محمد عبد السيد
ادبيات معاملة النساء
عندما لا تتوفر متطلبات النساء العاطفية

لا تقل أهمية العناء ، و التعب من أجل الوفاء باحتياجات الشريك ، و رغباته داخل المنزل ، عن أهمية العمل و الكد و التعب خارجه من أجل توفير ما يلزم للوفاء بالإحتياجات المادية ، كعوامل أساسية من عوامل إثراء العلاقة ، و نجاح الحياة عموماً.
و يعتبر معدل إدرك المرأة أعلى من معدل إدراك الرجل بتلك الحقيقة الهامة ، حيث يعتقد جل الرجال_ بالخطأ_ أنه لا يتعين العمل ، و لا الكد ، و لا التعب إلا أن يكون في نطاق العمل خارج المنزل فحسب ، أما المنزل فيعتبره الرجل المكان الحقيق بالراحة ، و الإستجمام ، و الإسترخاء بعد ما قد عاناه خارجه من كد و تعب ، و لا يدرك الرجل أن عليه واجبات أسمى و أهم حقيقة باهتمامه داخل المنزل تحتاج إلى عمل شاق و اهتمام بالغ من أجل الوفاء بهاهذا ، و تخطىء المرأة أيضاً ، إذ تنعطف دائماً نحو تلقي التصـرفات المماثلة من جانب الرجل على محمل الشخصية ، و تعتقد أن الرجل غير مبال بها ، و لا بالعلاقة معها.
في الحقيقة ، ينبغي على الرجل استيعاب أن المرأة في عصرنا هذا تختلف تمام الإختلاف عن المرأة في سابق العصور ، ففي سابق الأزمان كان الرجل مسؤولاً عن إعالة أسرته ماديا بشكل كامل ، و كان يعتقد أن قمة الحب آنذاك ، هو فقط أن يبذل قصارى جهده في السعي بكل ما يملك من قوة و عزيمة ، من أجل أن يتمكن من الحصول على أقصى ما يمكنه الحصول عليه ، ليعود في النهاية إلى البيت ، و يقدم إلى المرأة كل ما سعى ، و كد من أجل نيله.
أما في العصر الحالي ، فقد أمست المرأة لا تجد أدنى عائق دون الحصول على ما يشبع احتياجاتها المادية بالعمل أيضاً ، تماماً كإياه ، ذلك لأن ميدان العمل الآن لم يعد مفتوحاً للرجال من دون النساء كسابق الأزمان. و بالتالي فقد تطورت مع ذلك احتياجات المرأة تطوراً كاملاً ، حيث لم تعد المرأة في حاجة إلى الإعالة المادية فحسب من جانب الرجل و إن كان ذلك من أساس أساسيات حقوقها.
و إنما باتت المرأة في أمس الحاجة إلى إعالة الرجل إياها عاطفياً ، و معنوياً ، و تلك هي أكثر الزوايا التي تحتاج المرأة من الرجل الإهتمام بها من خلالها ، لذلك بات يتعين على الرجل أن يتعلم كيف يكون محباً و عاشقاً و حنوناً و عائلاً في نفس الآن.
هذا ، و لابد أن يعتقد أن التعبير عن الحب هو فن أرقى من فن تكوين الحب ذاته ، و أشد صعوبة ، كما ينبغى أن يتخذ خطوات إيجابية نحو تعلم ، و إتقان أصول الوصال و فنونه . الأمر الذي يحتاج جهداً أضعاف ما يحتاجه ما سبق من فنون.
ثم أن الرجل و المرأة على حد سواء ، لابد و أن يدركا أن المشكلات المادية على الرغم من أهميتها ، و لكنها ليست بأهمية مشكلات التدني في إدراك أصول الوصال السليم و فنونه ، فقد أصبحت العلاقة الناجحة فى العصر الراهن مرتبطة باهتمام كل من الرجل و المرأة بإشباع الإحتياجات العاطفية و السيكولوجية للآخر في المقام الأول.
يعد الخلل الإدراكي من قبل الرجل و المرأة بطبيعة مفهوم الحب لدى الآخر سبباً رئيسياً في خلق مشكلات لا حصر لها و لا عدد.
فالمرأة لا تدرك أن الرجل ينتظر أن يتلقى منها مثلما يعطيها ، وهو “الحب الحقيقي” ، و الحب الحقيقي من وجة نظر الرجل ، و التي لا تدركها جل النساء ، هو ان يتقبلها كما هي دون محاولة تغييرها.
فقد يقابل الرجل خلال حياته الآلاف من النساء ، و يتعامل مع مئات النساء ، و لكنه لا يترك لقلبه العنان ليحب كما يشاء إلا إذا وجد المرأة المناسبة ، فيحبها كما هي دون محاولة التغيير ، و هذا استيعاب خاطئ لمفهوم الحب.
كذلك يتعين على الرجل أيضاً أن يدرك أن المرأة تختار من بين الرجال من تراه حقيق بأن ينال حبها ، و من هو جدير بأن يحظى باهتمامها و رعايتها ، ذلك الرجل الذي يشعرها بمكانتها و روعتها و جمالها ، و يشعر بها أيضاً ، و تعتقد المرأة ما هو على عكس غرار اعتقاد الرجل ، أن الحب جدير بأن يغير كل شيء ، و هو خليق أن ينجز المستحيل ، فهي تكتفي بأن تعطيه الحب ليتغير إلى حيث ينبغي أن يكون .
و المرأة في الواقع تستطيع أن تبهر المجتمع بإثراء العلاقة بهذا الإتجاه ، فقط إذا أدرك الرجل هذه الحقيقة ، و أبدى إستعداداً حقيقياً لتقبل ذلك ، و خصوصاً أنه لا مجال البتة ، و لا أمل قط في تغيير هذا الإتجاه من قبل المرأة.
قد وددت من خلال كتابي هذا ، أن أبذل أقصـى ما أستطيع من جهد في التحدث بأسلوب إيجابي عن هذا الإتجاه ، لإيمانى بأن الرثاثة الهدامة للعلاقات لابد و أن تتلاشى ، إذا ما تعلم الرجل أن يحترم حجم التفاوت بينه و بين المرأة ، و إذا ما تعلمت المرأة أن تحترم التباين الكبير بينها و بين الرجل ، و أن يدرك كلاهما أصول العلاقة ، و أن يتقن الجميع فنون الوصال بين النساء و الرجال
تحاول المرأة أن تتأقلم مع المعضلات إذا اندحرت تحت وطأة الضغط عن طريق تغيير نفسها إلى صورة أفضل مما هي عليها على أقل تقدير من خلال التعبير عما بداخل أعماقها من أفكار و شكاوى و أمنيات و خواطر دون أي انقياد ، و بالقطع لا يتم ذلك إلا من خلال عثورها على من يستمع إليها و يستوعب ما يجول بأعماقها بكل احترام و تقدير ، فذلك حقيق بإمدادها و لو بالقليل من المشاعر الإيجابية.
هذا و إن لم تجد من ينصت إليها باحترام و تفهم و تقدير ، فإن السبيل الوحيد التي لا تجد مسلكاً سواه هو الكبت .. و الكبت .. و الكبت ، و إذا تراكم ذلك الكبت قادها مباشرة إلى الإبتعاد عن نفسها و تلاشي علاقتها بذاتها.
و حينئذ قد تبدو على المرأة علامات المحبة و العطاء و التفاني ، في حين احتواء أعماقها على مخزون هائل من مشاعر الضيق الإمتعاض و الإستياء و غياب الرضا و انعدام الثقة و الإحساس بالظلم ، و تلك كارثة عظمى لو أدرك حقيقتها الرجل.
غالباً ما تفقد المرأة توازنها الداخلي ، كما يزداد إحساسها بالقهر و الظلم في ظل غياب قدرتها على تحديد الخط الفاصل بين احتياجاتها و احتياجات الرجل تحت وطأة الضغوط إلا داخل أعماقها فحسب ، فتحت تأثير الضغط يتزايد إحساسها بالمسؤولية بشكل كامل عن الوفاء باحتياجات الرجل و مشاعره دون المقدرة على تحديد خط واضح بينها و بين رغباتها و احتياجاتها .
و لكن حقيقة الأمر أن المرأة مهما تغاضت _ظاهرياً_ عن احتياجاتها و رغباتها في سبيل الوفاء باحتياجات الرجل ، فهي لاتتنازل أبداً عن إيمانها بأن رغباتها و احتياجاتها _و لاسيما العاطفية منها_تستحق الإشباع ، و أنها جديرة بأن تتلقى مثيلاً لما تعطيه أو ما يتناسب مع ما تقدمه على أدنى تقدير.
لا تنحصر إهانة الرجل لمشاعر المرأة أو العكس بين الإهانة الفعلية و اللفظية فحسب ، بل قد تتعدى ذلك إلى أن تتجسد إهانة المشاعر فيما يكمن في أعماق الطرف الآخر من مشاعر استياء و ازدراء و ما إلى ذلك ، و لو لم يصدر عنه أي تصرف ملموس أو مرئي أو مسموع.
و ذلك النوع من الإهانه لا يقل خطورة عن الإهانه عن طريق إصدار التصرف الفعلى أو اللفظي المهين ، كما أنه حقيق بخلق المشكلات الأكثر خطورة من المشكلات الناتجه عن سوء التصرفات الفعلية و اللفظية.
و يرجع مكمن خطورة ذلك النوع من الإهانة إلى أن ملابساته تكون أكثر غموضاً من الإهانة الفعلية و اللفظية ، لذلك ينبغي على الرجل و المرأة أن يعيا جيداً أن تحمل المسؤولية فيما تخلفه الإهانات من عثرات تعرقل مسيرة العلاقة لا يقتصر وجوبة على التصرفات الظاهرة فقط ، بل يتعدى ذلك ليشمل الأحاسيس و الأفكار و ما تكنه النفوس .
و تكمن صعوبة التوصل لنتائج إيجابية فيما يتعلق بهذا الصدد في أن بعض الناس لا يمكنهم الإقتناع بأن مجرد المشاعر الداخليه المكبوتة في الأعماق و التى لم يتم التعبير عنها لا بالقول و لا بالفعل يمكنها أن تؤثر على الطرف الآخر أو على العلاقة ككل بالسلب إلا إذا أتقن حقيقة و حجم التفاوتات الجوهرية و الغير جوهرية بين الرجال و النساء و بين بنى البشر عموماً و اعترف بها و احترمها بشكل كامل و لا سيما الإختلافات السيكولوجية ، فإن المرء عند ظن رفيق روحه به مؤقتاً إلى حين زوال هذا الظن من اعتقاد الطرف الآخَر .

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *