بعد حملة تحريض علنية طاولت نازحي المحافظات السورية، الذين انتهى بهم النزوح الى المنطقة الساحلية، طلباً للأمان من العنف والقتل، قام بها النظام لـ”إخلاء” بيئته الحاضنة من أي “جماعات” يعتبرها قنابل موقوتة أو خلايا نائمة للمعارضة، ها هو يقوم الآن بعملية “كراهية” جديدة ما بين أهل السويداء ومحيطهم، عبر استخدام “التهويل” المذهبي وإشعار المواطنين الدروز القاطنين السويداء، أنهم عرضة لإبادة المحيط “الدرعاوي” وأن جيش المعارضة يتقدم باتجاه “رقابهم” واحداً واحداً.
فشل في استعمال النازحين فهدّدهم بنزوح آخر!
ما يثير انتباه مراقبي الشأن السوري أن ورقة “التلاعب بالمشاعر المذهبية” سقطت من يد الأسد منذ فترة، خصوصاً بعد اعترافات الوزير اللبناني السابق، ميشال سماحة، بأنه نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان، بعلم الأسد وضباط أمنه، للقيام بعمليات تفجير طائفية شمال لبنان، وبقصد توتير الأجواء وإلقاء بطاطس الأسد الساخنة في اليد اللبنانية، الأمر الذي يراه المراقبون، إشارة أخرى من إشارات “نهاية النظام الوشيكة”. ويؤكد مصدر أن عودة النظام السوري للتلاعب بورقة احترقت في يده ولم يعد لها أي مفعول، تشبه استخدام السلاح الأبيض، عند الجنود، لدى نفاد ذخيرتهم. لهذا يؤكدون: لقد نفدت ذخيرة الأسد.
وتشير كل المصادر أن “تجميع نازحي المحافظات في اللاذقية” كان في الأصل، لإعادة تفعيلهم في “دعاية النظام كحام للأقليات”. وأن هذا التجميع لم يؤد غرضه. فقد استتب، مثلاً، أمر المسيحيين في منطقة الساحل، دون أن يقوموا بمؤتمرات صحافية أو دعوات فتنة طائفية أو لو حتى التهويل الذي “يحبذه النظام عبر دب الصوت الطائفي”.
والأمر ذاته، مع المُجَمَّعين الآخرين، سُنّة حلب وإدلب والرقة، على سبيل المثال، فمن انتهى به المقام في الساحل، منهم لم يمارس أي نشاط يمكن للنظام أن يستخدمه في تصوير ذاته حارساً للوطن، إن كان المجمّعون سُنَّةً، أو حارساً للأقليات، إن كان “الهدف” مسيحياً أو درزياً أو حتى علوياً.
حارس بلدية الطائفة..
ما نجح به النظام ثم أجّجه بخبر “جنوني” عن قوات إيرانية ستنزل في الساحل هو الاستخدام المفرط للفزع الطائفي لدى العلويين، فقد نجح بإشعارهم أنهم الهدف الضمني للثورة، منذ البداية، وذلك لاستنزاف كل شباب تلك المنطقة في الحرب. ففزع له علويو الساحل، مرة أخرى وفي الأسابيع الأخيرة، بعد الاستجابة لحملة التحريض التي طالت نازحي المحافظات الأخرى، حيث خلق النظام نوعاً من الرأي العام الذي يطالب النازحين المقيمين باللاذقية لأن “يحملوا السلاح ويقاتلوا في محافظاتهم التي جاؤوا منها” على ما ذكرت الدعوات، حرْفياً، التي استجابت لحملة النظام التحريضية.
أما دروز إدلب، فلم يستجيبوا، أساساً، لدعوات ترك مناطقهم بحجة تعرضهم الوشيك للذبح الطائفي الذي يتغذى منه النظام، قبل أي طرف آخر. بل لم يغيروا أمكنة إقامتهم هناك، وأقاموا علاقات حسنة مع مسلحي المعارضة، ونجحوا بتأمين حدود مقبولة من “الحياد” فلا يقاتلون النظام ولا يحاربون المعارضة. إلا أن النظام يرى مصدر عسكري معارض أضعف من ذلك، لأن “الحياد بالنسبة إليه هي مشاركة في خنقه، لأنه يحتاج أي روح تدب على الأرض السورية للقتال معه”. وربما لهذا يتخوف البعض، وكما قال مروان الحمد، وهو عقيد درزي منشق عن جيش الأسد، أن يقوم النظام بتسليم “السويداء لداعش كما سبق وقام بتسليم الرقة للتنظيم السالف”.
ونشرت كل وسائل الإعلام العربية والغربية عن محاولات النظام لـ”تسخين” دروز السويداء، طلباً للرجال وسعياً وراء منح عاصمة النظام “حماية جنوبية توفر عليه فتح جبهة جديدة”، أو لدفعهم للنزوح الجماعي وتصويرهم على أنهم ضحايا أقليون على يد معتدين أكثريين، كما لا يزال النظام وإعلامه يراهن لقطف ثمرة تمنحه أي دور حتى لو “حارس بلدية طائفة”، كما سبق وسخر معارض سوري.
ومن أجل هذا، نجح سياسيو الدروز ومعهم باقي القوى الوطنية، سواء في سوريا أو لبنان، بتطويق آثار مقتل الدروز في قرية “قلب لوزة” في محافظة إدلب الشمالية، مع أن محاولات استثمار هذه الحادثة كشفت عن “تشوّق النظام السوري وانتظاره الطويل في طابور الفتنة” كي يحيي المخاوف ويستنزف الرجال ويكتسب، ولو دوراً صغيراً، بحجم حارس بلدية طائفة.
اشتباك بالأيدي وسقوط السلاح الأبيض
قبل الدروز، كان قد خضع مسيحيو المحافظات للتهويل ذاته، حيث عبرت كل الأطراف السياسية السورية عن احترامها لمخاوف المسيحيين، خصوصاً بعد الذي جرى مع مسيحيي العراق. ولم تقف أي جهة سياسية معارضة ضد “أي من متطلبات مسيحيي سوريا” إنما في إطار من جهود “القوى الوطنية السورية جمعاء” كما عبرت أدبيات المعارضة السورية هنا وهناك.
ومن هنا، أجمع المراقبون أن استخدام بعض الأطراف اللبنانية، للتهويل حول مصير الدروز، وبإيعاز من النظام، هو مجرد سلاح أبيض بعد نفاد ذخيرة النظام. فهو خسر، ويخسر المزيد من الأراضي، وينحسر نفوذه في مناطق العاصمة وبعض مساحات الساحل السوري. وهو بسبب “بطشه العنيف بكل أطياف المجتمع السوري” سيكون “تحريضه الطائفي عبر تسخين الدروز” أشبه بمن أصبح يستخدم السلاح الأبيض بعد نفاد صناديق الذخيرة، وأن هذه المعركة، وبالأيدي، تشير إلى شدة “القرب الجغرافي” ما بين المعارضة السورية، وما تبقى من قوات منهكة للنظام السوري.