أعاد انضمام ما يقارب 18 طبيبا من أصول سودانية برفقتهم ابنة المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، السفير علي الصادق مؤخراً لتنظيم “داعش”، إلى الواجهة من جديد منهجية الجماعات المتطرفة في تجنيد حَمَلة الشهادات العلمية، من تخصصات مختلفة، كانت الأبرز من بينها التخصصات الصحية، من أطباء وممرضين وفنيين.
استغلت الجماعات المتطرفة في مختلف مناسباتها ضحايا النزاعات المسلحة من أطفال ونساء لدفع عجلة دعايتها المنصبة على إغاثة المدنيين والتطوع بمخيمات وحملات الإغاثة الصحية التي سرعان ما تتحول إلى عملية تجنيد أطباء وكوادر صحية مقاتلة.
“أطباء المفخخات”
كانت أبرزها صورة الطبيب السعودي فيصل شامان العنزي، الذي ظهر في إحداها ملوحا بسكين “داعش”، في إشارة لتأييده لسلسلة عمليات ذبح من يصفهم التنظيم بـ”المرتدين”، وذلك قبل أن يفجر نفسه في 11 يوليو 2014 في عملية انتحارية في محافظة كركوك العراقية، أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصا.
قبل ذلك، كان إعلان مشاري عبدالله القماصي العنزي، الطبيب السعودي الأخصائي في الجراحة القلبية واسمه الحركي “أبو سماك الجزراوي”، قد قام بتنفيذ عملية انتحارية مستقلا سيارته المفخخة في “تل حاصل” في يوم عاشوراء من نوفمبر 2013. أما الطبيب السعودي محمد آل شريبة العسيري، الملقب بـ”أبي عمر الأزدي”، والذي تخصص في الولايات المتحدة بالأورام السرطانية، فشارك في معارك مطار “منغ” العسكري وسجن حلب المركزي بسوريا، وقُتل جراء قصف صاروخي في الغوطة بسوريا في نهاية أكتوبر 2013.
أما من بين الأطباء العرب فبرز الفلسطيني عثمان أبو القيعان، الذي درس الطب في الأردن وعمل طبيبا مقيما في أحد المستشفيات الإسرائيلية، قبل أن يُقتل خلال مشاركته في إحدى معارك “داعش” في سوريا بأغسطس 2014.
أما طبيب الأسنان “الانتحاري” وسام محمد العطل (37 سنة) ففجر نفسه بسيارة مفخخة أمام أحد الحواجز الأمنية في مخيم جباليا شمال غزة، بعد أن التحق بصفوف “داعش” وأشرف على الوحدات الطبية الميدانية التي تعالج أفراد الجماعات المسلحة في سوريا.
استبدال لباس الطب الأبيض إلى الأسود بات يشكل هاجسا أيضا لدى الحكومات الغربية بعد انضمام عشرات الأطباء الغربيين من أستراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة إلى “داعش”.
من بين هؤلاء، طبيب الأطفال الأسترالي طارق الكاملة (29عاما) الذي ظهر في أحد تسجيلات “داعش” للحض على نفير الأطباء بعد أن غادر إلى سوريا في مارس 2015. وبرز أيضاً البريطاني تامر أحمد أبو صباح، وهو أحد طلاب الطب البريطانيين التسعة الذين التحقوا بتنظيم “داعش” في 2015.
تأسيس كلية “داعش” الطبية
كلية طب بفكرة “داعشية” مستحدثة، كما وصِفت على لسان أحد منسوبي “ديوان الصحة”، وهو الجهة المعنية بمتابعة كل ما يتعلق بإدارة الشؤون الصحية لدى تنظيم “داعش”، كانت إحدى وسائل المتطرفين لاستدراج الطلاب العرب والأجانب.
“كلية طب “داعش”، التي استحوذت على إعجاب من نفروا إليها، اختصرت دراسة “الطب” في 3 سنوات فقط عوضا عن 6 أعوام، كما تم إلغاء 26 منهجا دراسيا وجد فيها التنظيم مضيعة لوقت طلبة “داعش”، من بينها الرياضيات والإحصاء والفيزياء والأحياء والنبات وكذلك اللغة الإنجليزية.
وبحسب تسجيل بثه “داعش” بغرض الترويج لكليته الطبية، قال أحد أطبائه: “درست الطب في 6 سنوات، وقرأت 26 مادة لا علاقة لها بالطب.. حتى ما دُرس كان حشوا وأمورا دقيقة يعجز عنها حتى الأخصائي”.
وفسر المتحدث أكثر دراسة “الطب” لدى “داعش”، قائلا إن “الفكرة لدينا مختلفة، نعطي الطبيب معلومات بشكل عام غير مفصلة بالتشريح وعلم الأمراض المعدية، ثم نهيئه للطب السريري فتصبح عنده أرضية تشريحية وعلمية وسريرية بحيث يتابع العمليات الجراحية والطوارئ بشكل جيد، ثم يكمل مع مركز التخصصات الطبية لاختيار تخصصه لاحقا”.
ولم يستغرب المتخصصون خطة “كلية داعش الطبية” التي انبثقت عن عناصر التنظيم في “ديوان الصحة”، باعتبار أن الهدف من ورائها إسعاف مقاتليه من الإصابات الحربية التي ترتكز على معالجة الحروق ونقل الدم وزراعة الأعضاء وغيرها من إصابات ميادين القتال.
بالمقابل، أعلنت مجلة “دابق” التابعة لتنظيم “داعش” والصادرة باللغة الإنجليزية منح التنظيم برنامجه الدراسي هذا للطلاب الراغبين مجانا دون أية رسوم دراسية طوال 3 سنوات، إلى جانب توفير كافة احتياجات الطلاب الدراسية من “كتب وطعام وملابس، كذلك السكن والمواصلات ومنح المتفوقين منهم مكافآت مالية”.
وبحسب “دابق”، فقد استقبلت كلية الطب بـ”الرقة” والتابعة لـ”ديوان الصحة” 300 متقدم، تم قبول 100 منهم، نصفهم من المهاجرين، مشددة على حاجتها لمهاجرين ذوي خبرة في ممارسة الطب، حيث قالت: “هذه الهجرة واجبة ولاتزال حتى اليوم سهلة”.
واختتمت “دابق” رسالتها: “نقدم لك كل ما تحتاجه حتى تعيش وتعمل هنا إذن ماذا تنتظر؟”.
“داعش” يعدم أطباءه
حكاية “داعش” مع الأطباء ما بين “وصل وفراق”، فرغم حاجتها للكوادر الطبية من معلمين ومجندين في كليتي “الرقة” و”الموصل” الطبيتين، وبذله الكثير في سبيل استقدامهم، إلا أن ذلك لم يمنع “داعش” من ملاحقة أطبائه وإعدامهم ووضع أسمائهم في قوائم العمليات الانتحارية.
وهنا يبرز نموذج بلال الحمصي، الذي تكفل “داعش” بكافة نفقات زواجه من طبيبة تونسية (تبلغ من العمر 24 عاما وتتقن 4 لغات) بعد ترتيب تعارفهما على الإنترنت تمهيدا لالتحاقها بزوجها بعد فترة وجيزة إلى الرقة السورية.
لكن من الجانب الآخر، بث “داعش” نبأ تنفيذ حكم الإعدام بحق طبيب أمراض النساء عبدالله الشلاش (المتزوج والذي لديه 3 أطفال)، وذلك بعد إدانته بـ”الزنا” في مدينة الرقة السورية. وكان “الشلاش” يعمل كطبيب أمراض نسائية في عيادته بينما أصدر التنظيم قرارا بمنع الأطباء من مزاولة المهنة بحجة “الكشف على عورات النساء”.
وقد سبق للتنظيم أن قام بإعدام طبيبة الأسنان رؤى دياب الشنتوري (27 عاما) في 2014 والتي اختفت بعد خروجها من عيادتها برفقة أربع من زميلاتها في مدينة الميادين، وتم إعدامها بتهمة “تأليف خلية تجسس لصالح النظام النصيري”، بينما لايزال مصير زميلاتها مجهولا إلى الآن.
وفي ليبيا عام 2015، عمد تنظيم “داعش” إلى خطف طبيب من كوريا الشمالية، يبلغ من العمر 60 عاما، وزوجته، وذلك من أحد مستشفيات طرابلس بعد إنهاء دوامهما. ومازال مصيرهما مجهولا حتى اليوم.