بعد طرد “داعش” من مدينة حلب، قام ناشطون في صباح أحد الأيام برسم لوحة جميلة على جدار في منطقة “بستان القصر” المحررة، ظهر في الرسم “قلعة حلب” وأسماء “الحارات” المحيطة بها وقد رمّزت برمز “القنّاص”، في دلالة على استهدافها من قبل النظام، وكتب فوقها: “حلب حكاية صمود في وجه الإرهاب”.
في صباح اليوم التالي، تفاجأ الأهالي بأنّ أحدهم قد تسلّل ليلاً، وتعمّد تشويه معالم الرسم حينما كتب عليه بخطٍّ رديء: الخلافة .. الخلافة.
يبدو أهالي حلب وقد اعتادوا على الملصقات التي تدعو لإقامة الخلافة، والتي انتشرت بكثافة على أغلب جدران المناطق المأهولة، ويتعاملون معها بنوعٍ من الاستخفاف، أجابني مالك أحد المحال التجاريّة حينما استأذنته لكي ألتقط صورة لأحد هذه الأوراق: “تركت كل الدمار وبدّك تصوّر هالورقة يلي ما بيقراها حدا!؟”.
ليس داعش وحده من ينشر هذه الملصقات، بل تختلف الجهات التي تشارك “داعش” حلمه، مثل “حزب التحرير” و”جبهة النصرة” وغيرها، تحذّر بعض هذه الملصقات من “قنوات الفتنة” والتكتلات الثوريّة لأنها تقف في وجه الخلافة الموعودة: “احذروا فضائيات الفتنة”، “احذروا الائتلاف الوطني والحكومة الانتقالية وهيئة الأركان”، “إلى الخلافة أيها المسلمون”.
وتواكب هذه الملصقات والرسومات الأحداث والتطورات السياسية، وتعلّق عليها داعية الناس إلى تبنّي وجهة نظر معيّنة، شنّ مثلاً “حزب التحرير” حملة ضخمة بالتزامن مع الدعوات إلى “جنيف2″، ونشر ملصقاتٍ في كلّ مكان تحارب انعقاده بعبارات من قبيل: “دماؤنا وتضحياتنا ليست سلعة تباع في جنيف”، “المؤتمرات الدولية مؤامرات على المسلمين”، “تصر أميركا على عقد جنيف إنقاذاً لعميلها المجرم ونظامه”.
ولما طُرد داعش، عادت الجدران لتكون ساحة صراع، إلا أنّ هناك رسما يتعجب الناس من أنه صمد أمام كل التغيرات، لم تتمكن داعش منه رغم أنها شنت حملة واسعة على الجدران، وسقط بالقرب منه ثلاث براميل دون أن تمسسه بسوء، يقول على جدارٍ في أحد الحارات الشعبية،: “الشعب صاحب القرار، الدين لله”.
تبقى كل هذه الرسومات والملصقات شاهدةً على مراحل عدة مرت بها الثورة السورية، هي تشهد أن “جبهة النصرة” دعت للخلافة مثلاً يوماً من الأيام، في حين أنها اليوم تحارب من سبقها إليها، “داعش”، وتود أن تغير مشروعها ليكون دعوة لـ”إمارة”، وأن هناك قوى مدنية تعبر عن نفسها بوضوح، لا تريد خلافة ولا إمارة، تريد أهداف الثورة في الحرية والكرامة وفي سوريا واحدة.
بالصور… حرب على جدران حلب بين الخلافة والدولة المدنية
ماذا تقول أنت؟
لقد أعلن حزب التحرير موقفه من الخلافة التي أعلنها (تنظيم الدولة)، وهو موقف شرعي يستند إلى دليل شرعي، إذ هناك شروط يجب أن تتوفر في الخلافة حتى تصح، ولو كانت توفرت تلك الشروط في تلك الخلافة التي أعلنها (تنظيم الدولة)، لكان حزب التحرير أول من بايع.
وبرغم أن هذا الإعلان بهذا الشكل، قد يراه البعض ضرباً لفكرة الخلافة في أذهان الأمة ومحاولة يائسة لتشويهها، إذ يظهر للمراقب أنها دولة تهدد بفلق هامات مخالفيها من التنظيمات والحركات بالرصاص. إلا أن هذا الإعلان جعل الحزب ينتقل مع الأمة للفصل الأخير نحو مشروع الخلافة العظيم، إذا أصبح الحديث اليوم عن تفاصيل التفاصيل، عن الشروط التي يجب أن تتوفر في المكان الذي تقام فيه الخلافة، من كونه يجب أن يكون أمانه بأمان المسلمين، وأن يكون للتنظيم الذي يقيم الخلافة سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة…، فهذا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فقد كان السلطان فيها للرسول صلى الله عليه وسلم والأمان الداخلي والخارجي بأمان سلطان الإسلام، وكان لها مقومات الدولة في المنطقة المحيطة.