لا تزال العائلات التونسية تستقبل شهر رمضان بعادات وتقاليد راسخة توارثتها جيلا عن جيل، إعداد العولة إحدى هذه العادات التي مازالت تحتل مكانة هامة إلى حد اليوم وتهدف إلى ضمان توفير كل ما تحتاجه المرأة التونسية في مطبخها لإعداد وجبات رمضانية وموائد متميزة وهي طريقة تجمع بين الفائدة الغذائية والفائدة الاقتصادية.
فالمرأة التونسية لا تزال معروفة بإعداد العولة بمختلف أنواعها قبل دخول شهر رمضان رغم تطور مستوى العيش وتغير نمط الاستهلاك إضافة إلى غزو المساحات التجارية كل مكان، حيث تجتهد قبل هذه المناسبة السنوية بأيام في تأمين حاجيات العائلة إعداد كل ما يلزمها من المواد الغذائية الضرورية للمائدة الرمضانية.
وتتكوّن العولة عادة من التوابل والبهارات على غرار مادة الهريسة المشتقة من الفلفل الحار، ونجد في طليعة القائمة مادة كسكسي الذي يعد أهم طبق على المائدة الرمضانية و كذلك شربة الشعير التي لا تغيب عن وجبة رمضان من أول أيامه إلى آخرها، فضلا عن البسيسة الحاضرة في وجبة السحور نظرا لقدرتها على مقاومة العطش.
كما تقوم الأسر التونسية كذلك بتخزين بعض الخضراوات كالجلبان والفول والزيتون المملح والغلال كالفراولو والتمر الذي يتضاعف ثمنه خلال رمضان، إضافة إلى تجفيف مواد أخرى كالسمك و اللحوم الحمراء وإعداد بعض المشروبات كعصير الليمون أو ” ronadeitC” باللهجة التونسية المقتبسة من الفرنسية.
الفوائد الصحية الكثيرة والقيمة الغذائية لهذه المأكولات المعدة في البيوت والربح المادي المهم الذي تؤمّنه للعائلة ، جعلت عادة العولة تحافظ على موقعها في تونس ويتوارثها جيل بعد جيل رغم إغراءات الحياة العصرية.
“المنتوجات الدياري المعدة في بيوتنا لا يمكن أن تعوضها بأي شكل من الأشكال المنتوجات المعلبة والمصبّرة التي تباع في الأسواق والمساحات التجارية الكبرى، فمنتوجات العولة تصنع بأيدينا بطريقة نظيفة وتحتوي على فوائد غذائية كبيرة فضلا
عن الربح المادي والمذاق العالي، لذلك حافظت على مكانتها في المجتمع التونسي كعادة سنوية مستمرة”، هكذا علّقت مبروكة غانمي سيدة تونسية في العقد الخامس من عمرها.
وأضافت في تصريح لـCNN بالعربية أنها تعودت كل عام التعويل على نفسها في على إعداد كل ما يلزمها من مؤونة قبل دخول رمضان مستغلة وفرة المنتوجات وانخفاض سعره في فصل الربيع والعوامل المناخية المشجعة لتخزينه في أفضل الأحوال واستعماله في الوقت المناسب، مشيرة إلى أنها تحاول أن تمرر هذه العادة لبناتها لما فيها من فائدة من خلال حثّهن على مساعدتها في كل مرة.
كما أصبح موسم العولة تجارة مربحة للعديد من ربات البيوت حيث يحرصن على استغلال هذ المناسبة السنوية لإعداد أكبر كمية من المواد الغذائية والتوابل لبيعها خاصة للنساء العاملات اللاتي يعجزن عن تحضيرها لضيق الوقت وانشغالاتهن.
فاطمة الزهراء مسدّي ربة بيت في العقد الرابع من عمرها أكدت أنها بدأت التحضير منذ أكثر من شهر من أجل تأمين الكميات اللازمة لحريفاتها وتغطية كافة الطلبات، موضحة أن هذه العادة ورثتها عن جدتها وقد واظبت عليها منذ شبابها وهي تجارة رائجة كثيرا وتدر عليها مدخولا محترما بالنظر إلى الاقبال الشديد على المنتوجات البيتية واليديوية نظرا لنكهتها الطبيعية المميزة، مضيفة إلى أن الطلب يزداد عليها قبل شهر رمضان بأيام.
وثمّنت خلال حديثها مع CNN بالعربية هذه العادة المتوارثة، معتبرة أنها صمدت في وقت اندثرت فيه عديد العادات والتقاليد الأخرى وذلك لأن غايتها نبيلة، فهي طريقة اقتصادية تساهم في الضغط على النفقات ومجابهة ارتفاع الاسعار التي تميز شهر رمضان حسب تعبيرها.
الله يديم الخير بكل الدول الإسلامية