العوز الشديد والبطالة والظروف الأسرية ومخلفات الحرب أسباب جعلت الكثير من الأشخاص في ليبيا يلجؤون إلى التسول كطريقة لتغطية احتياجاتهم ومصاريف أسرهم، مشكلة اجتماعية حديثة في البلد مازالت تبحث عن حلول جذرية وحاسمة.
لا تكاد الشوارع الليبية تخلو من المتسولين يستجدون الناس ويستعطفونهم من أجل الحصول على بعض الأموال.
عبد الرؤوف القايدي مواطن ليبي من طرابلس وصف الظاهرة، قائلا إنها حديثة العهد في بلاده ودخيلة برزت بعد الثورة وامتهنها الأجانب سواء المقيمين أو النازحين، تتكرّر رؤيته لهم في الشوارع والأماكن العامة من مختلف الفئات يطلبون العون من المارة.
وأشار إلى أنه بعد التحدث معهم، تبين أن الظروف المادية القاسية التي يعانونها ومحدودية الدخل وغلاء المعيشة هي التي دفعتهم إلى الخروج للشارع وامتهان التسول.
وبدوره قال صديقه أحمد المنصوري، إن وجود المتسوّلين صار ملفتا للانتباه في كل المدن الليبية، حيث أصبحوا يتنقلون داخل المقاهي من حريف إلى آخر أو ينتظرون في مواقف السيارات ويجلسون أمام المساجد أو المصارف.
وأوضح أنهم يعتمدون على وسائل كثيرة ومبتكرة عند التسول من أجل إيهام الناس وإثارة شفقتهم، من ذلك تجد النساء رفقة أطفالهم الرضع أو أطفال صغارا لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة وآخرون يتظاهرون بأنهم يعانون من عاهة جسدية، فإما تجدهم جالسين على كرسيّ متحّرك أو يدّعون عدم القدرة على تحريك أحد الأعضاء.
وأضاف أنهم تعودوا بالكسب السهل والمريح والربح الوافر، مشيرا في هذا السياق إلى أنه عرض خلال الشهر الماضي على أحد المتسولين عملا مقابل مرتب مالي إلا أنه رفض مفضلا التسول على ذلك.
هذه المشكلة باتت تشكل قلقا لدى الليبيين الذين يطالبون بمعالجتها لما لها من آثار سلبية على الأمن والنسيج الاجتماعي وتضر سلبا بصورة البلاد.
في هذا الجانب دعت عائشة المقرحي مواطنة من غدامس، السلطات بضرورة التدخل لإيقاف المتسولين خاصة أن بعضهم يعتبر عملية التسول تجارة رابحة خاصة خلال شهر رمضان مستغلا الجانب الديني والإنساني وطيبة وكرامة الليبيين.
وتحاول الجهات الأمنية في ليبيا بذل جهودات كبيرة للحد من هذه الظاهرة ومحاربتها.
طارق الخراز الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الليبية، أكد أن الأشخاص الذين يمارسون التسول في الشوارع والمرافق العامة يتم التعامل معهم عن طريق جهات أمنية وبالتحديد من الإدارة العامة للجوازات وجهاز مكافحة الظواهر السلبية.
وفي هذا السياق أقرّ رئيس وحدة مكافحة الظواهر السلبية بقسم البحث الجنائي بنغازي الرائد عبد المنعم المهشهش، في تصريحات صحفية نهاية الشهر الماضي، وجود حملات تم خلالها القبض على شبكة من المتسولين، مشيرا إلى أنها ستستمر حتى القضاء على كل الظواهر السلبية التي تشوه المدينة.
وبخصوص أعداد المتسولين، كشف الخراز أن 99 بالمائة من المتسولين أجانب ينتمون إلى الجنسية المصرية والسورية، في المقابل لا يتجاوز عدد الليبيين 1 بالمائة.
وأضاف أن النساء يمثلون أكثر نسبة خاصة اللاتي يحملن الجنسية السورية وأغلبهن من الأرياف السورية، مشيرا إلى أن النساء حديثي الولادة وكذلك الأطفال من سن 7 إلى 12 سنة هم أكثر فئة تتسول.
وأرجع الخراز تفشي هذه الظاهرة إلى تنامي الهجرة غير الشرعية وحاجة الأسر النازحة للمال من أجل تغطية نفقاتها، موضحا أنها تقلصت في هذه الفترة نتيجة الملاحقات الأمنية.
وخلّص أن من يتم ضبطه ممارساً للتسول من الأجانب يتم ترحيله إلى بلده باستثناء السوريين الذين يقدمون تعهدات بالتوقف عن ذلك.
لكن الناشط الحقوقي أصيل العلي يعتبر أن الحل الأمني غير كفيل بإزاحة ظاهرة التسول، مشيرا إلى أن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية قادرة على الحد منها من خلال تقديم الإعانات والدعم سواء للمحتاجين أو النازحين الموجودين في المدينة وتأمين حياة كريمة لهم.
وأضاف أنه لا يلقي باللوم على المتسولين لأن أغلبهم محتاج بقدر ما يحمل السلطات المسؤولية في عدم التكفل بهم.
وفي هذا السياق، مفيدة الترهوني مستشارة في الشؤون الاجتماعية أكدت إن وزارة الشؤون الاجتماعية تحاول أن تضع حدا لهذه الظاهرة وفقا لإمكانياتها عن طريق مساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة بصرف إعانة مالية تعينهم على قضاء احتياجاتهم وكذلك اعانات منزلية.
وأوضحتأن الشؤون الاجتماعية تهتم بملف النازحين وتصرف لمن يستحق منهم مساعدات مادية سواء من طرف الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني أو من طرف المواطنين الليبيين.