رسم الأخصائي النفسي المغربي الدكتور فيصل الطهاري، في حديثه مع “العربية.نت”، صورة قاتمة عن الأحوال النفسية للاّجئين السوريين في المخيمات التي توجد على الحدود السورية، بعد أن نزحوا إليها هربا من الأوضاع الدموية والخطيرة التي تسود أغلب مناطق البلاد منذ أشهر عديدة.
ويعد الطهاري أول أخصائي نفسي عربي يزور مخيمات آلاف النازحين السوريين، بهدف تقديم يد العون لهم من ناحية التوجيه والإرشاد النفسي، والإنصات إلى مشاكلهم وآلامهم، وإجراء حصص علاجية للعديد منهم خاصة الذين يعانون من اضطرابات واختلالات نفسية معقدة.
وقال الطهاري إنه زار 5 مخيمات و10 قرى، لمدة ناهزت 10 أيام، حيث دخل عبر جنوب تركيا إلى معبر الأطمة، مشيرا إلى أن أول شيء يجد المرء بعد الأسلاك الحدودية مخيما يضم أكثر من 22 ألف نازح وآلاف الخيام المهترئة، انتقل بعدها إلى ريف إدلب الواقع في الشمال الذي يسيطر عليه الجيش السوري الحر.
واستطرد الأخصائي ما شاهده خلال المدة التي قضاها هناك، من مآس نفسية وصحية يصعب وصفها بدقة، فليس من رأى كمن سمع، بحسب تعبيره، حيث يقول إن “جميع الأمراض السيكولوجية كانت موجودة وسط النازحين السوريين، وأكثرها يتعلق بالاضطرابات ما بعد الصدمة”.
ولفت المتحدث بأنه ليس هناك أصعب من أن يكون المرء مستقرا آمنا في بيته، ممتلكا قوت يومه ومعافى في بدنه، وفجأة تتحول كل هذه النعم والأوضاع المستقرة إلى نقيضها تماما، حيث الخوف من المستقبل والتشرد بعد ضياع البيت والممتلكات، وفقدان الأهل والأحباب.
وزاد الطهاري بأن “هذا الوضع الذي يوجد عليه النازحون السوريون يشكل مصدر معاناتهم النفسية لكونهم فقدوا كل شيء تقريبا، ليبحثوا بعد ذلك عن بدء الحياة من جديد في خضم ظروف بعيدة عن الإنسانية جملة وتفصيلا، فبرغم محاولات هيئات الإغاثة التخفيف من معاناة هؤلاء النازحين، لكن الواقع المزري فوق طاقتهم بكل معنى الكلمة”.
أطفال وجنود وأسرى
وأوضح الأخصائي بأنه التقى فئات مختلفة من النازحين المصابين بمشاكل نفسية متفاوتة النوعية والخطورة، ومن ضمنهم العديد من الأطفال الذين يعانون من عقد نفسية إزاء أي صوت مرتفع سواء لطائرة أو سيارة، حيث ترتعد أطرافهم وترتجف قلوبهم من مثل هذه الأصوات التي ترادف بالنسبة لهم كل معاني العنف والموت.
ومن الحالات التي استأثرت أيضا اهتمامه ومساعدته النفسية، حال النساء والأمهات اللواتي وجدن أنفسهن قد انتقلن بين عشية وضحاها من ربات بيوت يعشن حياة هانئة، إلى لاجئات يقاسين شظف العيش في المخيمات من ناحية المأكل والمشرب، وباقي التفاصيل الخاصة بحياة النساء.
والتقى الأخصائي النفسي أيضا بحالات جنود انشقوا عن النظام السوري، وأيضا حالات سجناء هربوا من السجون والمعتقلات السورية، فوجد أن الكثيرين منهم يعانون من أوضاع نفسية تتسم بالانهيار، وتحتاج إلى كثير من العناية والترميم والدعم السيكولوجي من أجل إخراجهم من حالتهم تلك.
وتمثل حصص علاج الطهاري لكل هذه الفئات، نساء وشبابا وكهولا وأطفالا وجنودا وأسرى، في تقنية الإنصات لمشاكلهم ومعاناتهم النفسية التي تمخضت عما عاشوه من تغيرات رهيبة، ليقترح بعد ذلك حلولا تطبيقية على هؤلاء النازحين من أجل الخروج من شرنقة الوضعية الاجتماعية المتأزمة القائمة على البحث عن رغيف عيش وشربة ماء وقرص دواء.