مرسلة من صديق الموقع Hassan
بات كثير مما نظن أنه من البديهيات والمسلمات يحتاج إلى فحص وإعادة نظر وتقييم، ويبدو السؤال عما يريده العرب في حاضرهم ومستقبلهم وسط هذا الطوفان من المتغيرات الدولية الكبرى، اقتحاماً لبديهيات تحتاج إلى هزة نوعية للتأكد من صلاحيتها وقدرتها على الاستمرار؛ فما يحدث في أرضنا العربية اليوم مذهل ومدهش، ويدعونا إلى تأمل عميق لخطر المحنة التي تعيشها الأمة في تحولات لم يكن ممكناً تصورها قبل عقود، وأحسب أن هذه هي المرة الأولى التي تختل فيها القيم على هذا النحو المثير الذي نراه من انقلاب دراماتيكي في المفاهيم والثوابت، لقد دبت الفوضى والفتنة في الحياة العربية حتى بات بعض المثقفين والسياسيين (ولا أقول العامة)، يحتاجون إلى من يقنعهم بأن إسرائيل هي الخطر الذي يهدد مستقبل الأمة، وأن سياسة الولايات المتحدة وحلفائها هي التي أحدثت الانهيارات المتلاحقة التي حلت بنا، بل بات بعضهم يحتاج إلى من يقنعه بأننا أمة! ولقد قرأت مقالة لإحدى الكاتبات المثقفات تناقش فيها ما حل بالعراق ولبنان وفلسطين من كوارث وتبحث لاهثة عمن يحمل الوزر، وقد قادتها الحنكة والتحليلات السياسية البارعة إلى تحميل المسؤولية لعدة جهات عربية وإقليمية، وكان العجب العجاب ألا يثور عندها أي شك على الإطلاق بدور أو مسؤولية لإسرائيل، كأن الذي يحدث لا يعني إسرائيل في شيء. وهذه الكاتبة ليست حالة فريدة، فقد بتنا نقرأ كل يوم من الآراء والتحليلات ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب، وبعضه يحمل توقيع أسماء كنا نكن لها احتراماً، قبل أن تظهر مواقفها الجديدة الغريبة، فبعضهم ينكر انتماءه للعروبة، وآخر يود التنصل من الإسلام، وثالث يريد إقناعنا بأن الخلاص الوحيد هو الاستسلام لإرادة الولايات المتحدة لأنها هي التي تحمل لنا فكر الديمقراطية، وهي التي ستحررنا من تاريخ الجهل والتخلف، وهي التي ستحرر نساءنا من ظلمنا لهن… وسوى ذلك كثير مما يدعونا إلى الإحساس بضرورة فحص ما كان بديهياً ولا يحتاج إلى برهان. وآية هذا الانقلاب المريع في المفاهيم، أننا بتنا نحتاج إلى إقناع بعضهم بأن المقاومة ليست عدواً للأمة، بل هي الدليل الوحيد على أن الأمة ما تزال حية وفيها شيء من المروءة والنخوة والكرامة، لكن هذه المصطلحات التي لم يفهمها ساسة البيت الأبيض، باتت عصية على الفهم عند بعض المثقفين العرب الذين يعتبرون المقاومة عبئاً عليهم ويرون من يؤمن بها رومانسيين يعيشون خارج عصرهم، وهؤلاء ينتظرون القضاء على المقاومة بأيدي العرب أنفسهم بعد أن عجزت إسرائيل والولايات المتحدة عن تحقيق الهدف، ولم يكن أحد في الأمة يجرؤ على أن يفكر بموقف معاد للمقاومة على مدى سنوات القرن العشرين، فحين انطلقت الثورة الفلسطينية كان العرب جميعاً يمجدون الفدائيين، وكان الإسرائيليون يسمونهم المخربين، لكن الكوفية الفلسطينية انتشرت في العالم كله، وباتت رمزاً لنضال الشعوب. وحين حوصرت الثورة الفلسطينية تعاطف معها العرب جميعاً، وما كان أحد يتصور أن يأتي يوم يصبح فيه الفدائيون إرهابيين في نظر بعض أشقائهم، وأخطر من هذا الانقلاب في المفاهيم أن يدافع عربي عن إسرائيل وأن يعلن مودته لها، وهو يرى استعدادها اليومي لمواصلة الحرب ضد فلسطين ولبنان وسوريا، ويرى يدها التي تقطر منها دماء العراقيين عبر العمليات الإرهابية الإجرامية التي يقوم بها أنصار إسرائيل ومن ترسلهم ليفجروا في المساجد والأسواق، بهدف إشعال فتيل الحرب الأهلية، تماماً كما تفعل في لبنان حين يرتكب أنصارها الجريمة تلو الجريمة، ويطلع بعض المحللين المثقفين الجاهزين ليتهموا سوريا على الفور، والمفارقة أن بعضهم بات يطلق الكذبة ويصدقها. هذه الحالة الفجائعية التي تعيشها الأمة التي باتت مهددة بحروب أهلية مدمرة في بعض بلدانها، تدعو إلى إعادة النظر بما نظنه من المسلمات كي نجد المشترك بيننا والمفترق، مثل معرفة الصديق من العدو، ويبدو السؤال الذي بات جديراً أن يطرح الآن: هل فقد العرب قناعتهم بأن المقاومة هي السند الوحيد لهم حين تنهمر على رؤوسهم صواريخ الاحتلال، وتهدم بيوتهم دباباته، وتقتل أطفالهم قنابله ورشاشاته؟ ماذا بوسعهم أن يفعلوا إذا انتهت المقاومة، أهم يطمئنون إلى أن الولايات المتحدة ستحميهم من إسرائيل؟ أم يظنون أن إسرائيل ستحول بلادهم إلى جنات عدن بمجرد أن يعلنوا نهاية المقاومة؟ لقد بدأ بعض العرب يعلن أن المقاومة عبء على مسيرة السلام ، وأن الحل هو الإذعان لمطلب إسرائيل في تصفية المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية، حسناً من يضمن أن إسرائيل لن تدوس على الرقاب وتركل الجثث في مدن العرب إذا هم باتوا عاجزين عن مقاومة عدوانها؟ لا أحد يملك أن يعطي هذه الضمانة، ولم يحدث في التاريخ الإنساني كله أن تحررت أمة من الاحتلال أو قبل محتلوها الخروج منها والقبول بالسلام معها دون أن ترهق المحتل مقاومة تجبره على التراجع عن مآربه وأهدافه. وسيبدو سؤال البديهية الثاني أشد مرارة إذا ما تساءلنا عن الهوية والانتماء؛ أما يزال العرب يؤمنون بأنهم أمة واحدة، أم أن الشعور القطري بات غالباً في دعوته كل قطر أن يجد خلاصه الفردي لنفسه. واضح أن من يريدون التفلت من هذا الانتماء القومي هم من شعورا بالضعف والعجز عن حماية انتمائهم، وباتوا يشعرون انه صار عبئاً ومسؤولية يضيقون بها، لذلك نجد بعضهم يبحث عن انتماءات جديدة غير مكلفة إن لم تكن رابحة. إن قراءة الأحداث اليومية تشير إلى أن بعض العرب باتوا يستدعون أعداء أمتهم إليهم، ويأتمرون بأمرهم، بل إن بعضهم يرهن مستقبله بهم، وهذا ما يدعونا إلى فحص بديهية الحرص على التمسك بالسيادة والاستقلال، حيث يبدو أن مفاهيم كهذه باتت عرضة للانقلاب أيضاً، حين نجد قرارات وطنية مصيرية يتخذها سفراء دول كبرى، أو وزراء خارجيتها أو دفاعها! إنني أدرك أن الحالة المفجعة التي تعيشها الأمة العربية اليوم هي حالة مؤقتة، ولن يستمر طويلاً هذا الانقلاب المريع في المفاهيم، فلا يصح إلا الصحيح أما الزبد فيذهب جفاءً، ولكن الآثار الكارثية لما يحدث ستدخِل الأمة في نفق مظلم، ولقد تنادى العرب إلى توافق في الرأي والحلول في قمة الرياض الأخيرة، لكن أعداء الأمة يخترعون لها بعد كل تفاهم ما يجعل التضامن العربي يواجه أزمة جديدة. ولقد بات المواطن العربي يشعر بالقلق والخطر وهو يرى محاولات جادة لإبادة روح المقاومة، ونشر ثقافة الهزيمة والإذعان والاستسلام، ولم يعد يدري ما تخبىء له الأيام؛ فقد يستيقظ على غزو جديد يتيح لإسرائيل أن تحسّن موقعها التفاوضي إن هي قبلت فيما بعد الانهيار أن تعقد سلاماً مع العرب، أو أنه مقبل على انتشار مريع لفوضى هدامة لا تترك له فرصة لتنفس الحياة، كما يحدث اليوم في العراق حيث تطالعنا الأخبار في كل ساعة بمقتل العشرات وانفجار العربات والسيارات المفخخة
منقوول
كلامك مفيد ومواضعيك مفيدة ياحسن شكرا لك .
عزيزي حسن ،،قرأت تعليقك في موضوع عتاب وقدسرني ما قلت ،،اكتفاءك بكتابة تعليقك دون انتظار الرد عليه نعمه العقل بوركت،،
وبارك الله في موضوعك وسأكتفي بعنوانه،،فللأسف هذا ما آل الليه الحال،،وهو انقلاب المفاهيم الذي ادت بدورها لأنقلاب الموازين ،،،شكرا لك
حسن .. أذهلني ماكتبت .. لن أمتدح لأن المأسات أكبر .
أعتقد أن شعار الامة العربية هو من أذلنا وأوصلنا الى ما نحن عليه ..شعارٌ قلاب أوجه . من كان مقاوماً ولو بقلمه قتل وعذب وشرد , لكنه ظل مقاوم .. ومن لف عمامة اسرائيل واستعن بأمر يكا على أخيك , أصبح الآن أشد وق ا حة بالعمالة .
مسلمين ومسيحيين آمنوا بعدالة قضيتهم وارتضوا الشهادة حباً للوطن ..و.. مسلمين ومسيحيين آخرين فقط بأسمائهم ..آمنوا باسرائيل وارتضوا الإهانة .
هذا جوهر الصراع ..ليس عربياً رومانياً..إنه صراع وطنٍ وقضية .
تتمة..
بعد أحداث 11 سبتمبر دخلنا عصراً جديد .. عصر الكاوبوي الفكري . كلمتان قالهما ,, البوشت ,, بوش ..,,إما معنا , أو ضدنا ,, كان المجاهدون العرب في أفغانستان والشيشان وفلسطين يتلقون التأيد الرسمي والجماهيري العربي ..لكن بوش حدد المكان , ووجه الضربة الأولى لأفغانستان .. وتتالت الحروب وسالت أنهار الدماء , لكن الحرب ليست فقط بندقية ومجنزرة .. بحثوا في كل مكان . كل اسم , كلمةٍ ,فعلٍ , فاعلٍ يدل ولو من بعيدٍ عن المقاومة … أخذوه الى غوانتانامو وذهب في خبر كان .
لكن للشعوب ذاكره , لن تمحيها الأمريكان ولا السلطان ..سطرتها حروف أبطال لبنان وتطوان ..وغزة الشجعان .
صباح الخير قاسيون
كلامك جميل !!!! من المسؤل او مستفيد من احداث 11 سبتنمر ؟؟؟ التي على اثر هذا تغيرت موازين العالم !!!!! لكن لو اساسا لم تحدث أحداث 11 سبتمبر ؟؟؟
مالذي اوصل العراق الى ما وصل اليه الان…من جعل فلسطين دولة محتلة لمدة 62 عاما…اليس الذين استعبدتهم امريكا واسرائيل في قلب مفاهيم الامة العربية هم من باعو هذه الدول باسم التحرر والديمقراطية من اجل تحقيق مبتغاهم…ولكن لن يبقى الحال كما هو لان نيتهم قد انكشفت وبات كل شيئ علني… وهناك الرجال الشرفاء الشجعان سيظهرون من جديد ويرجعوا مفاهيم الامة العربية الى ماكانت قبل سنين قليلة
شكرا الك يا حسن على موضعك القيم والشيق
و من يتهيّب صعود الجبال يعش أبد الدّهر بين الحفر
فوالله لن نصعد جبلا حتّى نضحّي بالنفس و النفيس…
أخي قاسيون، الموضوع للأمانة منقول وهذا مكتوب تحت النص، ولكني اتبنى كل ما قاله. كما قلت أخي المأساة كبيرة وكبيرة جداً. وأعيد ما قلت ” بحثوا في كل مكان . كل اسم , كلمةٍ ,فعلٍ , فاعلٍ يدل ولو من بعيدٍ عن المقاومة … أخذوه الى غوانتانامو وذهب في خبر كان .” ولولا الله بالدرجة الأولى وثبات المقاومة لكنا في خبر كان. يا أخي في حرب ٢٠٠٦ كانت القنابل تتساقط على روؤس الأطفال وتقول كوندليزا هذا مخاض شرق أوسط جديد، ودول الأعتدال تنهش بلحمنا كأننا نحن العدو، وتصور يقولون وبكل وقاحة من بدء الحرب فليتحمل المسؤلية. أنظر إلى الأنحدار في “الثوابت” الذي يحصل. من رمي اسرائيل في البحر و الاءات الثلاث إلى المقاومة هزلية وعبثية ومغامرة ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . المشكلة أن هذا الفكر بدء يتسرب إلى عقول البعض. في ناس أصبح لديها قناعة اننا غير قادرين على المواجهة، وأي تفكير حتى التفكير في المواجهة هو لعب أطفال وتهور.كما يحصل أبتذال مخيف لمفهوم الأمن القومي، وتحديد من العدو ومن الصديق.
شكراً على المرور أعزائي
يبدو انك جديد اخ حسن في الموقع على العموم يعطيك العافيه
بالتوفيق