كتب خيرالله خيرالله في الرأي الكويتية:
انهمك المجتمع الدولي بـ “داعش”. لا كلام إلّا عن “داعش” في معظم كلمات رؤساء الدول التي القيت في افتتاح الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
نعم، يمكن اعتبار “داعش” بمثابة سرطان، خصوصا في ضوء ما مارسته من ارهاب باسم الدين. المؤسف أن العالم لا يريد الاعتراف بالأسباب التي مكّنت “داعش” من التمدد في سورية والعراق وفضّل تجاهل أنّ في اساس “داعش” النظام السوري والسياسة الإيرانية القائمة على استغلال الغرائز المذهبية إلى ابعد حدود، خصوصا عن طريق الميليشيات التابعة لها في العراق ولبنان.
من حسن الحظ، أنّه كان هناك في المغرب خطاب مختلف في الداخل، أي الداخل المغربي وفي الخارج امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان هذا الخطاب للملك محمّد السادس الذي القاه باسمه رئيس الوزراء عبد الإه بنكيران في نيويورك، فيما القى الخطاب الموجه إلى الداخل الملك بنفسه في مجلس النواب.
يمكن تلخيص الخطاب الملكي المغربي، في الداخل وفي الخارج، بأنّه لا يمكن تجاهل الزوايا المختلفة التي يمكن من خلالها مواجهة الإرهاب والتطرّف بكلّ اشكالهما. فالقوة والغارات الجوية والصواريخ المختلفة الأنواع ليست الوسيلة الوحيدة لمواجهة الإرهاب والتطرّف اللذين يتوسّعان هذه الأيام وصارا يجدان ارضا خصبة في افريقيا، خصوصا في منطقة الساحل الصحراوي الذي يهمّ المغرب مباشرة. هذا في الخارج. وفي الداخل المغربي، لا يمكن الا التمتع بما يكفي من الشجاعة لقول الأشياء كما هي، خصوصا في ما يتعلّق بالطموح المغربي الذي يصبّ في تطوير البلد ونقله إلى مستوى الدول النامية والمتقدّمة. وهذا يعني محاربة الإرهاب عن طريق محاربة الفقر والتخلّف.
لذلك، لم يتردد محمّد السادس في القول للنواب بشكل خاص وللمغاربة بشكل عام ما المطلوب من أجل تنمية العاصمة الاقتصادية وتطويرها. قال لهم ان الدار البيضاء “مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة وهي مدينة الأبراج العالية واحياء الصفيح وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوّث بياضها وتشوّه سمعتها”.
هذا كلام من نوع جديد يدعو كلّ مسؤول مغربي إلى تحمّل مسؤولياته.
في الأمم المتحدة، وضع محمّد السادس دول العالم، خصوصا الدول الغنيّة، امام مسؤولياتها كان كلامه واضحا. قال صراحة “إنّ العالم اليوم في مفترق طرق. إمّا يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية، لتحقيق تقدّمها وضمان الأمن والاستقرار في مناطقها، وإمّا أنّنا سنتحمّل جميعاً عواقب تزايد نزعات التطرّف والعنف والإرهاب التي يغذيها الشعور بالظلم والإقصاء والتي لن يسلم منها أحد في العالم. إني واثق بأنّ تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي للتهديدات العابرة للحدود التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية المستدامة، اضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك للشعوب، سيكون له تأثير كبير في ايقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر امنا”.
ليس صدفة أنّ المغرب استطاع تجاوز الصعوبات التي واجهها والحرب بالوكالة التي تُشنّ عليه عبر تلك الأداة المسمّاة “بوليساريو” عن طريق المقاربة الشاملة لهذه الصعوبات. هذا النجاح المغربي لا يعود إلى امتلاك المملكة مزايا خاصة به لخّصها محمّد السادس في خطاب عيد العرش الذي ركّز فيه على الثروة الوطنية وكيفية قياسها استنادا إلى “رأس المال غير المادي” الذي الذي يفترض الأخذ به “ضمن المعايير الرئيسية لقياس ثروة الدول وتصنيفها”.
فكما اثبتت الدراسات التي قام بها البنك الدولي، انّ رأس المال غير المادي يقوم على مجموعة من المعطيات المرتبطة بواقع عيش السكان كالأمن والاستقرار والموارد البشرية ومستوى المؤسسات…”.
من الضروري انشغال العالم بـ”داعش” والتركيز على مواجهة هذا التنظيم المتوحّش الذي لا يمتّ للإسلام بصلة لا من قريب أو بعيد. ولكن من الضروري أيضا عدم تجاهل ما يدور في العالم وكيف يمكن الاستثمار في التنمية المستدامة من أجل نشر الاستقرار وتدعيمه. فمن وجهة نظر العاهل المغربي، “لن يتحقّق الاستقرار من دون تنمية، كما أنّ التنمية لن تستقيم من دون الاستقرار وكلاهما مرتبط باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وثقافة شعوبها وعاداتها وتمكينها من ظروف العيش الكريم”.
هناك بكل بساطة رهان مغربي على افريقيا وما تمتلكه من ثروات وامكانات حيث “الدول الأفريقية والمؤسسات التابعة لها لا تعرف سوى تقديم الكثير من الدروس، وفي احسن الأحوال بعض النصائح. أمّا الدعم فهو ضعيف جدّا ودائما ما يكون مشروطا”.
ليس سرّا أن المغرب يمتلك امكانات متواضعة، لكنّه استطاع خوض تجربة خاصة به لا تقتصر على الداخل حيث “تمكّن من بلورة مبادرة وطنية من أجل حماية نفسه وحدوده وترابه الوطني”. أفهم الملك كلّ مغربي، عبر خطابه في مجلس النوّاب أنّه بالنسبة إلى قضية الصحراء لا يزال “الوضع صعبا” وأنّ “الأمور لم تحسم بعد ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقّف، ما قد يضع قضيتنا أمام تطوّرات حاسمة. لذلك، أدعو الجميع مرّة أخرى إلى التعبئة القويّة واليقظة المستمرّة والتحرّك الفعّال على الصعيدين الداخلي والخارجي للتصدي لأعداء الوطن اينما كانوا”.
هل من صراحة أكثر من هذه الصراحة في حديث ملك إلى مواطنيه. إنّه محمد السادس المتصالح مع نفسه ومع شعبه قبل أيّ شيء آخر. مثل هذا الكلام عن واقع الحال في الدار البيضاء وعن تحديات قضية الصحراء المغربية التي يحاول من خلالها بعضهم المسّ بالمغرب والإساءة اليه، دليل على عمق الثقة بين محمّد السادس والمغاربة.
هذه الثقة المتبادلة التي تعبّر عنها الشفافية في الخطابين الداخلي والخارجي تعكس وجود خطاب واحد. يستند هذا الخطاب إلى الوعي التام لما يدور في العالم وما يدور حول المغرب وما يدور في الداخل المغربي. مثل هذا الوعي هو الذي يبني الدول الحديثة ويسمح بتجاوز الصعوبات داخل المملكة، كما يسمح لمحمّد السادس باعطاء دروس للآخرين. من بين هذه الدروس، كان الاتفاق الإستراتيجي بين المغرب والغابون في مجال انتاج الأسمدة وتوجيهها نحو البلدان الأفريقية بما يساهم في التنمية وضمان الأمن الغذائي للقارة الأفريقية. المغرب يمتلك الفوسفات،الغابون بلد غني بالنفط والغاز. لماذا لا يكون تعاون وتكامل من أجل التنمية في افريقيا؟
في المغرب، هناك خطاب واحد. هناك تكامل بين الداخل والخارج. الخطاب الداخلي لا يقلّ شفافية عن الخطاب الخارجي. في المغرب، هناك من يتعاطى مع المستقبل من دون الخوف من الحاضر على الرغم من أنّ التحديات كبيرة، بل كبيرة جدا…
نقطتان مهمتان أشار إليهما
الاستقرار لا يتحقق الا بالتنمية و قوله {أدعو الجميع مرّة أخرى إلى التعبئة القويّة واليقظة المستمرّة والتحرّك الفعّال على الصعيدين الداخلي والخارجي للتصدي لأعداء الوطن اينما كانوا”.}
صدقت .