مازال اللبنانيون يتابعون قضية توقيف الأجهزة الأمنية لسبعة عشر شخصاً من جنسيات مختلفة في أحد الفنادق بشارع الحمرا في بيروت، يوم الجمعة الماضي، خوفاً من عمليات إرهابية محتملة تطال أمنهم.
وفي آخر التطورات، أفرجت الأجهزة الأمنية عن معظم الموقوفين بعد أن تبين أن لا علاقة لهم بأي منظمات إرهابية، وأبقت على فرنسي واحد أصوله من جزر القمر، اعترف للأجهزة بأنه قدم عبر مطار رفيق الحريري الدولي، وأنه كان ينتظر اتصالا لتحديد مهمته الانتحارية وكيفية تنفيذها.
وكانت بعض الصحف أشارت إلى أن هذا الفرنسي ينتمي إلى تنظيم “القاعدة”، فيما أشارت أخرى إلى أنه ينتمي إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش”.
3 أطنان من المتفجرات
وتشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات مازالت جارية مع هذا الفرنسي لمعرفة نوع السيارة التي كان سيستخدمها ومعلومات أخرى كالهدف والمكان والزمان. وكانت الأجهزة اللبنانية تلقت معلومات من أجهزة استخبارات أميركية أفادت بأن الفرنسي الموقوف كان يخطط لتنفيذ هجوم ضد هدف كبير، مستخدماً شاحنة تحوي ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة.
لكن شعبة المعلومات رفضت إعطاء أي معلومات إضافية غير تلك التي قامت بتسريبها بعض المصادر الأمنية والقضائية لبعض الوسائل الإعلامية اللبنانية، وذلك حفاظاً على سرية التحقيق الذي يتابع بجدية تامة موضوع مكافحة العمليات الإرهابية، خصوصاً أن هناك حديثاً عن أن السيارة التي فجرها انتحاري يوم الجمعة الماضي على حاجز أمني في منطقة ضهر البيدر، والذي أسفر عن قتيل وأكثر من ثلاثين جريحاً، هي واحدة من ثلاث سيارات يشتبه بأنها مفخخة ويجري البحث عنها.
السفارة الفرنسية ترفض التعليق
وفي اتصال مع “العربية.نت”، رفضت كل من السفارة الفرنسية لدى بيروت والقنصلية الفرنسية العامة، التعليق على الموقوف الفرنسي في الوقت الراهن.
وفي سياق متصل، أوقفت الأجهزة الأمنية على حاجز حربتا- اللبوة في البقاع، ثلاثة سوريين ولبنانيين، الأول من بلدة عرسال الحدودية مع سوريا، والثاني هو عمر الساطم من وادي خالد الحدودية أيضاً، والذي قيل إنه ابن عم “قتيبة الساطم” الذي قام بتفجير نفسه في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت الشتاء الماضي، لكن عائلة الساطم أنكرت أي علاقة لابنها بأي تنظيم وتحدثت عن “عمر الساطم” آخر كان يقاتل في سوريا قبل أن يغادر إلى العراق.
ويأتي توقيف هؤلاء على خلفية الاشتباه بانتمائهم إلى تنظيم إرهابي، وتزامناً مع نداء وجهته جبهة النصرة إلى عناصرها بالعودة إلى القلمون في سوريا عبر جرود عرسال.
توقيف أخطر المطلوبين
في الإطار نفسه، ألقت مخابرات الجيش القبض على ثلاثة مطلوبين بتهمة التورط في أنشطة إرهابية، من بينهم لبناني ملقب بـ”أبي عبيدة” مصنف على أنه الأخطر من بين الموقوفين، كونه المحرك لهذه المجموعات الإرهابية، وأنه من بين أبرز الأسماء على لائحة المطلوبين من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، لم يستغرب في حديث مع “العربية.نت” أن يكون الفرنسي متورطاً في تنفيذ أعمال إرهابية في لبنان.
وبحسب جابر، هناك أكثر من مئة فرنسي يقاتلون في تنظيمات جهادية في سوريا، معظمهم فرنسيون من أصول عربية أو مسلمة، وآخرون فرنسيون مسيحيون اعتنقوا الإسلام وانخرطوا في جماعات جهادية.
واعتبر العميد جابر أن كشف المخطط الذي كان ينوي الفرنسي تنفيذه قبل فوات الأوان هو إنجاز كبير للقوى الأمنية ودليل على سهرها على ملاحقة الخلايا الإرهابية التي بدأت تستيقظ بعد فترة هدوء استمرت ثلاثة أشهر، أي منذ التفجير الأخير في منطقة النبي عثمان.
أما عن أي علاقة للظهور المفاجئ لهذه الجماعات تزامناً مع ما يجري في العراق، فقد أشار العميد هشام جابر إلى أن ما يحصل في لبنان لا علاقة له بما يجري هناك، لكن لبنان مرتبط بشكل غير مباشر بالأحداث في سوريا والعراق.
عراق ثانٍ في لبنان أمر مستبعد
إلى ذلك، أكد العميد جابر لـ”العربية.نت” أنه يستبعد أن يتحول لبنان إلى عراق ثان ٍلأسباب عدة، أولاً في لبنان لا يوجد نزاع سياسي حاد كما هو في العراق، لاسيما مع الحكومة الحالية الممثلة لمعظم القوى الكبيرة في لبنان، ثانياً البيئة الحاضنة للعمليات التفجيرية في العراق ليست موجودة في لبنان.
واعتبر جابر أنه مع انتهاء ظاهرة الشيخ الفار أحمد الأسير وتوقف أحداث طرابلس بسبب تطبيق الخطة الأمنية الأخيرة، اختفى الخطاب الطائفي الذي كان يقوم على التجييش والشحن، وأيقن اللبنانيون سنة وشيعة، أن التطرف والإرهاب يطالهم جميعاً، مذكراً بتفجيرات الضاحية والهرمل التي طالت مناطق شيعية وبتفجيري طرابلس اللذين استهدفا مسجدين للسنة الصيف الماضي، وباغتيال محمد شطح في ديسمبر من العام الماضي في بيروت، وهو وزير سني سابق وأبرز مستشاري رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.
أما ثالثاً، فيضيف العميد جابر، في لبنان القوى الأمنية والجيش اللبناني متماسكة، وهناك إجماع شعبي لبناني على تأييد الجيش كونه صمام الأمن للوطن.
وأشاد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر بالتعاون الكبير بين الأجهزة الأمنية الذي يأتي في سياق غرفة العمليات المشتركة، لكنه في المقابل رأى أن الوضع كان سيكون أفضل فيما لو كانت الأجهزة الأمنية تعمل تحت إمرة واحدة، أي من خلال غرفة عمليات مركزية تعمل على مدار الساعة بواسطة مندوبين يتبادلون المعلومات الاستخباراتية والأمنية فور ورودها.
وإن لم يخف العميد جابر أهمية المعلومات التي تحصل عليها الأجهزة الأمنية من جهات استخباراتية أجنبية ساهمت في كشف عدد من المخططات، إلا أنه يدعو إلى عدم الركون إليها والمراهنة عليها، كون هذه الجهات تعمل وفق أجندات معينة تخدم مصالحها بالدرجة الأولى، فهي قد تكشف معلومات للأجهزة اللبنانية فيما قد تحجب معلومات أخرى لا تقل خطورة، داعياً إلى التعامل مع هذه المعلومات بحذر.