لم يكن في بال ابن الـ13 عاما أن أحدا ما سيرى فيه أبعد من ماسح أحذية. فالمارون أمامه عادة يلتفتون إلى أمثاله في حالتين، إما من باب الشفقة، أو الرغبة بتنظيف الحذاء، ولم يكن بلال يتوقع أكثر من ذلك أصلاً، لكن “حظ” بلال، كما يقول، قلب حياته رأساً على عقب.
كان بلال، أحد أبناء شعب “الدوم”، وهم الغجر العرب، يعمل كماسح أحذية في منطقة الكسليك، شمال مدينة بيروت.
وشاءت الصدف أن يتنبه إليه الموسيقي، ميشال الفتريادس، عندما مرّ بجنبه وكان بلال يتمتم بأغنية غجرية أثناء انشغاله بتنظيف حذاء أحد الزبائن.
وأعجب المنتج والموسيقي اللبناني–اليوناني بأداء الشاب غجري الملامح، ولم يتردد في أن يطلب منه زيارته بمكتبه القريب من مكان عمل بلال.
وسرعان ما أرسله لتعلم الموسيقى عند أحد الأساتذة المرموقين، مع العلم أن بلال لم يدخل مدرسة قبل ذلك. وبحسب الفتريادس فإنه أنفق الوقت والمال على دراسة بلال الموسيقيّة، موكلاً مُدرّسين اختصاصيين للاهتمام بتعليمه.
حكاية أمير غجري
ومن هنا بدأت حكاية صبي دخل النجومية من بابها العريض، حيث بنى بلال خلال السنوات ثقةً في أدائه، فهو لم يتبع السبل النمطية للفنانين، بل استطاع ترك بصمةٍ خاصةٍ في كل أغنية أداها. ولم يلتزم بغناء اللون الغجري فحسب، بل كان أداؤه غجريا في كل أغنية لبنانية، مصرية، عراقية يؤدّيها.
وبالشكل أيضا، لم يشبه “الأمير الغجري” غيره من المغنين، فعدا عن سمرة بشرته وملامحه الغجرية الجذابة، ترك بلال شعره الطويل مسدلاً على أسفل ظهره، وهو “لوك” حافظ عليه كجزء من الحفاظ على هويته المميزة.
ويملأ بلال المسرح عندما يعتليه، فيقفز ويرقص بعفوية تامة، يتمايل مع الموسيقى الحية فيتفاعل مع الفرقة الموسيقية التي بدورها تنسجم معه، فيشكلون لوحة نابضة يصعب على الحاضرين عدم التفاعل والتمايل معها، فيلهب المسرح في جوٍ فريد من نوعه.
نظرة لا يحبها
وفي مقابلة خاصة لـ”العربية.نت” يسهب بلال بالشرح عن أبناء شعبه ويقول إنهم لا يحبذون تسمية بعض العرب لهم بال “نَوَر”. ويسعى بلال من خلال أعماله الفنية الى “تغيير نظرة الشعوب العربيّة إلى الأقلّيات غير المعروفة التي تعيش بينهم منذ آلاف السنين، وشعبي، شعب الدوم، من تلك الشعوب”.
ونجاحات بلال لم تنسه أهله وشعبه، فـ”بن بلا الحنطير” (اسمه الحقيقي) وبعد 17 عاما من انتشاله من الحياة القاسية التي كان يعيشها، يقول: “أريد أن أستفيد من شهرتي ولقاءاتي الإعلاميّة لأسلّط الأضواء على شعبي ومعاناته وعلى جمال فنّه وثقافته”.
واستحق بلال لقب “الأمير الغجري”، وللاسم مدلولات لها علاقة بالثقافة “الدومرية”، فيشرح بلال قائلا: “هناك أسطورة قديمة يتناقلها الغجر أنه كان لديهم ملوك وأمراء، وأنا بكل تواضع أصبحت أميراً لموسيقى الغجر، ولأنّ بيت عائلتي كان أباً عن جدّ المكان الذي تُحلّ فيه مشاكل الغجر بين بعضهم بعض فورثت لقب الأمير”.
أسطوانة تحمل لقب شهرته
ولا يتنكر بلال لماضيه القاسي، بل يستند عليه ليكون أقوى، فهو بحسب تعبيره عاش مأساة حقيقية، أما اليوم فهو يحصد ثمرات عمله الشاق، وعن النجاح الذي يعيشه بلال اليوم فيصف طعمه بأنه “طيب لا مثيل له”.
وأسطوانة بلال التي أصدرها مؤخرا بعنوان “الأمير الغجريThe Gipsy Prince” تحقق اليوم أرقام مبيعات مرتفعة، وحفلاته تلاقي إقبالا كبيرا، الا أنه لا يكتفي بذلك، بل يسعى إلى التطوّر الدائم ويطمح بأن يسمو إلى مستوى عمالقة الفنّ، “فإنّ الفنّ لا حدود له”.
أما العالمية فهي هدف كل فنان بحسب تعبير بلال، وهذا الأمر ليس بعيد المنال، فوجود امبراطور “نوورستان” ميشال الفتريادس إلى جانبه يجعل العالمية أمرا وارداً، إذ إنه يرى أن الفتريادس وصل وأوصل من عمل معه الى العالمية، فلماذا لا يكون بلال واحدا منهم!.
ولأن “الفن لا حدود له” لا يستبعد بلال إمكانية دخوله عالم التمثيل لو سنحت له الفرصة المناسبة، فيقول ممازحا: “إذا كنت تعرفين أحد يبحث عن ممثّل شعره طويل وملامحه غجريّة فأعطه رقمي”.
أما في رسالته للموهوبين الذين يضطرون للعمل بما توفر لتأمين لقمة العيش فيقول: “أنا أفهمهم فإن الإنسان يجب أن يعمل ليجني المال، ولا يوجد عمل شريف مخجل، فالكسل وعمل الحرام هم وحدهم عيب”.
ماذا تقول أنت؟