أجهضت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، بخصوص عدم إمكانية عقد قمة مغاربية آمال الرئيس التونسي منصف المرزوقي خصوصا، لكونه سبق أن قام بجولات عديدة في دول المغرب العربي الخمسة، بُعيد انتخابه رئيسا لتونس، من أجل بعث الحياة في هياكل الاتحاد المُجمَّد منذ سنوات خلت.
وأفصح مدلسي، في تصريحات قبل أيام قليلة لإذاعة الجزائر الحكومية، عن كون “الشروط الضرورية لعقد قمة اتحاد دول المغرب العربي غير متوفرة في الوقت الحالي، خصوصا الشرط الأمني”، مؤكدا بأن “الوضع الأمني السائد في المغرب العربي، وفي الساحل، لا يسمح بعقد قمة مغاربية”.
وتكاد تطابق تصريحات ملدسي التي تُقبِرُ انعقاد القمة المغاربية إلى حين إشعار آخر مع ما سبق لرئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران أن أكده عندما صرح بأن “ظروف انعقاد القمة المغاربية لم تنضج بعد”٬ وبأنه “مادامت الحدود لم تُفتح بعد بين المغرب والجزائر، فإن القمة ستكون شكلية”.
وجدير بالذكر أن اتحاد المغرب العربي تجمع سياسي واقتصادي تأسس عام 1989، ويشمل خمسة دول؛ وهي: الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، غير أن المغرب قام بتجميد عضويته ضمن الاتحاد سنة 1994 بسبب خلافاته مع الجزائر حول قضية الصحراء، ولم تُنفذ من بين 38 اتفاقية تم توقيعها في هذا الاتحاد سوى 6 فقط.
ومن جانبه، أكد الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا وجامعة فاس، أن ليس هناك ما يمنع عقد لقاء قمة مغاربية في الوقت الراهن، فكل ما تواجهه هذه المنطقة من تحديات أمنية وتغيرات سياسية عميقة تستدعي تنظيم مثل هذه القمة لتقريب وجهات النظر حولها.
وأوضح الصديقي، في حديث مع “العربية.نت”، بأن الأزمة الأمنية الحالية ليست عائقا لعقد القمة المغاربية، بل بالعكس من ذلك تمثل هذه المشاكل الأمنية حافزا إضافيا لعقدها لإيجاد حلول جماعية لما تواجهه المنطقة من معضلات أمنية وسياسية واقتصادية.
وأفاد الخبير في العلاقات الدولية أن المانع الحقيقي من عقد القمة المغاربية في الوقت الحالي يكمن في اختلاف مصالح الدول المغاربية الأساسية مما قد تسفر عليه من نتائج؛ فإذا كان لكل من المغرب وتونس مصلحة كبيرة من عقد القمة وتفعيل الاتحاد المغاربي سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي أو الأمني، فإن الجزائر لا ترى أية مصلحة لها في هذه القمة على الأقل في الوقت الراهن.
وشرح أن المغرب يعتبر أن عقد القمة وإمكانية إنعاش الاتحاد المغاربي سيترتب عنهما فتح الحدود البرية المغربية الجزائرية، مما سيؤدي إلى تنشيط الاقتصاد المغربي بشكل عام، خاصة في أقاليمه الشرقية. أما على المستوى السياسي، فالمغرب يذهب إلى أن تفعيل الاتحاد المغاربي وتحسين العلاقات المغربية والجزائرية سيخففان على الأقل من موقف الجزائر المساند لجبهة البوليساريو الداعية إلى انفصال الصحراء الغربية، وقد يؤدي ذلك إلى إيجاد صيغة سياسية لحل هذه القضية ترضي الطرفين.
أما تونس ما بعد الثورة، وفق الصديقي، فقد “سعت منذ البداية إلى تشجيع الدول المغاربية لتفعيل دور الاتحاد المغاربي وجعل الإطار المناسب لحل مشاكل المنطقة”، مشيرا إلى أن “القيادة التونسية هي المؤهلة حاليا لتقديم مبادرات يمكن أن تحظى بموافقة باقي الدول المغاربية”.
وبخصوص الجزائر، يرى أستاذ العلاقات الدولية أنه ليس لها ما يشجعها سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي للذهاب في هذا الاتجاه؛ فعلى المستوى السياسي لا زالت الجزائر، إضافة إلى موريتانيا، عصية عن تأثيرات الربيع العربي، وتشعر بأنها ليست في وفاق سياسي مع الحكومات التي أفرزتها هذه الانتفاضات، مما يمنعها من التفاعل مع المبادرات التي تسعى إلى تفعيل العمل المغاربي الجماعي”.
أما على المستوى الاقتصادي، يردف المتحدث، فلا ترى الجزائر فائدة اقتصادية من تحقيق التكامل المغاربي، نظرا لما حققته خلال السنوات الأخيرة من عائدات غير مسبوقة من النفط والغاز، بل على العكس قد ترى في مثل هذا الانفراج في العلاقات المغاربية تنفيسا على الاقتصاد المغربي”، وفق تعبير المحلل ذاته.