لا زال الاختلاف في لون البشرة يثير نعرات عنصرية وقبلية في بعض المناطق القروية المغربية، التي تؤم سكانا من أصول إفريقية سواء عربية أو أمازيغية أو ناطقة بنفس اللغة، كما هو الحال في المجتمعات العربية، التي لم تتخلص بعد من هذه النظرة على مستوى بعض مناطقها.
وتعتبر مدينة “طاطا” من بين المناطق التي لا زالت سلوكيات التمييز العنصري راسخة لدي السكان، فلون البشرة له علاقة بالفرقة، رغم اشتداد حملة الجمعيات الحقوقية ضد هذا التمييز.
و”داوبلال”، و”آكادير”، قريتان تابعتان لمركز جماعة “تيسينت” المنتمية إلى محافظة مدينة “طاطا” المغربية الواقعة بالجنوب الشرقي للمملكة، يفصل بينهما شارع ويقسمهما جغرافيا إلى شطرين.
وعلى أطراف الشارع يتقابل مسجدان، غير بعيدين عن بعضهما البعض بمسافة تتجاوز بالكاد خمس دقائق.
وتقول منة شيبة ماء العينين، معلمة بالمنطقة في حديثها لـ”العربية نت” مع انطلاق الآذان يتوجه الناس للصلاة في كليها لكن بشكل فردي، الأول خاص بذوي البشرة السمراء، والثاني خاص بأصحاب البشرة البيضاء، مضيفة أنه حتى في المقابر كل طرف اختار ألا يكون ابن جلدته الإثنية بجوار الآخر، كما هو حالهم في الدنيا، حتى وإن كان الوطن والتاريخ والرابط الديني والمذهبي (المالكي) يوحد بينهما.
وتشير منة إلى أن الفضاءات العمومية تظل مجالا مشتركا لا محيد عنه بالنسبة لهذه الساكنة، كما هو الشأن للشارع الذي يوحد بينهما ويوزعهما في آن على أطرافه بشكل تقابلي، فبيلة تنتمي لقرية تحمل اسم “داوبلال”، تقول عن نفسها إنها من أصول عربية وهي فرع من القبائل الصحراوية المغربية، وهم من ذوي البشرة البيضاء، فيما يحمل اسم القرية الثانية اسم “آكادير”، سكانها ينتمون للعنصر الأمازيغي، وهم من أصول إفريقية من ذوي البشرة السوداء، ويعتبرون أنفسهم من السكان الأصليين وأنهم أصحاب الأرض، ويتهمون الطرف الآخر بالاستيلاء عليها.
ملعب وحمية جاهلية
ويتقاسم أبناء القبيلتين شغف لعب كرة القدم خاصة في شهر رمضان، يتواجهان مع بعضهما البعض بكثير من العنف في ملعب مركزي يسع الجميع. لكن في السنة الماضية 2014 ،أقدم أفراد من قبيلة داوبلال على استعمال جرافة لتهيئة مساحة أرضية، وجعلها ملعبا خاصا بهم في منطقة تابعة لجماعة أكادير تسينت، والتي اعتبرت ذلك تجاوزا غير مقبول. ونجم عن الحادثة مواجهات دامية بين الطرفين شارك فيها النساء والأطفال واستعملت فيها الهراوات، حسب بعض المواقع الإخبارية المحلية.
شيوخ المنطقة وأغلبهم تتجاوز أعمارهم 90 سنة، رغم كبر سنهم، هم أكثر عصبية قبلية من الشباب الذي ورث تراكمات نزاعات الماضي، والتي تأخذ بين بعضهم حربا باردة.
حزب الاستقلال والإخوان
وإذا كانت الحكمة تأتي من الشيوخ، فإنها تصدر عن آخرين لا ينتمون إلى القبيلة، وهم فئة من العلماء ومن حاملي كتاب الله، استقروا بالمنطقة بين ظهراني القبيلتين، يتدخلون في فض النزاعات بين الأطراف التي تكن لهم كل الاحترام.
المجتمع المدني بدوره منقسم بين أمازيغ وعرب، ذوي البشرة البيضاء والسوداء، وفي حالات استثنائية نجد جمعيات مدنية تجمع الطرفين، وعلى المستوى السياسي يهيمن حزب الاستقلال على قبيلة بينما يحظى غريمه حزب العدالة والتنمية (الإخوان) بدعم القبيلة الأخرى.
وبمناسبة رمضان، يحدث شبه تصالح بين الطرفين، حيث جرت العادة، أن تقيم قبيلة “آكادير” الأمازيغية حفل إطعام بمناسبة ليلة القدر، تدعو إليه عدة شخصيات من داخل القبيلة ومن القبيلة التي في الجوار، وفي هذه الليلة يكون ختم القرآن الذي يتم نقله إلى المسجد.