ليست المرة الأولى التي تعلو فيها الأصوات ضد حزب الله، ولكن هذه المرة الأصوات ليست ضد سلاحه بل ضد سيطرته على أكبر منفذ عبور للدولة اللبنانية، وهو مطار رفيق الحريري الدولي.
لمحة جغرافية سريعة على المكان تظهر المعطيات التالية:
أولاً: يقع مطار رفيق الحريري الدولي في منطقة جغرافية تعرف بـ”ضاحية بيروت الجنوبية”، حيث القوى السياسية الأكثر فاعلية وإمساكاً بزمام الأمور هي فريق حزب الله، وبالتالي فإن الضاحية الجنوبية لبيروت هي ثاني أكبر مربع أمني في لبنان بعد الجنوب الخاضع أيضاً لسيطرة حزب الله السياسية والأمنية.
ثانياً: في ضاحية بيروت الجنوبية منازل ومراكز سياسية وأمنية لقيادات في حزب الله وتواجد كثيف لمؤسساتها التربوية والتجارية والصحية وغيرها.
ثالثاً: عمل حزب الله في تلك المنطقة المسماة “ضاحية بيروت الجنوبية” هو عمل استخباراتي بحت، وبالتالي فإن حزب الله يعمل بشكل استخباراتي وأمني بناءً على المعلومات الدقيقة المرتبطة بجهازه الأمني وبأمن المنطقة التي يتواجد فيها، ومن هذا المنطلق استطاع حزب الله أن يحمي نفسه من أي اعتداءات خارجية أو داخلية باستثناء حوادث أمنية وخروقات محدودة كان آخرها انفجار بئر العبد الأخير.
وعلى بعد أمتار قليلة من مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت يقع مطار رفيق الحريري الدولي، وترى مصادر لبنانية معارضة لحزب الله أن الحزب ومع تعاظم نفوذه السياسي، استطاع أن يتغلغل إلى أجهزة المطار الأمنية التابعة للدولة اللبنانية وأن يقيم معها علاقات استراتيجية وطيدة فيها نوع من المصالح المشتركة، فحزب الله مستعد لتأمين معلومات تعجز أجهزة الدولة عن الوصول إليها مقابل معلومات من أجهزة المطار يعتبرها الحزب أساسية وضرورية لأمنه الاستراتيجي.
الأمر لا يقتصر – وفق هذه المصادر – على شبكة المعلومات المتبادلة، بل يتعداها ليصبح مطار بيروت ممراً للأسلحة الآتية من إيران وغيرها لحزب الله.
وقال النائب في كتلة المستقبل محمد قباني، وهو رئيس لجنة الأشغال النيابية، في حديث لـ”العربية نت” إن نفوذ حزب الله لا يقتصر فقط على الأجهزة الأمنية داخل مطار بيروت، فللحزب عيون وأدوات تبدو بسيطة لكنها فاعلة، كالحمّالين الذين يفوق عددهم المئات وولاؤهم السياسي لحزب الله، وأيضاً سائقي سيارات الأجرة على مداخل المطار، معتبراً أن أي عملية تتم في محيط المطار تكون بتغطية من حزب الله أو أقلّه بعلم منه، في إشارة إلى حادثة اختطاف الطيار التركي ومساعده على طريق المطار قبل أيام.
وكانت أصابع الاتهام توجهت مرات عدة إلى حزب الله على خلفية سيطرته على أجهزة المطار، أبرزها عملية اغتيال النائب والصحافي جبران تويني بعد ساعات من وصوله إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي عام 2005، ومثله رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن عام 2012.
ومن أبرز الأحداث التي تظهر ارتكاز حزب الله بأجهزته الاستخباراتية إلى مطار بيروت البيان الذي صدر عام 2008 عن الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة آنذاك والذي قررت فيه الحكومة إقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير من منصبه وإعادته إلى ملاك الجيش، وذلك بعد اتهامات وجهها النائب وليد جنبلاط للحزب على خلفية قيامه بمراقبة مطار بيروت الدولي بواسطة كاميرات خاصة وذلك بتسهيل من قائد جهاز أمن المطار، بحسب جنبلاط.
حينها جرت أحداث السابع من أيار/مايو الشهيرة التي وجّه فيها حزب الله سلاحه إلى الداخل اللبناني منعاً لإقالة قائد جهاز أمن المطار وأيضاً منعاً لقرار الحكومة اللبنانية تفكيك وملاحقة المسؤولين عن شبكة الاتصالات التابعة له، معتبراً أن شبكته هي توأم سلاحه وأن الحزب سيتعامل مع المتعرضين للشبكة على أنهم عملاء لإسرائيل.
وبقي العميد وفيق شقير في منصبه حتى طلب من وزير الداخلية زياد بارود إعفاءه من منصبه عام 2010 بسبب حادث اعتُبر سابقة في أمن المطار، حين اكتشفت طائرة سعودية هبطت في الرياض أن جثة لبناني عالقة قرب حجرة العجلات، تبيّن لاحقاً أنه يحمل كيساً فيه سكين وأنه استطاع التسلل إلى المدرج وتسلّق الطائرة.
اليوم ومع تغيير العميد شقير وحلول العميد تاروزيان مكانه لا يرى عضو كتلة المستقبل النيابية محمد قباني أن شيئاً ما قد تغيّر، فهو يرى أنه إن لم تكن هذه الكاميرات متصلة بشكل مباشر بحزب الله فإنه على الأقل يستطيع الولوج إلى المعلومات التي تحويها ساعة يشاء ومعرفة من ومتى يدخل ويغادر المطار، داعياً إلى إعادة تشغيل مطار القليعات انطلاقاً من أن الحاجة لوجوده ليست أمنية وسياسية فحسب بل اقتصادية ملحّة كون المطار الحالي لا تتعدى طاقته السنوية 6 ملايين راكب، أي 10 مرات أقل من مطار دبي الدولي، علماً بأن دراسات أجريت أخيراً أظهرت أن مطار القليعات سيوفر في السنة الأولى لتشغيله حوالي 6000 فرصة عمل قد تصل إلى 21 ألف فرصة عمل في عام 2018.
وكانت شركة طيران “الشرق الأوسط” قد سيّرت ثلاث رحلات داخلية أسبوعياً بين شمال لبنان والعاصمة بيروت بين عامي 1988 و1989 في مطار القليعات، الذي يقع على تقاطع طرق برية دولية ولا يبعد سوى كيلومترات عن الحدود اللبنانية السورية، والأهم من ذلك كلّه أنه لا يقع في مربع أمني تابع لحزب الله.