ليس غريبا على هذا اليوم الذّي يطل نهاره في لبنان بمشهد الكآبة نفسها مع سائر أيام الزمن الماضي والحاضر، فالحياة التي تسير ببطء كئيب تحاول أن تستفيق منها النساء المكلومات عسى أن يرجع إليهن أحبابهن المفقودون في المستقبل القريب في فيلم “وينن”(أين هم) فيمسحن عنهن هذا العبء المثقل بالجراح.

يجتمع سبعة مخرجون شباب من جامعة السيدة لويزة، في هذا العمل الذي يرصد قصص يوميات 6 نساء ينتظرن من فقدوا، وتنتج الفيلم مؤسسة أميل شاهين وسام لحود ونيكولا خباز سيناريو جورج خبّاز وينافس على جائزة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي.

ويحاول الفيلم أن يكون متماسكا إلى حد بعيد فقد أُعدت خطة إخراجه من قبل فريق العمل بتقسيم كل حياة على حدة لتلتقي في الأخير في القصة السابعة، ويسير السيناريو من حيز مكاني لآخر ترافقه موسيقى محتشمة تضفي حقيقة ما يجري، وكانت البداية مع الممثلة كارول عبود التي تُجسّد دور رئيسة جمعية تهتم بشؤون المفقودين وهي تستعد لتنظيم اعتصام نسائي تشارك فيه من فقدن أحبابهن وسط المدينة في ساحة التحدي.
الممثلون بنفس الأسماء

وتنتقل الأحداث إلى بيت الفنانة لطيفة ملتقى، الأم التي تنتظر عودة إبنها الذي فقد أو اختطف قبل عشرين سنة، وتحافظ لطيفة وكل الممثلات في هذا العمل على نفس أسمائهن الحقيقية وهي دلالة من الفريق على أن القضية جزء حقيقي ومعاش ويمكن له أن يحدث لأي كان “إلا لمن كانوا السبب في حدوثه”.

وترسل لطيفة عيناها المتعبتان عبر شباك نافذة البيت الموحش وتصحبهما في ذلك، كلمات موجهة إلى كرسي فارغ تخاطبه كما لو أن إبنها المفقود جالس عليه، ويستمر الكلام معه أثناء تحضير وجبة الغذاء لكن الصمت يبسط جناحيه على البيت الذي يشاركه فيها زوجها أنطوان، ثلاث وجبات لثلاثة أشخاص أحدهم مختطف، هكذا تعودت الأم الصامدة التي تخور قواها وتنفجر عاطفتها وتمزق كل الآمال المرجوة.

أداء صادق بحق للفنانة لطيفة التي يعود إليها الأمل مرة حين يغلق أنطوان الباب بشدة فتخرج مسرعة لعلّ الداخل إلى البيت هو إبنها المفقود، لكنها تعود خاسرة.

ونفس الأوجاع تتكرر في كل حياة، ونفس الاغتراب يتجسد أحيانا كثيرة بحثا عن الحب الممنوع، مثلما تفعلها كارمن لبس، التي لم تفجر شرارة لوعتها وبدت تائهة في المشهد الذي جسّدته على سرير زوجها المفقود، وهي تخونه مع الميكانيكي الموشّم.
17 ألف مختطف يقلبون أوجاع ذويهم

وترفع ديامان بو عبود سقف الأداء عاليا، فتنغمس في شخصية الفتاة غير السوية التي تعرف مصلحتها جيدا فتبحث في كل مرة عن صدر حنون يُعوّض فراق والدها المختطف فتفسخ خطوبة هذا وترجع إلى ذلك الذي تركته، وفي مشهد أوبيرالي حزين تتراقص أوجاع ديامان على موسيقى “التكيلا”، لكن الفتاة التي تتجبر على خطيبها الذي تركته تفقد كبرياءها وتنكسر مجددا على أحضان من يعرف وجعها.

ولا يشتت الألم الذي يعتصر قلب تقيلا شمعون الغارقة في بكائيات فراق الشقيق، إلا كوميديا صديقتها في المدرسة.

وتنتهي القصص المكررة في ساحة الاعتصام، فيه تلتقي النساء ككل مرة ويبرع المخرج سليم الهبر حين يمزج بين مشاهد توثيقية حقيقية عن المعتصمات خلال تسع ساعات من التصوير في يوم واحد تبقى فيه الإجابة عن “وينن؟” لدى من قاموا بذلك.

ويسير الفيلم بريتم بطيء وكئيب ويكرر نفس القصص التي لو بترت واحدة منها ما انتبه المشاهد لذلك، ويقارب العمل أحيانا إلى الملل لربما تعمده كاتب السيناريو جورج خباز، ليوضح رتابة عيش النسوة المفجوعات، لكن السقطة الكبرى التي وقع فيها “وينن”، برأي بعض النقاد، تلك المسحة المسيحية الطاغية على نساء المختطفين في واقع لم يكن فيه المفقودون من المسيحيين، فحسب بل من كل الطوائف.
سار لحود يعترف بشأن ترشيحات الأوسكار

هذا العمل الذي تم ترشيحه من قبل وزارة ريمون عريجي لتمثيل لبنان في حفل جوائز الأوسكار العالميّة الـ88، عن فئة أفضل فيلم أجنبي، يرى في ذلك سار لحود في حديثه للعربية نت، أنه “لا يستحق الترشيح بالمقارنة مع فيلم الوادي لغسان سلهب”، لكن سار لحود يعتبر أن الفيلم الذي يُجسّد حقيقة مؤلمة في لبنان لقضية 17 ألف مفقود تستحق أن يسمعها العالم بعد أن صُمّت أذان المسؤولين في لبنان عن السماع”، حسبه.

ويرى المخرج الشاب سليم الهبر في حديثه للعربية نت، أن “مشاركة سبعة شباب في إخراج هذا العمل يعتبر تحديا بحد ذاته”، على أمل أن يشق كل واحد من هؤلاء طريقه إلى عالم السينما مرتكزين على قاعدة قوية بفيلم “وينن”.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *