كشف الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، أن لدى المملكة خططاً اقتصادية عملاقة لما بعد عصر النفط بتمويلات تصل قيمتها إلى تريليوني دولار أميركي، وهو ما يعني أن الاقتصاد السعودي سوف يواصل التقليل من الاعتماد على إنتاج النفط خلال السنوات المقبلة، بما يجعل المملكة في منآى عن أي أزمات قد تنتج عن انهيار النفط أو ظهور بدائل للطاقة عنه في العالم.
وبحسب التصريحات التي نقلتها وكالة “بلومبرغ” للأنباء عن الأمير محمد بن سلمان، فإن المملكة أصبحت جاهزة الآن لأفول نجم النفط، وانتهاء عصره، وذلك بفضل امتلاكها أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، وتخصيصها مبالغ عملاقة لمشروعات ستستفيد منها الأجيال القادمة في عصر ما بعد النفط.
وكشف محمد بن سلمان أن الصندوق السيادي العملاق سيشمل بيع ما يصل إلى 5% من أسهم شركة النفط السعودية “أرامكو”.
وقال: “الطرح العام الأولي لأرامكو وتحويل أسهمها إلى صندوق للاستثمارات العامة، سيجعلان الاستثمارات من الناحية الفنية مصدراً لإيرادات الحكومة السعودية وليس النفط”، وأضاف أن طرح الأسهم قد يجري العام المقبل.
وحسم محمد بن سلمان الجدل الذي تشهده سوق النفط العالمية، واحتمالات أن تتدخل المملكة بشكل منفرد وتعدل سياساتها الإنتاجية، حيث قال في المقابلة مع “بلومبرغ” إن السعودية “لن توافق على تثبيت إنتاج النفط الخام إلا إذا فعلت ذلك إيران وكبار المنتجين الآخرين”.
وأضاف: “إذا قررت جميع الدول بما فيها إيران وروسيا وفنزويلا ودول أوبك وكافة المنتجين الرئيسيين تثبيت الإنتاج فسنكون معهم”.
وأكد محمد بن سلمان أن المملكة مستعدة لمواجهة فترة طويلة من تدني أسعار النفط، التي سجلت هبوطا حاداً منذ منتصف 2014 نتيجة لارتفاع الإنتاج العالمي.
وأضاف: “لا أعتقد أن هبوط أسعار النفط يشكل خطراً علينا”.
رؤية الأمير محمد
وشرح الأمير محمد بن سلمان في الحوار الذي استمر خمس ساعات، الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي تتبناها المملكة، والتي من ضمنها خصخصة جزء من أسهم “أرامكو”، لافتاً إلى أن الشركة ستتحول إلى “تكتل صناعي” عملاق.
كما شرح رؤيته لصندوق الاستثمارات العامة الذي سيدير أصولاً تزيد قيمتها عن تريليوني دولار أميركي، وسوف يساعد المملكة في التخلي عن الاعتماد على النفط، وكجزء من هذه الرؤية قال إن الحكومة السعودية ستبيع أقل من 5% من أسهم شركة “أرامكو”، لتتحول الشركة بذلك إلى “تكتل صناعي”، على أن الطرح العام الأولي للشركة قد يتم خلال العام المقبل.
وأضاف: “الطرح العام الأولي لشركة أرامكو، وتحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمارات العامة، سيؤدي تقنياً إلى استثمارات تصبح مصدرا للعوائد بالنسبة للحكومة السعودية، وليس النفط”، وأضاف: “يتبقى علينا الآن تنويع الاستثمارات، لذا خلال 20 عاماً سوف نصبح اقتصاداً، أو دولة لا تعتمد على النفط بشكل رئيسي”.
وبهذه التصريحات يكون الأمير الشاب البالغ من العمر 30 عاماً يعمل على تحويل اقتصاد أكبر منتج للنفط في العالم، إلى اقتصاد لا يعتمد على البترول، وذلك بعد ثمانية عقود على أول اكتشاف نفطي في المملكة.
وبحسب المعلومات التي أدلى بها الأمير لوكالة “بلومبرغ” فإن عملية بيع شركة النفط العربية السعودية “أرامكو” من المخطط لها أن تتم خلال العام 2018، أو العام الذي يسبقه، على أن صندوق الاستثمارات السيادية سوف يلعب بعد ذلك دوراً مهماً في الاقتصاد السعودي، وسوف يستثمر داخل المملكة وخارجها، وسوف يكون ضخماً لدرجة أنه سيكون قادراً على شراء شركة بحجم “أبل” الأميركية بأكملها، أو “غوغل” أو “مايكروسوفت”، وهي أكبر الشركات في العالم بالوقت الراهن.
وبحسب الرؤية التي كشفها الأمير محمد فإن صندوق الاستثمارات العامة سوف يرفع حصته من الاستثمارات الأجنبية إلى 50% من الصندوق بحلول العام 2020، مقابل 5% فقط في الوقت الراهن.
وقال إن صندوق الثروة السيادية السعودي يملك حالياً حصصاً في شركات كبرى، من بينها شركة الصناعات الأساسية السعودية (سابك)، وهي ثاني أكبر مصنع للبتروكيماويات في العالم، والبنك الأهلي، وهو أكبر مقرض في المملكة.
وقال الأمير إن الصندوق يتطلع حالياً لفرصتين خارج السعودية في القطاع المالي، لكنه رفض الإفصاح عن أسماء الوجهات التي قد تستثمر بهما المملكة، مكتفياً بالإضافة: “أعتقد أننا سوف نخلص إلى واحدة على الأقل من الفرصتين”.
ويؤكد الأمير محمد أن صندوق الاستثمار السعودي في الخارج أصبح أكثر نشاطاً من السابق، لافتاً إلى أنه في شهر يوليو الماضي استحوذ على حصة نسبتها 38% من شركة (Posco) في كوريا الجنوبية مقابل 1.1 مليار دولار، وفي الشهر ذاته وافق الصندوق على شراكة بعشرة مليارات دولار للاستثمار في روسيا.
إصلاحات وتغييرات
وتقول وكالة “بلومبرغ” إن المخطط الراهن للتغييرات الهيكلية الاقتصادية في السعودية يأتي بعد سلسلة من الإجراءات العام الماضي لخفض الإنفاق العام والتغلب على العجز في الموازنة، حيث رفعت الحكومة السعودية في ديسمبر الماضي أسعار الوقود والكهرباء، وتعهدت بوقف الإنفاق الذي لا تحتاجه البلاد، وذلك في أعقاب الهبوط الحاد في أسعار النفط.
وتعهد الأمير محمد بــ”إصلاحات سريعة” ستكون جزءاً من “خطة التحول الوطنية”، على أن هذه الإصلاحات سيتم الإعلان عنها خلال شهر واحد من الآن، بما في ذلك خطوات سوف تؤدي إلى زيادة العوائد غير النفطية بشكل مستقر عبر تدابير مختلفة، بما في ذلك رسوم جديدة وضرائب على القيمة المضافة (ضريبة مبيعات).
وقال الأمير: “نحن نعمل على رفع كفاءة الإنفاق”، مشيرا إلى أن الحكومة اعتادت في السابق على الإنفاق حتى 40% عن المخصص لها في موازنتها، لافتاً إلى أن هذه النسبة تراجعت إلى 12% في العام الماضي 2015.
وتابع الأمير: “لذلك أعتقد أنه لا يوجد لدينا أية مشكلة حقيقية في حال انخفاض أسعار النفط”.
وقال إن السؤال الآن هو هل رد فعلنا على هبوط أسعار النفط إلى أكثر من النصف جاء متأخراً، خاصة في ظل النفوذ السعودي في سوق النفط؟
وأكد الأمير محمد أن السعودية لن تجمد مستويات إنتاجها من النفط إلا إذا فعلت إيران والمنتجون الآخرون ذلك.
وتقول “بلومبرغ” إن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز يتمتع اليوم بقوة لم يكن أي شخص آخر في موقعه يتمتع بمثلها منذ تأسست المملكة في العام 1932، في إشارة من الوكالة إلى أن الأمير لديه القدرة على تنفيذ طموحاته ورؤيته بشأن الاقتصاد في البلاد.
وتلفت الوكالة إلى أن الأمير يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع في السعودية التي تعتبر حجر الزاوية اليوم في منطقة ملتهبة، كما أنه يقود الجهود العسكرية لإعادة الشرعية إلى اليمن، كما أنه يتربع على رأس مجلس القضايا الاقتصادية والتنمية، وهو المجلس الذي تأسس حديثاً في المملكة بعد تولي خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز منصبه كملك للبلاد.
وتصف الوكالة كيف التقى مراسلوها بالأمير محمد بن سلمان، حيث قالت إنه كان يرتدي ثوبا أبيض غير رسمي “كاجوال”، ويجلس في مكتبه وسط مدينة الرياض، وبدا لافتاً في المكتب صورة جده الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وإلى جانبه صورة والده الملك سلمان، وإلى جانبهما صورة ولي العهد الأمير محمد بن نايف.
Too Late Scenario