قررت منظمة “أطباء بلا حدود” مغادرة المغرب بعد نشرها تقريراً صادماً، أمس الأربعاء، تنتقد فيه ما وصفته بالوضعية الإنسانية والصحية المزرية التي يعيشها المئات من المهاجرين “السريين” الذين يتدفقون على المغرب للعبور نحو أوروبا، وينتسبون إلى عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وبررت المنظمة الدولية، التي تتواجد في المغرب منذ 1997 قبل أن يتحول نشاطها في 2003 إلى توفير الرعاية الطبية للمهاجرين في البلاد، قرارها بأن مهمة المساعدة الطبية التي تقدمها لم تعد تلائم الوضع في الميدان، خاصة بسبب التعنيف الذي يتعرضون له من طرف السلطات المغربية والإسبانية على حد سواء.
وكان وزير الداخلية المغربي، امحند العنصر، قد نفى خلال القمة السابقة للمدن الإفريقية بالعاصمة السنغالية دكار، تعرض هؤلاء المهاجرين للتمييز العنصري من لدن السلطات المغربية، مؤكداً أن المغرب كان دائماً أرض استقبال لأشقائنا الأفارقة، وسيبقى بلد استقبال في حدود إمكاناته.
الضرب بالأسلاك الكهربائية والرصاص المطاطي
وتطرق تقرير منظمة “أطباء بلا حدود”، الذي تم عرضه خلال ندوة صحافية بالعاصمة الإسبانية مدريد، إلى سرد تفاصيل عن حالات مأساوية لمهاجرين أفارقة باتوا عالقين في المغرب، خاصة بعد تشديد المراقبة الحدودية في مضيق جبل طارق ومنعهم من الهجرة إلى أوروبا.
وزعم تقرير منظمة “أطباء بلا حدود”، بعنوان “عالقون على أبواب أوروبا”، بأن عدداً من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين قد تعرضوا للضرب والتعنيف عن طريق “الأسلاك الكهربائية والرصاص المطاطي وأدوات حادة”.
وأوضح التقرير ذاته أن الاتحاد الأوروبي ساهم بدوره خلال السنوات العشر الأخيرة في الوضعية الحرجة التي يوجد عليها مهاجرو دول جنوب الصحراء، والبالغ عددهم زهاء 25 ألف مهاجر، لا سيما أن البلدان الأوروبية شددت المراقبة على حدودها ليتحول المغرب من دولة “عبور” إلى دولة “إقامة”.
وحذرت منظمات حقوقية بالمغرب، قبل أسابيع قليلة، من ارتفاع منسوب المعاملة السيئة والمذلة للمهاجرين الأفارقة إلى البلاد، من لدن السلطات الأمنية التي رحلت عددا كبيرا منهم إلى الحدود الجزائرية، وأيضا من بعض مظاهر العنصرية في تعامل بعض السكان المحليين مع هؤلاء المهاجرين.
المغرب يتعامل بازدواجية في مسألة الهجرة
ولفتت هذه المنظمات إلى كون المغرب يتعامل بازدواجية في مسألة الهجرة، حيث إنه يندد بما يطال أحيانا مهاجريه في الدول الأوروبية من ممارسات عنصرية، فيما يمارس العنصرية ذاتها إزاء بضعة آلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يعيشون على أرضه في انتظار الرحيل إلى “الفردوس” الأوروبي.
وقال عدي ليهي، رئيس جمعية “أفريكا” للتنمية وحقوق الإنسان، لـ”العربية.نت” إن منظمة “أطباء بلا حدود” تعتبر منظمة دولية تحظى بكثير من الاستقلالية، ولديها مكانة معتبرة ومُحترمة على صعيد الدول الديمقراطية، بفضل استقلالية أنشطتها ونبل مهامها الإنسانية”.
وأفاد الناشط الحقوقي ضد التميز العنصري في المغرب بأن جمعيته تقف ضد الاستفزازات التي تتعرض لها منظمة “أطباء بلا حدود” في البلاد، وتستنكر التعامل السلبي للسلطات في حقها، فقط لكونها تنشر تقارير لا ترضي توجهات بعض الجهات الرسمية.
واستطرد ليهي بأن التقرير الصادر أخيرا عن “أطباء بلا حدود” بخصوص حالة المهاجرين من دول الصحراء ليس فقط واضحا وصادما، بل إنه لم يسرد كل مظاهر معاناة هؤلاء المهاجرين على الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية أيضا.
وشدد المتحدث على أنه يتعين على المغرب أن يحترم الحقوق الفردية والجماعية للمهاجرين الذين يدخلون إلى أراضيه، سواء بطريقة قانونية من خلال حمايتهم من كل تمييز، أو حتى الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية من خلال معاملتهم بما تقتضيه القوانين الدولية في هذا المجال.
وانتقد رئيس جمعية “أفريكا” ما وصفه بالتعامل “الاحتقاري” الذي تتعامل به الدولة إزاء المهاجرين الوافدين من الصحراء الإفريقية، باعتبار أن المغرب يحرس حدوده ومصالحه على حساب حقوق هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.