العربية.نت- تصاعد سعر القبر في المدن السورية الكبيرة، ولا سيما العاصمة دمشق، وتراوح بين 600 – 800 ألف ليرة، أي بين 6 أو 8 آلاف دولار (سعر الدولار حالياً نحو 94 ليرة)، وهو رقم باهظ بالنسبة لدخل السوريين، وبالأخص في ظل الأزمة الاقتصادية والأمنية.
ويعود ارتفاع أسعار القبور إلى أن الطلب تضاعف خلال العامين الماضيين بسبب ارتفاع وتيرة القتل، إضافة للموت كمداً جراء جلطات قلبية أو دماغية، في حين أن عدد مقابر دمشق ومساحاتها محدودة ومكتظة، ما رفع الأسعار على نحو فاحش، بعدما كان سعر القبر يتراوح بين 20 – 40 ألفاً أي نحو 400 دولار.
وبحسب السعر الحكومي في مكاتب دفن الموتى، فإن أفضل القبور يجب ألا يتجاوز سعره 20 ألف ليرة، ولكنه تضاعف، دون أن يطرأ أي تغيير على قرارات الحكومة بهذا الخصوص والتي لا يلتزم بها أحد، منذ صدور القرار رقم 43/م عن مجلس محافظة دمشق سنة 1971، نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، الخميس.
وحسب القرار المذكور، فإن سعر القبر العادي 5000 ليرة، أما القبر الموزاييك فتكلفته نحو 10 آلاف ليرة، وقبر الحجر يصل نحو 14 ألف ليرة، وقبر الرخام نحو 16 ألف ليرة.
لكن آخر قبر تم بيعه في مقبرة وسط دمشق كان نحو 700 ألف، أما في مقبرة المسيحيين بباب شرقي فكانت تكلفة القبر 1.2 مليون ليرة، وسعر الدرج في المدفن يتراوح بين 200 ألف – 250 ألفاً، وهو مصمم على النمط الغربي، ويفضله ذوو الدخل المحدود، وأيضاً من الغرباء من الذين ينتوون نقل الجثمان إلى مسقط رأسه لاحقاً، ويضاف إلى ذلك تكاليف مراسم التشييع كإقامة ووليمة على روح الراحل، وفتح صالة للعزاء مع تقديم قهوة.
تباهت سيدة عجوز بأن وحيدها الذي يعمل في نجارة المفروشات، قد صنع لها تابوتاً أنيقاً منذ ثلاث سنوات، وقد كلفه أكثر من ثلاثين ألف ليرة، أي ما يعادل حينها 600 دولار. وقالت السيدة بفخر “خبأ التابوت في الورشة بعد تغليفه بعناية.. الآن صار يساوي أكثر من ستين ألفاً”. وأردفت “ما نفع التابوت إذا لم أدفن في مدفن العائلة بحمص؟”.
كلام السيدة العجوز، المتحدرة من عائلة حمصية وتعيش في دمشق منذ عقود، كان في مجلس عزاء أقيم لجارتها المسنة الراحلة، ولكن ذووها لم يتمكنوا من شراء قبر لها في مقبرة الدحداح في شارع بغداد وسط دمشق لغلاء ثمنه. وأمام هذا الواقع لم يتبق لعائلة المتوفاة سوى اتخاذ قرار بدفنها في مقبرة الغرباء في ريف دمشق، حيث ما زال سعر القبر هناك يتراوح بين 15 – 20 ألف ليرة.
وقالت العجوز التي كانت تسمع مجريات ما حصل لجارتها، ساخرة ربما “أفضل حل أن يقضي المرء في انفجار ويتبعثر جثمانه فلا يحمل هم الحصول على قبر”. وبما أنها تنتمي للطائفة المسيحية التي تدفن الميت مع التابوت، تابعت بحسرة “سأقول لابني أن يبيع الصندوق، أولاده أحق بثمنه في هذا الظرف العصيب، لأنه لو باع البيت لن يكفي ثمناً لقبر في مدفن المسيحيين”.
الخوف من الموت.. والدفن
قصص الموت في سوريا كثيرة ومحزنة، ولعل الهاجس الأكبر بالنسبة لغالبية المسنين من النازحين إلى دول الجوار أو في الداخل، هو الخوف من الموت بعيداً عن مسقط الرأس. ونزحت أم عبدالرزاق (78 عاماً) من حمص إلى القلمون مع زوجها (90 عاماً) وعائلة ابنها الصغير تقول: “أصلي كل يوم طالبة من ربي ألا أموت بعيداً عن مسقط رأسي”.
وربما يكون الدفن في قبر جماعي حلاً مريحاً للجميع بمن فيهم النظام وحكومته التي أهملت قضية المقابر، لتتراكم مشكلاتها على مدى عقود طويلة، وتصبح اليوم مع انفجار التوترات والتأزم الاقتصادي، هاجساً أول للجميع، حيث لم تتم توسعة المقابر في دمشق أو تخصيص مساحات جديدة خارج المدينة.
وغالبية المقابر التي تتوسط مناطق حيوية ومكتظة كحي المهاجرين وشارع بغداد والمدينة القديمة، هي مقابر تاريخية وأثرية تضم رفات مئات من الأولياء والشخصيات الدينية والتاريخية والثقافية الهامة على الصعيدين العربي والعالمي، سواء من أبناء دمشق أو من الذين أقاموا فيها، ودفنوا بأرضها. ولم يتم لغاية اليوم العناية بها كما تستحق كجزء من إرث وتاريخ المدينة، وتركت لتكتظ فيها القبور ولتضيع رفات الأجداد في ازدحام رفات الأحفاد على مدى عقود.
حفر القبور.. استباقاً
هذا ولم يعد حفارو القبور في مقبرة الشيخ سعد الواقعة ببلدة اعزاز شمال سوريا ينتظرون سقوط القنابل حتى يشرعوا في حفر قبور جديدة، فالموتى يتساقطون سريعاً، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وقال أبو سليمان، وهو واحد من بضعة رجال يحفرون في المقبرة، “نعرف أن الطائرات ستأتي لقصفنا ولهذا نستعد”.
وأضاف “تحدث مجازر. نضع كل جثتين أو ثلاث سوياً. نعمل ونحفر منذ السادسة صباحاً. سنحفر عشرة قبور جديدة يومياً”.
وتابع أثناء الإشراف على عمال يحفرون قبوراً جديدة “عندما بدأنا حفر القبور، لم نتوقع أن تمتلئ”.
ولا يفصل الآن بين شواهد القبور سوى عدة سنتيمترات في الوقت الذي يحاول فيه العمال دفن أكبر عدد ممكن من الجثث في المقبرة الواحدة.