في حلقةٍ “من العمر”… جمع أحمر بالخط العريض أحباء فرّقتهم الظروف القاسيّة… وعائلات تتوق إلى بهجة عيد الميلاد مع أولادها بعد سنواتٍ طويلةٍ من الفراق
فادي الشاب المهذب الأنيق الذي سفرته أمه مهيبة مع أخته سهى الى سويسرا خلال الحرب الأهلية من دون علم الوالد شمس الدين رمضان الذي فرقت حواجز الحرب والطائفية بينه وبين زوجته التي تقول أنها أرادت لولديها أن يجدا مركب النجاة. قرارها لا يجد غفراناً نهائياً حتى الساعة من ولديها، وبطبيعة الحال من زوجها الذي قال انه بحث طوال سنوات عن ولديه من دون جدوى، قبل أن يتزوج ويكوّن أسرة، وترتسم التجاعيد الكثيرة على وجهه.
في استوديو البرنامج الذي بثت حلقته أمس في الزمن الميلادي، استقبل مالك مكتبي بداية الأم مهيبة التي حكت وبكت عن فقدها واشتياقها لولديها قبل أن يفاجئها البرنامج بدخول ابنها فادي ذي الـ38 سنة الى الاستوديو، فسادت لحظات مؤثرة دمعت معها العيون، لاسيّما مع شهقات الأم المواكبة لبكائها الشديد، فكأننا بتلك الشهقات تحمل مرارة الندم على قرار ربما فرضته واقعية وغريزة أم تبحث عن طوق النجاة لولديها عبر قرار قاهر بابعادهما عنها وعن والدهما وبلدهما.
يبدأ حوارٌ بين الأم والابن يقر خلاله الاخير بأن شقيقته لم تسامح أمها وأنها حتى لم تبذل جهداً لتعلم العربية، ربما لرغبة في نسيان كل ما هو له علاقة بالماضي.
يبدي الابن رغبة في استكمال البحث فيلاقي رغبات البرنامج في اكمال المهمة.
تطلب التحضير للحلقة جهداً كبيراً من فريق الأعداد، فيكفي أن أوراق فادي السويسرية لا تخوّله من السفر الى لبنان، فكانت مساعدة من الامن العام والقنصلية اللبنانية في سويسرا وغيرهما، كما ان الوصول الى هوية الأب تطلب ضغطاً على الأم وجهداً لاقناعها بكشف ما جهدت لاخفائه سنوات عن ولديها اللذين ربطتها بأحدهما (فادي) اتصالات متقطعة بعد سفرهما.
يعثرُ فريق البرنامج على الأب، وها هو في السيارة الى جانب مالك مكتبي الذي يصطحبه الى دار الأطفال الذي وضعت فيه الأم ولديها ذات اليوم، وفي الطريق يمتد شريط ذكريات طويل يحكي مرارة التفرقة وبشاعة ما تسببت به الحرب من مآسٍ لا زالت مفتوحة على مصراعيها.
هناك قرب الدار، يتم اللقاء بين الأب والابن في لحظة شديدة التأثير بكى خلالها المشاهدون ومكتبي. فيلتقي فادي الذي منحته أمه عائلة داغر بتسجيلها على أوراقه الثبوتية بفادي رمضان في رمزية مكثفة تسقط على شعب شرذمته الهويات القاتلة.
وكان البرنامج قد نجح في جمع شمل عائلة أخرى في الحلقة عينها، فحضرت الى الاستوديو سيّدتان لبنانيتان تعيشان في المكسيك لم تريا والدهما منذ4 عقود، بالاضافة الى الوالد الذي يقضي شيخوخته في دار للعجزة في لبنان، والشقيقة الثالثة التي تقطن في بيروت. وقد فرقت الحرب الأهلية شمل هذه العائلة أيضاً حين سافرت الشقيقتان مع جديهما الى المكسيك هرباً من الحرب، فيما الوالد بقي في افريقيا، والبنت الثالثة مع والدتها في لبنان.
بتأثرٍ كبيرٍ، تحدثَ مالك مكتبي بعد إنتهاء الحلقة قائلاً: “سبق أن قلت أنها حلقة العمر، ما جعلني أشعر لبرهة قبل العرض بأن في ما قلت رفعاً كبيراً للتحدي، لكني أجزم الآن أن الحلقة هي حلقة العمر بالخط العريض”.
ويردف: “خلال متابعتي تفاعل الناس والتعليقات المؤثرة التي ترد، أدرك أننا نجحنا في ملامسة أعماق كل مشاهد، وجعلناه يخرج بالعبرة التي خلصنا اليها من خلال قصة فادي الذي يمثل جرح الحرب، فادي المسيحي الذي وجد نصفه المسلم”. ويضيف: “هذه الحلقة شأنها ككل حلقة من البرنامج أن ترفع سقف غمار التحدي الذي نخوضه في البرنامج منذ سنوات”.
وبالنسبة لمكتبي، فان ما بعد الحلقة التزاماً باكمال القضية، قضية فادي وما تمثله من مسألة جماعية تخرج من إطار الفرد. وهنا يقول: “ما زال هناك الكثير الذي سنكشفه عن فادي بما يجسده من قصة وطن”.
لا يملك فادي أوراقاً ثبوتية اليوم تخوّله السفر الى لبنان بسهولة، فكيف لضحية حرب أن يمعن الوطن في حرمانه من حقوقه، وألا يكفي ما سلف من حرمان. فادي وكل من له قصة مشابهة يجب أن يحظوا بتعويض يناسب ما عاشوه من تضحية. وهذا التزام من برنامج يجب أن يحظى بتأييد الدائرة الأوسع في الرأي العام.