة قريبة من الإعجاز يكشف من خلالها الخاتم المخبأ بين أيدي المئات من الأشخاص بصورة مدهشة ومثيرة للاهتمام.
“داعش” لا تلعب “المحيبس” جيداً
والقصد من هذه اللعبة الرمضانية المتوارثة منذ مئات السنين هو التسلية وتقوية أواصر المحبة والصداقة وتوطيد الأخوة والتعارف بين أبناء المناطق..
لكن تنظيم “داعش”، الذي احتل واحدة من أشهر مدن المحيبس له رأي آخر، فقد وزّع في الأحياء الرئيسية وفي الأماكن العامة منشورات تحرّم اللعبة.
وفي تصريح صحافي قال عضو مجلس أعيان الموصل، سليم عبدالحميد الطائي: “داعش وزع منشورات على الأهالي تبلغهم بحرمة المحيبس خلال شهر رمضان، حيث أنشأ في أغلب المساجد لجنة أطلق عليها اسم “الهداية وإعلان التوبة” وظيفتها كتابة التقارير السرية ضد المواطنين الذين لا يلتزمون بالفتاوى”.
وتكاد تكون هذه اللعبة الشعبية ذات خصوصية عراقية دون الأقطار العربية الأخرى ما عدا بعض الاهتمام الذي بدأ في السنوات الأخيرة من بعض الدول العربية، مثل الأردن ودول الخليج العربي.