على بعد ٢٩٠ كيلو متر شمال مدينة الإسكندرية حيث حطام طائرة مصر للطيران يغرق في مياة البحر المتوسط ، كانت وسائل الإعلام تواصل وظيفتها ، كانت منشغلة بتنبؤات الضحايا ، وقيمة التعويضات التي يحصل عليها أهالي الموتى في حوادث مماثله .
ربما يوحي للوهلة الأولى بأنعدام التعاطف مع الضحايا ، إلا انه يشير ، الى جانب أخر ، يؤكد هوس الجمهور وفضوله لمعرفة المزيد عن الحادث وصلته بالإثارة وتفريعاتها ، بحيث يبدو الموت في حد ذاته حدثاً هامشياً ، فالمهم الحكايات ، وما يُضفى عليها من غموض وسيريالية و «أسطاطير».
ومن بين تلك الحكايات ما تناقلته وسائل الإعلام عن المضيفة المصرية التي قضت في حادث الطائرة الأخير فجر الخميس في 19 من الشهر الجاري ، إذ كانت تنبأت بموتها غرقاً في حادث تحطم طائرة، فنشرت – كما أفاد أحد أصدقائها – صورة لمضيفة تحمل حقيبتها في البحر وخلفها طائرة محترقة، وقد تكرر نشر الصورة على صفحتها في الـ «فايسبوك» أربع مرات على مدى عامين .
أما الصحافة العالمية ، فتفاعلت مع حادث الطائرة من حيث قيمة التعويض الذي يحصل عليه أهالي الضحايا، لكنها بحسب تقرير لمجلة «تايم» فقد ربطت قيمة التعويض بجنسية الضحايا، فالحد الأقصى لتعويض أهالي ضحية أميركي يبلغ 4 ملايين و500 ألف دولار أميركي، يليه البرازيلي الذي يبلغ 2 مليون و500 ألف دولار، فيما يتم تعويض أهالي الضحية الكندي بحد أقصى يبلغ مليون و700 ألف دولار، والأوروبي بحد أقصى يصل إلى مليون و600 ألف دولار، والأسترالي مليون و400 ألف دولار، والماليزي 600 ألف دولار، والصيني 500 آلاف دولار !
الحديث عن تعويض ضحايا لم يلفظ بعضهم أنفاسه الأخيرة بعد ، ربما يكسر الهالة المقدّسة المرتبطة بالموت، ويجعله حدثاً عادياً ، وربما عابراً.
ولعلّ موتاً، على بشاعته ورعبه، في حادث تحطّم طائرة يعقبه حديثٌ ومفاوضات عن تعويضات، أخفّ وطأة من قتل بلا تعويضات بالبراميل المتفجّرة يفنى من شظاياها المتطايرة أضعافُ ضحايا حادثة الطائرة المصرية المنكوبة، ويبقى ال «دراكولا» السوري طليقاً، ويحجّ إليه، مبارِكين ومعجَبين، نوابٌ فرنسيون يتوجهون إلى دمشق من مطار شارل ديغول نفسه الذي انطلقت منه الطائرة المصرية في طريقها الذي لم يكتمل إلى القاهرة .
في هذه البقعة المليئه بالحروب، والمعبّأة بالبارود، والآهلة بالجثث وصور الطغاة، أصبح الموت جزءاً من العائلة، يتوضأ صباحاً بالدم، ويتناول إفطاره، ثم يمضي إلى عمله في حصد الضحايا، ويعود إلى منزله، ليلاً، ليغطّ في نوم عميق .
حتى أن مهنة الديكتاتور صارت مثيرة للإعجاب، فإليه يرتحل المصفقون من يساريين وقومجيه متثائبين ، ومن أجله يختصم الناس وتتنازع الدول الكبرى، وتنشأ التحالفات وتنعقد المؤتمرات، ولولاه لما وجدت وسائل الإعلام خبراً يملأ شاشاتها .
لولا الموت لما دارت ماكينة الإعلام .
هكذا يحدّث الصحفي نفسه، فيرى ما هو أبعد من الحدث أو الحادثة، ويتفرّس في الظلال، كمن يشرّح جثة في مختبر بارد، لا يآبه بأحزان المتمدّد أمامه على الطاولة المعدنية .
المهم هو التقرير، أو السبق، أو التحليل الذي يكشف أنّ أسنان الميت ناصعة البياض وبلا تسوسات، وهذا معناه انتسابه إلى طبقة اجتماعية مرموقة و غنيه الذي يجعله مواظباً على زيارة طبيب الأسنان .
وربما يعثر، إن ذهب يفتّش في معطف الرجل الممدّد على الطاولة المعدنية، أو على صخرة رمتها العواصف قرب الشواطئ اليونانية، على رسالة، أو علامة، أو هدية، أو تذكار، فيروح يرصده في تقريره الذي يقرأه أو يشاهده أو يستمع إليه رجل ملئته الحياه بالملل ، فيستهويه الأمر فيتعدّل مزاجه ويخرج من زنزانة الضجر إلى فسحة الحياة المرصّعة بيوميات الموت العادي !.
اسماعيل السعيد يكتب : يوميات الموت العادي !
ماذا تقول أنت؟
موش مشكلة في الموت الموت علينا حق المشكلة في موتة زي دي معلقا بين السماء و الارض و لا حد عرف سبب موتك و لا فين جثثك … الجمهور الي تاسف على الحادث لدقيقة غير القناة الماساوية الى اخرى فيها غنى و رقص و دلع …
لا حول و لا قوة الا بالله .. الله يرحم الجميع