أنقرض آخر جيل من إنسان النياندرتال الذي سبق خلق أبينا آدم عليه السلام بأربعة وعشرين ألف سنة ، وتعادل أربعة وعشرين يوماً في السماء ، لقوله تعالى : ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ). يتطابق النياندرتال في شكله الخارجي مع الإنسان الأدمي الذي تلاه، باستثناء قصر بالطول، وضخامة بالرأس، وفتول بالعضلات ، وكبر كفيه وأقدامه . وقد ُصنفه العلماء بإنسان العصر الحجري ، أي سكان الكهوف ، فلقد دخلت صناعة الحجر بكل شؤون حياتهم ، كصنع سلاحهم الشخصي عصى الهراوة ، ولصنع الأواني وأدوات الصيد وبعض الحاجيات ، وفي آخر الليل يتوسد النياندرتال الحجر بداخل الكهف لينام .
مع اختلاف الجينات الوراثية والرقمية بين الإنسانين المنفصلين بحقبة زمنية طويلة ، والمنتميان لنفس فصيلة ” الهومو “، إلا أن الملائكة خشيت تكرار السلوك السلبي ، من فساد وسفك الدماء ! لذا طرحت السؤال: أتخلق فيها؟ كاستفسار ليس إلا ، وهل أرشيف الانسان القديم سيفتح أبوابه من جديد ، ويعيد ذكرياته ؟ فلقد فسدوا بها وسفكوا الدماء على أرضها ، والسفك هنا يفيد القتل بلا هوادة أو هدف ، والفساد يعني الدمار والحرق الشامل لكل شيء أمامهم ، من حضارات وعلوم وتاريخ وفنون ، وحرث وزرع، ولعلم الملائكة بالنتيجة مسبقاً بعد استخلاف الإنسان الجديد وهيمنته على مقدرات الأرض ، وأنه سيعيد السيناريو القديم الذي كان أبطاله أبناء الكهوف النياندرتال، والذين عُرفوا بالأنانية والأقصاء ، حتى مع بلوغهم بعض الذكاء والتعلم بآخر أجيالهم ، وحبهم المفرط الجامح بالنساء ، وكأنهم حيوانات خُلقوا للتكاثر فقط ، فبمجرد أن يعجب أحدهم بأنثى ، سيطأها ! وأن حدث أمام الجميع ، وأمه التي أنجبته فقط حرام عليه ، والباقي يفعل بهن ما يشاء ، وإن كانت أبنته أو شريكة أبيه أو أخيه ! أو من زوجات رفاقه ، فهو يجبر المرأة على نفسها بلغة القوة ، وإن لم يجد ، سيقع على ذكر من نفس فصيلته ، ليقضي على النار التي بقلبه!
أما من الناحية السياسية ، فقد عرف عن إنسان الكهف إنه أقصائي حتى النخاع ، سواء داخل الجماعة أو خارجها ، ولقد كانت طريقة تصفيتهم لمن يختلف عنهم بشعة ودموية ، إذا عرفوا بتهشيم الرأس بالهراوة ، وقطع الأذان وجدع الأنف وتكسير الأسنان للتشفي ولنشر الخوف ، ولكي تسمع بهم القبائل فتهابهم ، وعادة تنتشر بين المناطق قبيلة غزاة رحالة مسيطرة ، وصفتهم الكتب بذوي الشعور المغبرة الكثيفة ، مع التصاق رؤوسهم بلحاهم ! فلا ترى منهم إلا عيونهم، وهذا نوع من الترهيب وصناعة الخوف، وقد عرفوا بالقتل والنهب وقطع الطرق ، وغايتهم الهيمنة على موارد الماء والنساء والحيوانات ، فتقوم بغزوات موسمية على القبائل المجاورة بالتوالي ، فإذا سيطروا على قبيلة جديدة ، فإنهم يعلقوا رؤوس رجالهم وصبيتهم بالطرق ومداخل الكهوف والأشجار ، ويلحقوا بنسائهم سبايا بعد وضع علامات على أجسادهن، وتظل الرؤوس معلقة إلي أن تقع عليها الجوارح ، فـتـتـعفـن وتبقى جماجم كبصمة لهم .. كذلك نهجوا على عرقلة التحضر والتطور الذي كان ينشده الإنسان الحجري ، من تخريب بالكهوف ، وتدمير المقتنيات والوثائق الجلدية، وقتل وجهاء القبائل ومنع التنظيم .. وعاش إنسان تلك الفترة بهجرات هروب زوجية، ما أضطر بعض الأمهات إلي اخفاء أبنائهن الذكور، وإلباسهم الحلي وأطاله شعورهم كي يبدو كالصبايا.
لقد أستخلف الإنسان الحجري الأرض بعد أن ُشردت منها الجن وطردت إلي أعالي الجبال وشقوق الوديان وبأعماق البحار، بعد حرب الجن الكبرى وقتل قائدهم الظالم يلعتوت ، الذي أنتهك الحرمات وسفك الدماء بالأبرياء ، وقتل ملايين الجن بلا هوادة بمساعدة المردة والغيلان ، وبدم بارد تحدياً لخالق السماء ، فأرسل الله لهم جيشاً بقيادة إبليس مع الملائكة ، فهزموهم ، وطردوا وشردوا منها ، حتى خلق الله النياندرتال ، وأستوطنوها بدون رسالات أنبياء أو مصلحين حتى انقرضوا ، وجاء دور الإنسانية الحقة ، وخلق بها آدم وزوجته حواء عليهما السلام ، كخلفاء عليها ، وبعث لهم الأنبياء كي يعلموهم مكارم الأخلاق وينعموا بالأرض ، ويبتعدوا عن لغة القتل والأقصاء ، ويتعلموا لغة الاعتراف والقبول .
لم ولن ينتهي صراع الحق والباطل حتى يرث الله الأرض لعباده الصالحين المستضعفين كما أخبر كتابه الحكيم ووعد به نبيه الكريم ، فمنذ أن عصى إبليس أمر الله ورفض السجود لآدم غيرة وحقداً منه ، ومنذ أن أعطاه الله النظرة ، ومنذ قسمه أنه سيغوي أبناء أدم ، لخبرته بكل المشاهد التي جرت بعصور سابقه الإنسان الدموي ، فغرس إبليس بذرة الشر القديمة بقابيل أول الأبناء كتجربة ، ففعل به كما يفعل النياندرتال ، فضربه على أم رأسه حتى ذبحه بدم بارد ، مع محاولة من إبليس بطلب قابيل بالتمثيل بأخيه ، لكن خوفاً من أبيه آدم وسخط أمه حواء توقف ! لا خوفاً من الله وتعاليم السماء.
هكذا توارث الأبناء والأجيال والذراري الحقد والقتل والسبي وقطع الرؤوس والتمثيل بالموتى ، وإعادة مشاهد كل ما جرى بالماضي إلي العصر الحاضر ، مع وجود المدنية الحديثة والنظافة والطهارة وتعاليم الإنسانية والحقوق البشرية ، وبدعم قوي من إبليس عدو السماء والإنسانية والأنبياء ، فقد حقق وعده ، وأغوى أبناء آدم إلا المخلصين، وكذلك تحقق جواب الملائكة ، فوقع الفساد وسفكت الدماء على الأرض، وعلى مر التاريخ ! وهكذا يتجدد المشهد الدامي بكل قرن ، حتى يأتي فرج الله الموعود .
فوزي صادق / كاتب وروائي سعودي :
تويتر : @Fawzisadeq
البريد الإلكتروني : [email protected]
أحسنت وأبدعت : سبحان الله الصورة نفسها في الجزء المظلم من الكره الأرضية والمقصود الشرق وخاصه عالمنا العربي وجزء من افريقيا ما زلنا نفسد فيها ونسفك الدماء لأتفه الأسباب ولا يوجد لدينا من عذر سوا وحشيتنا وغبائنا اما الغرب الجزء المضيء من الارض فالأمور بأحسن حال لا يسفك فيها دم : قط ولا عصفور ولا تقتل فراشه ظلم ويمكن لهذا السبب الله سبحانه وتعالى صابر على خلقه والله اعلم