بعد ضبط الحدود الجنوبية السعودية مع اليمن، منذ بدء عاصفة الحزم السعودية بمشاركة قوات التحالف، وقطع أحد أهم طرق التهريب عبر الحدود السعودية الأكثر اتساعاً، وعقب تشديد الملاحظة على حقيقة النوايا بسفر النساء والشباب إلى تركيا، عمدت التنظيمات المتطرفة إلى استغلال التهريب عبر دولة ثالثة وهي لبنان، رغم أنها كذلك لم تكن بالساحة الجديدة بالنسبة للتنظيمات المتطرفة منها “القاعدة” و”داعش”، للوصول إلى سوريا التي لم تعد مجرد بوابة لشحن المتطرفين إلى عدد من الدول عبر سماسرة التهريب، وإنما باتت اليوم محطة وقوف رئيسية لهم.
جاء إعلان الداخلية السعودية الأخير عبر متحدثها الرسمي اللواء منصور التركي عن نجاحها وفي غضون أقل من أسبوع، في إحباط محاولة 3 شقيقات بصحبة 7 أطفال أكبرهم لا يتجاوز الـ10 أعوام، وأصغرهم يبلغ من العمر سنة واحدة، الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة في سوريا بعد سفرهن إلى بيروت.
اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية كشف لـ”العربية.نت” أن النساء الثلاث ليس لأي منهن أية سوابق أمنية”، إلا أنه وبحسب ما أكد عليه البيان فإن الشقيقات الثلاث يحملن جميعا الفكر التكفيري.
كيف تخطين “أبشر”
بيد أن التساؤلات لا تزال قائمة حول كيفية تخطي ثلاث فتيات لنظام “أبشر”، اثنتان تمكنتا من الوصول إلى معلومات النظام لأزواجهن والثالثة لنظام ثالث يتبع لوالدها، والغموض بشأن الرسالة التي ترد إلى رقم الزوج بشأن التصريح. ووفقاً لما جاء بالبيان فإجراءات سفر الشقيقات الثلاث لخارج المملكة كانت نظامية، بعد تمكنهن من الوصول لمعلومات نظام “أبشر” الخاص بولي الأمر، واستخرجن لأنفسهن تصاريح سفر إلكترونية لهن ولأطفالهن، إلا أن بلاغ زوج إحدى الشقيقات للأجهزة الأمنية، نجح في عملية اعتراضهن قبل الدخول إلى منطقة الصراع.
وبشأن التساؤلات المطروحة وصعوبة التسلل إلى معلومات النظام “أبشر” دون علم الأطراف الأخرى المعنية أفاد المتحدث الأمني الرسمي أن “الدخول إلى خدمة أبشر يتوقف على معيار التحقق الثنائي الذي يتم من خلاله إرسال رقم لا يتكرر لإتمام عملية الدخول، لكن لا نعرف طبيعة علاقة أفراد الأسر ببعضهم، وما يتوفر من معلومات أن لديهم تصريح سفر مكنهم من مغادرة المملكة”.
مشهد ليس جديدا، وعلى الأرجح الصور ذاتها واللاتي ظهرن بها قبل عامين، كل من مي الطلق وأمينة الراشد بصحبة أطفالهما بعد إفشال الأجهزة الأمنية محاولتهما بالهرب إلى اليمن في أبريل 2014.
إلا أن عودة “المناصرات الجدد” وتصديق نسوة لمكاتب التجنيد “الداعشية”، على الرغم من اعتبارهن مجرد أدوات “دعائية” للتنظيمات المتطرفة، وعدم إعطائهم بالا لإعلانات التصفية “الداعشية” لعناصرها، والانشقاقات بصفوفها إلى جانب اقتتال التنظيمات المتطرفة فيما بينها، وهلاك نسوة “داعش” و”القاعدة” في الصراعات الدائرة بين أوساطهم.
أكدت على أهمية فتح ملف “التطرف النسوي” من جديد، وبحث أدبياته ومحاضنه والمحرضين والمحرضات عليه وعلى مختلف “مستوياته المعرفية” سواء أكانت تحت شعار “إلا الحرائر”، أو “حفيدات أم عمارة”، أو ناشطات اجتماعيات “داعيات”.
التجنيد النسوي
جولة بسيطة بين المعرفات النسائية المتطرفة، كفيلة بالكشف عن طرائق إشاعة مناخ التطرف وتغذية الاتجاهات التكفيرية “الجهادية” بين أوساط النساء، مفسرة كذلك دوافع التجنيد النسوي وغاياته بإدراك مبكر من قبل الجماعات المتطرفة منذ ما يسمى بالمقاتلين الأفغان العرب لأهمية موقع المرأة والطفل بين صفوفه.
أسامة بن لادن وقبل أن يقتدي به الزرقاوي والبغدادي أكد على أهمية الدور المأمول من قبل النساء والأطفال، وتوليته الرعاية الكاملة، قائلا بحسب ما جاء في إحدى الوثائق التي تمت مصادرتها في منزله بأبوت آباد: “أرجو تفريغ من يلزم للاهتمام بالطاقات الموجودة وصقلها وحثها على تطوير نفسها والاهتمام بالنابغين منهم وإتاحة الفرص أمامهم لتكوين قيادات جديدة مؤهلة للعمل والمواصلة”، مضيفا: “كما يتم تركيز الاهتمام على الأولاد والأحفاد والحرص على صناعة رموز جديدة للأمة والاهتمام بالبنات والنساء فلا يخفى ما لهن من دور في هذا المجال، ولكي يتم ذلك يجب أن يكون على جميع الأصعدة بما فيها الاهتمام الصحي فالعقل السليم في الجسم السليم”.
ارتدى التطرف النسوي من وقت لآخر ثوبا مغايرا عن سابقه، وذلك وفقاً للغرض الذي تستقدم من أجله المرأة، فبينما بدأ في عهد المقاتلين الأفغان العرب بمثابة سياحة جهادية للأمهات والزوجات والتقاط الصور مع أسلحة الكلاشينكوف، انتقل إلى مرحلة “الانتحاريات” والأجساد الأنثوية المفخخة، وقبل أن تشن الولايات المتحدة حربها على تنظيم “القاعدة” وتقصف معاقله في تورا بورا تلخص الدور النسوي بالبعد اللوجستي، من إعداد الطعام للمقاتلين وتدريس الأبناء، وجمع الأموال، وعقد الدروس الدينية والوعظية، لتنتقل غايات التجنيد النسوي مع تنظيم “داعش” إلى “بروبغندا” دعائية وتعبئة معسكرات الأشبال بمزيد من الأطفال المقاتلين.