يقوم إعلام النظام السوري، على شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام المحلية، في الآونة الأخيرة، بالعمل لتجنيد النساء وتطويعهن للخدمة في جيش النظام، بعد الخسائر التي مني بها في مختلف المحافظات، بإلقاء الضوء على شخصية تاريخية دمشقية، هي النهضوية والكاتبة والناشطة الاجتماعية نازك العابد 1959-1887، وعبر التركيز على وصفها بـ”أول ضابطة في الجيش السوري”.
ويأتي ذكر نازك العابد، في سياق المقارنة بين “داعشيات باب الحارة” بوصفهن “متخلفات”، كونهن لا يظهرن في المسلسل الشهير إلا “تابعات خانعات” لأزواجهن، أو يتعرضن للضرب، أو ما شابه من الصورة النمطية التي لا تزال لصيقة بكثير من الأعمال الدرامية التي تعكس مرحلة ما بين الحربين العالميتين، أو المرحلة التي سبقتهما بأكثر من عقد.
وتؤكد المراجع أن العابد كانت “ضابطة فخرية”، وليست ضابطة عاملة أو متدربة، ولم تتلق تعليما عسكريا، بل تم منحها درجة “الضابط الفخري” تكريما لها على نشاطها الأدبي والسياسي والميداني المقاوم للاستعمار، وقتذاك. حيث عملت على إنقاذ المصابين ومداواة الجرحى وتقديم مختلف أنواع العون لهم.
والعابد سليلة أسرة دمشقية عريقة، كاتبة ونهضوية وتتقن لغات عدة، ونشرت لها صحف مختلفة الكثير من المقالات. وأسست جمعيات متعددة ما بين سوريا ولبنان.
وتقارن سائل إعلام النظام بين نموذج نساء باب الحارة “المتخلف” ونموذج نازك العابد “المقاوم”، في هذه الفترة. بينما كان “باب الحارة” بالنسبة لإعلام النظام نفسه، نموذجاً “لنضال السوريين بوجه الاستعمار الفرنسي” في وقت سابق. ولهذا، يطلقون الآن على نساء باب الحارة لقب “داعشيات” فقط لأن نسوة باب الحارة كنموذج درامي، لا يخدمن الآن دعاية النظام لالتحاق النساء بالخدمة الإلزامية.
ويلاحظ أنه كلما قام إعلام النظام، بإيراد اسم النهضوية نازك العابد، يردفها بعبارات من مثل: “نساء سوريا الحقيقيات، لا نساء باب الحارة الداعشيات”، أو “يجب علينا نسف فكرة باب الحارة المتخلف”.
وكانت مصادر الإعلام الرسمي، تشير على الدوام، إلى أن الموروث الاجتماعي الذي ينقله باب الحارة، هو جزء من الهوية السورية الوطنية بصفته “موروثاً عميقاً يربط الأحفاد بالأجداد”.
إلا أن “نمط المرأة الشامية (المستكينة) في المسلسل” والتي كانت في وقت ما “مثلا للأنوثة الشرقية” درامياً، وكذلك تعبّر عن قوة العائلة التقليدية السورية ودور الأم المحوري فيها، لم تعد تخدم “سياسة رئيس النظام السوري الذي يريد امرأة دمشقية بين الحربين العالميتين تتقن القفز بالمظلات للقيام بإنزال جوي”!.
وتؤكد بعض الدراسات السياسية أن النموذج المستقر للعائلة، وتصديره عبر الدراما “كان ينفع النظام عندما كان ممسكاً بالبلد، فيكون نموذج استقرار العائلة نموذجا لاستقرار حكمه” أمّا عندما لم تعد لديه سلطة إلا على رقعة ضئيلة للغاية، وفقد أبسط مبررات وجوده، فإن “نماذج الاستقرار أصبحت ضد الدعاية التي يريدها فصلاً للفتاة عن بيتها للالتحاق بالجيش مثلا”.
وكان شهر رمضان الجاري، مناسبة استغلتها وسائل الإعلام التابعة للنظام أو التي تدور في فلكه، فأبرزت آراء بعض ضيوف البرامج التي تتساءل عن “حال المرأة في الدراما السورية وصورتها التي علقت في الأذهان بعد أعمال درامية على رأسها باب الحارة”، ليكون رد فعل بعض الضيوف “استنكارياً” على “هذه الحال” ليقول: “من هو المسؤول عن هذا الأمر؟”. ويأتي الجواب: المؤلف أولاً ثم المخرج ثانياً.
وترى مصادر عارفة بالشأن السوري، أن التحريض “على المرأة السورية” لا يختلف عن أي تحريض قام به إعلام الأسد. فالنظام “يريد العسكرة” وفي “أي اتجاه” وهو ينقصه الرجال بعد أن خسر الكثير. ولهذا تنشر وسائل إعلامه “صور المتطوعات الباسلات” اللواتي آثرن “الميدان على حضن الأم الدافئ”.
يُشار في هذا السياق، إلى أن النظام السوري أطلق منذ فترة، عبر الإعلام، دعوات لتطويع النساء في الحرب، وأشار في بياناته إلى “ضرورة أن تكون المرأة إلى جانب الرجل في كل المجالات”، لأن “الوطن بحاجة كل أبنائه”. وعلم أن الدعوة، تلك، لم تتم تلبيتها إلا على نطاق ضيّق للغاية (في بعض مناطق الساحل تحديدا وبعض قرى حمص)، وتم تأسيس كتائب نسائية مرتبطة حصريا بحزب البعث، لقاء مرتّب مالي شهري مدفوع ثمناً لانخراط أي امرأة في القتال إلى جانب قوات النظام.