يسمونه homem buraco في بلدة “نوفا روما” البعيدة بمتاهات ولاية “غوياس” في غرب الوسط البرازيلي أكثر من 580 كيلومتراً عن عاصمتها “غويانيا” وكبرى مدنها، لأن “رجل الحفرة” الشبيه إلى حد ما بالرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، يعيش فيها منذ 25 سنة، بعيداً كإنسان العصر الحجري عن كل المستجدات وكل الكائنات، سوى كلب اسمه “بارون” يرافق دورة حياته اليومية، وثعلب صغير وجده في البرية فاصطحبه ليربيه، والباقي لأنطونيو فرانسيسكو كالادو، هو كما لطرزان الغابات في الأفلام، ولكن من دون “جين” الأنثى تواسيه، ولا “شيتا” القردة تسليه.

مع كل هذا الطبق المعلوماتي الشهي والمثير لفضول الإعلام عن رجل عمره 57 سنة، ولم يستحم منذ ربع قرن، إلا أن صحف البرازيل لم تتنبه لقصته إلا الثلاثاء الماضي فقط، والسبب أن قاضياً زاره برفقة محامين وصحافيين واثنين من الأطباء، أحدهما نفساني، ليتأكد من صحة ما وصل صداه إليه من شقيقة “رجل الحفرة” التي لجأت إلى القضاء بعد وفاة والدها، ليفصل في إرث تركه لها ولشقيقتها ولأخيها الذي حفر “بيته” بنفسه ليعيش فيه، رافضاً كل مغريات القرن الواحد والعشرين.

وأمضى القاضي نصف يوم تقريباً يدرس مع الطبيبين حالة أنطونيو كالادو الصحية، عضوياً ونفسانياً، حتى يتخذ بشأن حصته من الميراث حكماً قانونياً، لم يكن صعباً عليه كما يبدو، لأن ما سمعه منه شخصياً، ونقلت بعضه صحيفة O Globo في موقعها تفاصيل الحياة اليومية لرجل بالكاد يرى شخصاً أو أكثر يمر كل عام بالمكان الذي يعيش فيه، يكفي لأن يحرمه من حصته على قلتها، مع أنه اعترف بأنه يتمتع بذكاء طبيعي، مكنه من العيش وحيداً طوال هذه المدة “إلا أن هناك إشكالات نفسانية” كما قال.
ولم يغسل القدر الذي يطبخ فيه منذ 10 سنوات

من الإشكالات أن “رجل الحفرة” الذي أخبر القاضي بأنه “يتحدث أحياناً إلى البرق والرعد” مصاب بنوع من “الشيزوفرانيا” المحتدمة عليه من قلة وعيه للواقع الذي يعيشه. كما وقلة تواصله مع الآخرين وشدة عزلته التي جعلته “يشعر بهلوسات وإيمان مزيف” وحيداً في منطقة معزولة وشائكة، إلى درجة أن سائق السيارة التي نقلت القاضي قادها أكثر من ساعة ليصل إليها، وفوقها اضطر القاضي للمشي صعوداً مسافة 1000 متر تقريباً ليصل إلى حيث يقيم “رجل الحفرة” مع ثعلبه وكلبه، فاكتشف بعد الحوار معه أن “حديثه مشتت، يتحدث قليلاً عن كل شيء، وغير موزون. مع ذلك فهو ذكي” وفق تعبيره.

وروى القاضي فيما نقلته عنه الصحيفة أن الرجل اخترع طريقة منع بها مياه الأمطار من التسرب إلى الحفرة الضيقة، مع أن مدخلها بحسب الصورة انحداري، وفي الوقت نفسه تمكن من “اختراع” طريقة أخرى للاحتفاظ بماء المطر للشرب، ولغسل أدوات مطبخية يستخدمها “مع أنه لم يغسل القدر الذي يطبخ فيه منذ 10 سنوات تقريباً (..) ولا بد أن أحدهم ساعده ببناء الحفرة من الداخل أيضاً” على حد ما ذكر القاضي الذي دخلها وحده ورآها بيضاوية الشكل مساحتها 8 أمتار مربعة.

وصفها بقوله إن “صالة” للجلوس توجد إلى يمينها، مع “ركن للصلاة” جعله تجويفاً في الجدار، وفيه تمثالان لاثنين من القديسين، تقابله زاوية ينام فيها أنطونيو كالادو على لوح خشبي مغطى بلحاف رث قديم، وعندما يجوع “رجل الحفرة” الذي لا يأكل اللحوم، يتناول ما يجده نيئا من خضار وفاكهة في الجوار، أو يطبخ في القدر على النار “وهذه حياة صعبة عليه، وجربنا مراراً أن نبعده عنها ليعيش معنا، لكننا لم نتمكن، فهو يعاند ويرفض هذه الفكرة كلياً” على حد ما تقول شقيقته، الوارثة معه ومع أختها ما قيمته 70 ألف ريال برازيلي، أي تقريباً 20 ألف دولار.
“الحيوانات لا تقلم أظافرها ولا تحلق وبرها ولا تستحم”

ذكرت الأخت أيضاً، واسمها ريموندا، أن بالإمكان التعايش معه “لكنه يرفض 3 أمور يعتبرها مقدسة بالنسبة إليه: أن يستحم أو يغسل ملابسه أو يغادر الحفرة للعيش في مكان آخر.. لقد سيطرت عليه بالكامل”، طبقاً لصحافي اسمه دينومار ميرندا، ونشره بمدونته أمس الخميس بعد أن رافق القاضي بالزيارة، ناقلاً عنها أنه يخرج منها باكراً كل يوم، ولا يعود إلا ساعة الغروب، بعد أن يمضي وقته في البرية، عاري الصدر وفي خصره خنجر، كما طرزان، وبجعبته ولاعة نار وسكين كبيرة.

وأثناء حديثه مع القاضي، سأله عن والدته التي توفيت قبل 3 سنوات، فأجابه: “لم ترحل، وأتحدث إليها كل يوم. البرق والرعد يعلماني بما يجب أن أقول”. وسأله عن تمثالي القديسين بركن الصلاة، فأجابه: “هما شقيقان لي”. ثم مضت ساعات لم يتمكن فيها من أن يعي سبب قيام القاضي بزيارته، وأجاب حين سأله عما إذا كان يحتاج شيئاً: “لا، أنا سعيد في هذا المكان. سعيد مع الحيوانات وأنام معها، وتبلغني بما يجب علي أن أفعله” كما قال.

أما سكان بلدة “نوفا روما” البعيدة 60 كيلومتراً من حيث يقيم، فلا يعلمون سبب إقامته في الحفرة، كشقيقته التي قالت إن حلمها أن تراه “وقد قلم أظافره على الأقل، أو حلق لحيته واستحم ولو مرة”. لكنه يجيب بأن الحيوانات “لا تقلم أظافرها ولا تحلق وبرها ولا تستحم”. كما أن أنطونيو، الشبيه بصدام حسين أيضاً، لا يعلم سبب اختياره العيش في حفرة، ويظل صامتاً حين يسألوه، والغريب أن اسم عائلته Calado ببرتغالية البرازيل، ومعناها الصامت.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫3 تعليقات

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *