في كلمة له اليوم الأربعاء حول تجديد الخطاب الديني، كشف الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عن سبب تمسك الأزهر بالمذهب الأشعري، ولماذا ظل يتمسك به طوال 10 قرون هي تاريخ وعمر الأزهر، مؤكدا أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى أن هذا المذهب كان انعكاسا صادقا أمينا لما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين.
وعن ماهية هذا المذهب وحقيقته وهل هو مذهب خامس يختلف عن المذاهب الأربعة أم أنه يتبع أحدهم؟ ومن هو الأشعري وما الذي يميز مذهبه؟ تقدم “العربية.نت” الإجابات عن كل هذه الأسئلة.
وقال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الأزهر تبنى المذهب الأشعري، وروَّجه في سائر أقطار المسلمين، لأنه وجد فيه العلاج الناجع لأمراض وعلل أصابت الفكر الديني، خاصة في القرنين الماضيين، بسبب فرض المذهب الواحد والرأي الواحد الذي قضى على مكمن القوة في أمة الإسلام ووضعها في ذيل قائمة الأمم، مضيفا أنه ومع تمسك الأزهر وعلمائه بالمذهب الأشعري فإنه أفسح المجال واسعا لكل المذاهب الكلامية الأخرى، وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بظلال الإسلام الوارفة التي يستظل بها كل من ينطق بالشهادتين ويصلي إلى القبلة ويأتي أركان الإسلام والإيمان.
وأضاف أن الأزهر وهو يتبنى مذهب الأشعري، فإنه لا يتبناه تعصبا لمذهب ولا لإمام من الأئمة، ولكن لأن هذا المذهب لم يكن أمرا مخترعا أو محدثا في الدين، بل كان انعكاسا صادقا أمينا لما كان عليه النبي وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين عقيدة وشريعة وأخلاقا، وهذه قضية تخفى على كثير ممَّن يكتبون الآن عن المذهب الأشعري، وأعني بها أن الأشعري لم يخترع مذهبا جديدا كمذهب الاعتزال أو المذاهب الأخرى التي يسهل على الباحث أن يعثر فيها على أنظار ودقائق تصطدم اصطداما صريحا بنصوص الكتاب والسنة.
وأكد أن ما فعله الأشعري هو صياغة مذهب عقائدي ينصر فيه القرآن والسنة بدلالات العقول وببيان أن نصوص الوحي تستقيم على طريق العقل الخالص إذا تجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط، حيث يقول الإمام البيهقي فيما ينقله ابن عساكر: “لم يحدث الأشعري في دين الله حدثا، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين، فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء.
وكان للدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر،رأي أيضا صرح به لـ”العربية.نت” أن المذهب الأشعري ليس مذهبا فقهيا على غرار المذاهب الفقهية الأربعة الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية، بل هو مذهب عقائدي يعنى بأمور العقائد الإيمانية، وهو المقابل لمذهب المعتزلة والمرجئة والسلفية، ويتميز بالجمع بين النقل والعقل، كما أنه يفسر الأمور المتعلقة بالعقيدة وفق العقل ودلالات النص.
ويتم قوله “إن هذا المذهب أسسه أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي ولد بالبصرة سنة 270 هـجرية، ومرت حياته الفكرية بـ3 مراحل، الأولى عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره، وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته”.
والثانية “ثار فيها على مذهب الاعتزال بعد أن اعتكف في بيته 15 يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال، وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما يتفق العقل وفي إثبات الصفات السبع عن طريق العقل، وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام”.
ويضيف أن المرحلة الثالثة هي إثبات الصفات جميعها لله تعالى، وفي هذه المرحلة كتب كتاب “الإبانة عن أصول الديانة” الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم الذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل ولم يقتصر على ذلك، بل خلف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بـ98 مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد، ونودي على جنازته بالقول: “اليوم مات ناصر السنة”.
ويشير د. كريمة إلى أن مذهب الأشعري يمثل الوسطية والاعتدال في الإسلام، ويجمع ما بين الثبات والمرونة، ويدحض كل المكائد والأفكار المنحرفة التي تحاول تشويه الإسلام وتتهمه بالجمود، مؤكدا أن من أبرز العلماء الذين يعتنقون هذا المذهب الإمام النووي شارح صحيح مسلم وصاحب رياض الصالحين، والإمام ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري في كتابه الكبير فتح الباري، ومن العلماء من أهل التفسير وعلوم القرآن كل من القرطبي وابن العربي والرازي وابن عطية والسيوطي والآلوسي والزرقاني، ومن أهل الحديث وعلومه الحاكم والبيهقي والخطيب البغدادي وابن عساكر والخطابي وأبو نعيم الأصبهاني والعز بن عبد السلام والهيثمي وابن حجر، ولهذا السبب فإن الأزهر محق في التمسك بهذا المذهب وتدريس علومه لطلابه.