حاول ثاني لبناني الأصل أن يصبح رئيس دولة، بعد ميشال تامر الأسبوع الماضي في البرازيل، فحطمته صباح اليوم أولى نتائج انتخابات جرت أمس الأحد، وجاءت رياحها على غير ما تشتهي سفينته، وكانت هزيمة كبرى ومفاجئة، لأنه ثاني أقوى 8 مرشحين تنافسوا على منصب الرئيس بدولة قريبة من كوبا في جزر الأنتيل ببحر الكاريبي، وسكانها أكثر بمرتين من سكان لبنان، العاجز عن انتخاب رئيس منذ عامين، ومساحتها 4 مرات أكبر، وإنتاجها المحلي المتوقع 150 مليارا هذا العام، ضعف البالغ في لبنان 81 مليار دولار.
إنها “جمهورية الدومينيكان” المتقاسمة جزيرة Española مع هايتي الواقعة على ثلثها فقط، والتي جرت فيها انتخابات لاختيار رئيس جديد و190 نائبا للبرلمان و32 لمجلس الشيوخ، فاحتدم التنافس بين مرشحين من 26 حزبا على أصوات 6 ملايين و700 ألف ناخب، خصوصا منصب الرئاسة، وعليه كان أقوى المتنافسين الثمانية 2 فقط.
الأول هو الرئيس الحالي الساعي لولاية ثانية من 4 سنواتDanilo Medina البالغ 65 سنة، والثاني يصغره بأكثر من 17 عاما، وهو الاقتصادي ورجل الأعمال اللبناني الأصل لويس أبي نادر، الذي رفض حزبه النتائج الأولية، وفق متابعة “العربية.نت” لبث مباشر من موقع Dominicano Digital وشمل تغطية كاملة لمراحل الاقتراع وفرز الأصوات، ولتصريحات بثها لمعلقين على النتائج، وبما أن الهزيمة تمت، لذلك تخصص “العربية.نت” هذا التقرير عن أبي نادر والانتخابات واللبنانيين في المهجر الدومينيكي، من باب التوثيق ولإعطاء فكرة فقط.
قالتojalá ojalá أي إن شاء الله
وكان أبي نادر يأمل بالحصول، هو وخصمه الانتخابي اللدود، على نسبة تقل عن 50 %من الأصوات لكل منهما، فينتقلان وحدهما إلى مرحلة انتخابية ثانية ونهائية، موعودة الشهر المقبل، لأن الفوز بالأولى هو لمن يحصل على أكثر من 50% ولو بصوت واحد، إلا أن الرئيس الدومينيكي خطف ما يزيد عن 60% من الأصوات للآن، وقد تزيد أو تنقص بعد انتهاء الفرز اليوم، لكنها ستظل أكبر من المطلوب للفوز منذ الدورة الأولى، طبقاً لما أجمعت عليه وسائل الإعلام المحلية.
أبي نادر، المولود في منتصف 1967 بالعاصمة Santo Domingo متحدر أصلا “من بلدة بسكنتا” عند سفح جبل “صنين” الشهير في لبنان، وفق ما قرأت عنه “العربية.نت” في موقع “المهاجر”، كما في موقع “جبلنا ماغازين” ومعلوماتهما نفسها بشأنه، لكن بلا مصدر واضح.
أما الأكيد، فهو أنه متزوج من لبنانية، أو ربما فلسطينية الأصل اسمها راكيل عربجي، وهي “تويترية” حسابها @raquelarbaje بالموقع الواصفة نفسها فيه بأنها “مخلصة الإيمان المسيحي، أم وإدارية، مع روح صحافية” وهي ابنة رجل أعمال أسس قبل وفاته في 2009 النادي الفلسطيني اللبناني السوري، وشركة Arbaje Soni للمفروشات ومصنعا للإسفنج.
أما زوجها، وحسابه @luisabinader بالموقع، فيعرّف نفسه فيه، بأنه “اقتصادي، أب لثلاث مراهقات، ديمقراطي، ملتزم بوطني (جمهورية الدومينيكان طبعا) مرشح رئاسي عن الحزب الثوري الحديث” والمعروف باسم Partido revolucionario Modreno للدومينيكيين البالغين 10 ملايين، ولأنه نشر بحسابه رقم هاتفه، المفترض وضع 1 قبله للاتصال به، لذلك اتصلت “العربية.نت” لتتحدث إليه من الطرف الآخر بالعالم.
ردت آنسة واستغربت أن يتصل به أحدهم من تلفزيون عربي ببلد بعيد، وقالت: “أنت مين”؟ فزودتها بما يلبي الفضول. قالت: “أنت تتصل بعز التصويت والساعة 3 بعد الظهر الآن”. ثم اقتربت من شاشة تلفزيون كما يبدو، وتابعت: “اسمع الجلبة اسمع، لو حولت له الاتصال فلن يسمعك ولن تسمعه”. قلت: “لماذا نشر رقمه إذن”؟ ردت: “نشرناه ليتصل الإعلاميون أثناء الحملة واليوم يوم الاقتراع”. قلت لها: “إذن سأتصل به حين يصبح رئيسا. أتمنى فوزه فعلا”. ردت: ojalá ojalá وأساس “أوخالا” الإسبانية، مع مد نهايتها، كما oxalá ” أوشالا” البرتغالية، مستمد مما نكرره بلغتنا دائما: إن شاء الله.
فلسطيني سموه Palestino Palestino بطلب الإقامة
وما كان أبي نادر، فيما لو فاز، سيصبح أول لبناني الأصل يتذوق طعم السلطة الأولى في بلاد، هي الوحيدة بالعالم الممهور صورة الإنجيل في رمزها الوطني وسط علمها، والثانية مع “جمهورية إفريقيا الوسطى” التي تضع كلمة جمهورية مع اسمها، ربما كي لا يحدث التباس مع جزيرة Dominica وهي كاريبية أيضا، وأطلق عليها كريستوفر كولومبوس هذا الاسم لأنه اكتشفها يوم أحد، أي Domingo بالإسبانية، والسبب أن لبناني الأصل سبقه على اللقمة الرئاسية قبل 35 سنة، ولكن بعد حادث مأساوي شهير.
إلا أن Republica Domenicana الممتدة على مساحة تزيد عن 44 ألفا من الكيلومترات في جزيرة “اسبانيولا” بأرخبيل الأنتيل الكاريبي، مولعة باسمها المصرة عليه لسبب آخر ومهم، وهو أن قديسها وحاميها اسمه دومينيك، لذلك استمدت اسمها منه، كما عاصمتها “سانتو دومينغو” أيضا، والمعروفة بأنها أول مستوطنة أوروبية دائمة بكل القارة الأميركية، وفيها تم بناء أول قلعة وجامعة وكاتدرائية بالعالم الجديد.
أما عن اللبنانيين، فهم فيها من 1100 إلى 1200 مهاجر ومتحدر على الأكثر، معظمهم تجار ورجال أعمال، ونسبة 85% منهم تقريبا من مواليدها، وأشهرهم اثنان: خوسيه رافايل أبي نادر، وهو والد المرشح، وسياسي لا يزال حيا، وولد في 1929 بالبلاد التي هاجر إليها والده جوزف في 1898 من لبنان، فتزوج من لبنانية الأصل، والداها مهاجران من لبنان أيضا، واسمها Esther Wasaf وربما تكون العائلة “واصف” لأن دوائر الهجرة في أميركا اللاتينية شهيرة بأخطائها، ففي إحدى المرات بالتشيلي أخطأوا مع مهاجر فلسطيني لم يكن ملما باللغة حين سألوه عن اسمه، فأجابهم: “فلسطيني فلسطيني” بلغتهم، لظنه أنهم سألوه عن جنسيته، فسجلوا اسمه الأول Palestino Palestino بطلب الاقامة.
اللبناني الأصل جاكوبو مخلوطة والرئيس المنتحر
والثاني شهرة هو جاكوبو مخلوطة عازار، الوحيد المتذوق بين اللبنانيين لطعم المنصب الأول هناك، فقد كان بدءا من 1978 نائبا للرئيسAntonio Guzman لولاية أولى من 4 أعوام، وقبل نهايتها بأيام قليلة، انتحر غوثمان وترك المنصب ليشغله نائبه، فتولى جاكوبو مخلوطة إكمال الباقي من الولاية الرئاسية، وأصبح رئيسا مدة 42 يوما فقط، وهو ما طالعته عنه “العربية.نت” في مصادر كثيرة، منها موقع “ويكيبيديا” المعلوماتي، كما في الوارد عنه بأرشيفات صحف دومينيكية أطلعت عليها أيضا.
جاكوبو الذي أصبح فيما بعد رئيسا للكونغرس، والمولود في 1934 لأب لبناني مهاجر من عائلة مخلوطة وأم لبنانية مهاجرة من عائلة عازار، كان حاصلا على بكالوريوس بالمالية، ومتزوجا من دومينيكية، أب منها لابنة واحدة، وبعمر 62 توفي في 1996 بمدينة “تامبا” في ولاية فلوريدا الأميركية.. سافر إليها للعلاج من سرطان نال من رئتيه، فقضى ضحية المرض والسيجارة.
أما الرئيس المنتحر، فقد لا يصدق القارئ سبب إقدامه على قتل نفسه. لكن الروايات عنه حقيقية وصحيحة، والمعلومات التي أطلعت عليها “العربية.نت” بشأنه متطابقة في وسائل إعلام محلية موثوقة، وعالمية أيضا، منها صحيفة El Pais الإسبانية التي حققت بأسباب انتحاره النادر في عالم الرئاسات والرؤساء.
اكتشف غوثمان رشوة وفسادا في إدارته من معاونيه المقربين، وأصابته صدمة من خيانتهم واستغلالهم لاسمه وتلطيخ سمعته، لأنه كان مصابا بوسواس الشرف والسمعة الطيبة، ويكره الفاسدين والراشين والمرتشين، وخاض حملته تحت هذه الشعارات، لذلك فقد أعصابه وقام بما أملاه عليه ضميره: في 4 يوليو 1982 دخل الى مكتبه بالقصر الرئاسي، وأطلق في رأسه رصاصة، أردته ضحية شرف، كالذي عناه المتنبي بقوله قبل 1000 عام: “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم”، وهكذا كان في جمهورية الدومينيكان.
خيرها بغيرها يا قمر