يخضع ترسيم العقلة العقارية إلى شروط و إجراءات عددتها مجلة المرافعات المدنية و التجارية و تتعلق الشروط أساسا بالعاقل و بالمعقول عنه و بالمال موضوع العقلة في حين تتعلق الإجراءات بمحضر الإنذار وترسيمه.
I- شروط العقلة العقارية
1- شروط العاقل:
جاء بالفصل 451 م م م ت أن:” عقلة العقارات المسجلة عقلة تنفيذية يمكن أن تقع بمقتضى سند تنفيذي أو سند مرسم بالسجل العقاري.”
يستنتج من أحكام هذا الفصل أنه يجب على العاقل أن يكون حاملا لسند تنفيذي أو لسند مرسم بالسجل العقاري ، و السند التنفيذي حسبما جاء بالفصل 286 م م م ت هي الأحكام التي أحرزت على قوة اتصال القضاء و هي التي لم تكن أو لم تعد قابلة للطعن بإحدى الوسائل المعطلة للتنفيذ أو الأحكام التي أذن بتنفيذها الوقتي ولو لم تحرز على قوة اتصال القضاء.
أما السند المرسم فهو الصك الذي أنشأ علاقة المديونية بين الدائن العاقل و المدين المعقول عنه و الذي تم ترسيمه بالرسم العقاري الراجع بالملكية للمدين، وغالبا ما يتمثل هذا الصك في عقد رهن.
ويعد عمل العقلة العقارية من أعمال الإدارة لا من أعمال التصرف وهو ما يستوجب أن يكون للعاقل الأهلية القانونية لمثل هذه الأعمال ويكفي في هذا الإطار أن يكون للعاقل أهلية إدارة أمواله إلا أنه من الواجب أن تتوفر فيه أهلية التقاضي لأن إجراءات العقلة تؤدي إلى القضاء في مرحلتها النهائية وهي تبتيت العقار المعقول.
كما أنه من أهم الشروط المستوجبة في العاقل هي أن يكون دائنا بمبلغ من المال محدد المقدار ومستوجب الأداء.
2- شروط المال موضوع العقلة
لقد جاء بالباب الثامن من مجلة المرافعات المدنية و التجارية وعنوانه” في عقلة العقارات و بيعها ” وفي القسم الأول منه وعنوانه ” أحكام مشتركة بين العقارات المسجلة و غير المسجلة” و خاصة الفصل 410 م م م ت أنه ” تنطبق أحكام هذا الباب على عقلة وبيع الحقوق العينية العقارية التي يجوز رهنها أو المنابات المفرزة أو المشاعة من نفس تلك الحقوق”.
فيمكن بذلك أن تشمل العقلة كل عقار على ملك المدين وكذلك رقبة العقار و جميع الحقوق العينية التي يجوز رهنها.
ولقد عدد الفصل 271 م ح ع الحقوق العينية التي يجوز رهنها حيث جاء بنصه أنه :” لا تقبل الرهن العقاري إلا الحقوق العينية الأتي ذكرها
– الملكية القابلة للبيع و الشراء
– حق الانتفاع مدة قيامه
– الإنزال
– الامفيتيوز مدة قيامه
– حق الهواء . ”
وبالتالي فانه لا يجوز إجراء عقلة عقارية على الحقوق العينية بالتبعية غير المذكورة بالفصل 271 م ح ع المذكور و مثل ذلك حق الارتفاق وحق السكنى وحق الاستعمال…
3-شروط المعقول عنه :
لم تحدد مجلة المرافعات المدنية و التجارية شروطا خاصة بالمعقول عنه في إجراءات العقلة العقارية ، إلا أنه يمكن أن نستنتج بعض هذه الشروط من المبادئ العامة للالتزامات.
أول الشروط التي يمكن استخلاصها هو أن يكون المعقول عنه مالكا للعقار المعقول فشرط الملكية هو شرط أساسي لصحة إجراءات العقلة ولترسيمها، إذ يجب أن تكون ملكية المعقول عنه ثابتة وقت ترسيم الإنذار القائم مقام عقلة عقارية . فلا يمكن مثلا أن تكون ملكية العاقل هي موضوع مطلب تحيين منشور لدى المحكمة العقارية.
وتجدر الإشارة كذلك أن المشرع لم يوجب شروطا لأهلية المعقول عنه ، إلا أنه يمكن القول بأنه تجوز العقلة ضد من له الأهلية أما فاقدي الأهلية فتقام إجراءات العقلة ضد من يمثلهم قانونا كالقصر و المحجور عليهم …
أما بالنسبة للمدين المفلس الذي فقد أهلية التصرف في أمواله فيوجه محضر الإنذار إلى أمين الفلسة.
II- إجراءات العقلة العقارية
نذكر في البداية أن إجراءات العقلة العقارية تطبق على العقارات التي يتجاوز ثمنها الافتتاحي سبعة ألاف دينار ذلك أن العقارات التي يكون ثمنها الافتتاحي دون ذلك تخضع في عقلتها وبيعها لإجراءات عقلة المعقولات طبقا لأحكام الفصل 450 م م م ت (جديد).
وتتمحور إجراءات العقلة العقارية حول محضر الإنذار وحول ترسيمه بالرسم العقاري.
1- محضر الإنذار:
جاء بالفصل 452 م م م ت أنه :” تجرى العقلة التنفيذية بإنذار يبلغ إلى المدين بواسطة عدل منفذ. و يجب أن يشتمل محضر الإنذار على البيانات التالية وإلا يكون باطلا :
– السند التنفيذي و إعلام المدين به أو السند المرسم الذي أجري الإنذار بمقتضاه.
– مبلغ الدين المطلوب أداؤه
– التنبيه على المدين بأنه في صورة عدم الوفاء حالا يقع ترسيم الإنذار بالرسم العقاري ويقوم ذلك الإنذار مقام العقلة بداية من ترسيمه
– تعيين العقار الذي تجرى العقلة عليه مع بيان دقيق لموقعه و مشمولاته و مساحته و كذلك الاسم و العدد الذين سجل بهما.
– المحكمة التي سيقع لديها بيع العقار عند الاقتضاء.
– إنابة محام يكون مكتبه قانونا المقر المختار للدائن القائم بالتتبع.”
أول ما يمكن استنتاجه من أحكام هذا الفصل هو أن المشرع حصر إجراء العقلة التنفيذية في محضر إنذار يبلغه الدائن للمدين بواسطة عدل منفذ حيث أنه لم يترك للدائن العاقل حرية اختيار الصك الذي سيقع بمقتضاه إجراء العقلة وذلك خلافا لإجراء الاعتراض التحفظي الذي يمكن القيام به إما عن طريق محضر إنذار يبلغه عدل منفذ أو بعد التحصل على إذن في ذلك من رئيس المحكمة الابتدائية وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها صلب الفصل 327 م م م ت.
ثم عدد المشرع بصيغة وجوبية ، التنصيصات التي يجب أن يتضمنها محضر الإنذار المذكور وهي تنصيصات متلازمة لا يمكن للدائن الاكتفاء ببعضها وقد رتب المشرع على عدم شمول محضر الإنذار تنصيصا من التنصيصات الوجوبية ، بطلان المحضر بطلانا مطلقا و البطلان المطلق يمكن أن تثيره المحكمة من تلقاء نفسها. هذا إضافة إلى أن المحضر يصبح غير قابل للترسيم بالسجل العقاري ذلك أن الصك الباطل لا عمل به ولا يمكن ترسيمه.
ويجدر الإشارة أنه على حافظ الملكية العقارية التحقق من صحة محضر الإنذار قبل ترسيمه وذلك عملا بأحكام الفصل 389 م ح ع الذي جاء به أنه :” يتحقق مدير الملكية العقارية من … ومن صحة الوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب الترسيم.”
وقد أتاح الفصل 424 م م م ت للدائن آن يطلب في أن واحد عقلة عقارين أو أكثر على ملك مدينه. فإذا تسلطت العقلة على عقارات تقع بدوائر محاكم مختلفة فانه يجب تحرير محضر إنذار لكل عقار وأما إذا كانت العقارات بدائرة محكمة واحدة فانه يحرر فيها محضر واحد.
2- ترسيم محضر الإنذار :
نص الفصل 453 م م م ت في فقرته الأولى على أنه :” يجب ترسيم الإنذار بالرسم العقاري في ظرف تسعين يوما من تاريخه وإلا يلغى العمل به.”
لقد أوجب هذا الفصل على الدائن العاقل أن يرسم محضر الإنذار بالرسم العقاري في ظرف تسعين يوما و الترسيم هنا لا يعني الإيداع فقط ذلك أن الإيداع لا يؤدي حتما إلى الترسيم فقد يكون مطلب ترسيم المحضر مرفوضا لسبب أو لآخر كأن يكون المحضر غير مسجل بالقباضة المالية أو كأن لم يقع دفع معاليم الترسيم.
والعبرة من ترسيم محضر الإنذار بالرسم العقاري هي صحة إجراءات العقلة لمواصلة تنفيذها وهو ما يؤكد أن معنى الترسيم هنا هو إدراج المحضر بالرسم العقاري وليس مجرد إيداع مطلب ترسيم.
وقد حدد المشرع أجل تسعين يوما لترسيم المحضر وإلا يلغى العمل به. و الإلغاء هنا هو جزاء تقاعس الدائن و عدم حرصه على الترسيم، وهو يعني أن المحضر يصبح عديم المفعول ولا ينتج آثارا قانونية إذا لم يقع ترسيمه في التسعين يوما من تاريخه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن احتساب هذا الأجل يطرح إشكالا جديا ويبرز هذا الأشكال في تحديد تاريخ بداية احتساب هذا الأجل. فقد نص الفصل 140 م إ ع أنه :” يوم ابتداء عد مدة الأجل لا يكون معدودا منه …”
ويستنتج من هذا الفصل أن يوم الإعلام لا يقع احتسابه ضمن الأجل بل يبدأ عد هذا الأخير من اليوم الموالي ليوم الإعلام.
وقد تراوح تطبيق هذا الفصل لاحتساب الأجل في فقه القضاء بين التأكيد و الرفض. فقد جاء بالحكم الاستئنافي المدني عدد 30677 الصادر في 19 أكتوبر 1971 أنه :” اقتضى الفصل 3 من القانون المؤرخ في 14 جويلية 1965 أن الآجال تحسب وفقا للأحكام الواردة بالفصول 140و141و142و143 من مجلة الالتزامات و العقود و على هذا الأساس فان جميع الآجال سواء منها الاتفاقية أو الممنوحة بمقتضى القانون، مضبوطة ضبطا متحدا قارا…”
أما الحديث عن الرأي الرافض لتطبيق الفصل 140 م إ ع على جميع الآجال فقد جاءت به محكمة التعقيب في قرارها المدني عدد 3485 الصادر في 25 نوفمبر 1964 الذي يرى أن الفصلين 140 و 141 م إ ع إنما يتعلقان بنصوص الآجال التي يجب فيها تطبيق الالتزامات و لا علاقة له بآجال الطعون في الأحكام و ذلك يعني أن الفصل المذكور ورد لتحديد الآجال في العلاقات التعاقدية فقط ولا يمكن سحب مفعوله على بقية العلاقات القانونية.
وبالرجوع إلى أحكام الفصل 453 م م م ت نجد أنه حدد أجل ترسيم المحضر بالرسم العقاري في ظرف تسعين يوما من تاريخه. فهل يقع احتساب اليوم الذي تم فيه تبليغ المحضر ضمن أجل التسعين يوما أم لا؟
وإضافة إلى مسألة احتساب الأجل يطرح ترسيم محضر الإنذار إشكالات أخرى و من بينها مسألة تعدد العقارات موضوع العقلة في محضر واحد.
حيث اقتضى الفصل 424 م م م ت أنه إذا تسلطت العقلة على عقارات تقع بدوائر محاكم مختلفة فانه يجب تحرير محضر إنذار لكل عقار. وهنا يأتي دور المحقق الذي عليه التثبت من أن جميع العقارات التي تسلط عليها المحضر كائنة ضمن دائرة محكمة واحدة، وهو ما يستوجب من المحقق معرفة حدود الإختصاص الترابي للمحاكم، وهو ليس بلأمر البسيط خاصة بعد إحداث محكمة ابتدائية ثانية في كل من ولايات تونس و سوسة و صفاقس. وهنا يجب على المحقق التثبت من أن العقارات موضوع محضر العقلة هي تابعة لاختصاص محكمة واحدة وهو ما يستلزم تحديدا دقيقا لموقع العقار مع الإلمام بحدود الاختصاص الترابي لكل من المحكمة الابتدائية الأولى و المحكمة الابتدائية الثانية من نفس الولاية.