تبرأت أعلى السلطات في كل من المغرب وإسبانيا من أي يد لها فيما بات يُعرف بقضية الإسباني “دانييل غالفان فيينا”، الذي اغتصب 11 طفلا قاصرا مغربيا في مدينة القنيطرة، وحكم عليه سنة 2011 بـ30 سنة سجنا نافذا لم يقض منها سوى سنة ونصف، بعد أن حظي بعفو ملكي خاص بمناسبة الذكرى 14 لتسلم الملك محمد السادس مقاليد الحكم في بلاده.
وفيما أكد بلاغ للديوان الملكي بالمغرب، صدر مساء أمس السبت، بأن الملك لم يكن يعلم بهوية المجرم الذي تم إطلاق سراحه، ولا بطبيعة الجرائم الشنيعة التي اقترفها في حق الأطفال، فإن القصر الملكي الإسباني أفاد بأن الملك خوان كارلوس طلب بالفعل من نظيره المغربي العفو لصالح مجموعة من الإسبان، ولكنه يجهل وجود اسم الإسباني دانييل ضمن لائحة المستفيدين.
وأطلق العفو الذي حظي به المجرم الإسباني، الذي اغتصب 11 طفلا كانت تتراوح أعمارهم بين 4 و14 سنة، شرارة من الغضب العارم في الشارع المغربي، حيث تم تنظيم وقفات احتجاجية صاخبة في العديد من مدن البلاد، فرقتها قوات الأمن بالقوة.
وتحول تنديد ناشطين حقوقيين في المغرب بإطلاق سراح المغتصب الإسباني، إلى شجب استخدام القوة والعنف من طرف قوات الأمن في حق المتظاهرين السلميين، الأمر الذي زاد من احتقان الوضع، قبل أن يهدئ بلاغ الديوان الملكي قليلا من احتدام الغضب الشعبي.
تقنين العفو
وحاولت الناشطة الحقوقية نجاة أنوار، رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي” (أي “لا تلمس ابني”) الموازنة بين واقعة العفو الملكي عن المجرم الإسباني، وبين الجانب الحقوقي في القضية، بقولها لـ”العربية.نت” إن العفو يظل أمرا سياديا خاصا بالملك وفق الدستور، غير أنه يتعين على السلطات المختصة عدم السماح للمجرم بدخول البلاد مرة ثانية.
وكشفت أنوار أن جمعيتها راسلت في هذا الصدد سبع منظمات إسبانية تنشط في مجال محاربة الاعتداء الجنسي على الأطفال، وذلك بغرض تشديد الخناق على ذلك المجرم، و”تحسيس الرأي العام الإسباني بخطورة الاعتداءات التي قد يرتكبها في حق أطفال آخرين بإسبانيا”.
ومن جانبه أكد محمد طارق السباعي، في تصريحات لـ”العربية.نت”، أن العفو عن المغتصب الإسباني يعد “فضيحة قانونية وإنسانية” لم يشهدها المغرب من قبل، تُعزى إلى إهمال خطير شاب عمل لجنة العفو التي هيأت قوائم الإفراج عن 48 سجينا إسبانيا بعد زيارة العاهل الإسباني للمغرب قبل أيام.
واعتبر السباعي أن خاصية العفو يجب ألا تظل مركزة بشكل مطلق بيد الملك، مشيرا إلى أنه يجب، في نفس الوقت، أن يتم تقنين آلية العفو حتى لا يستفيد منه المعتدون على الأطفال جنسيا، أو تجار المخدرات، أو من ينهب أموال الدولة، لكونها جرائم لا تستحق الشفقة، ولا يمكن إسقاطها بالعفو.
ظلال القضية
وتحدثت صحف إسبانية، من بينها صحيفة “الباييس”، عن “اتفاقية” بين المخابرات المغربية والإسبانية أثمرت العفو عن الإسباني “دانيال”، باعتبار أن هذا الأخير اشتغل عميلا يقدم معلومات لفائدة المخابرات الإسبانية، عندما كان يعمل ضابطا سابقا في المخابرات العراقية.
وعلمت “العربية.نت” بأن المغتصب الإسباني المعفى عنه من طرف السلطات المغربية كان يتوفر على ثلاثة جوازات للسفر، أحدها باسمه العراقي غضبان بينيا صلاح، والثاني بهويته الإسبانية المتداولة “غالفان دانييل”، وجواز السفر الثالث باسم آخر.
والتزمت الحكومة المغربية الصمت بخصوص طريقة مغادرة “دانيال” السجن، ومصيره في إسبانيا، ولم تشر في بيان لها سوى أنه تقرر رسميا ترحيل المجرم الإسباني وإغلاق الحدود في وجهه، كما أوضحت بأنه عفو أملته “المصالح الاستراتيجية” بين البلدين، بعد التماس العاهل الإسباني من ملك المغرب الإفراج عن عدد من سجناء بلاده.
تضارب مواقف
واختارت الصحف ووسائل الإعلام الرسمية بالمغرب “السلامة” بتجاهل غضب الشارع، والضجة التي أثارتها قضية العفو الملكي عن المغتصب الإسباني، حيث اكتفت بنقل وبث البلاغات الرسمية التي صدرت من وزارة العدل خصوصا، ثم بلاغ الديوان الملكي أمس السبت.
ونهجت صحف المعارضة خطا مغايرا، حيث هاجم عدد منها الحكومة بسبب “ارتباكها الكبير” في تصريف مواقفها وتدبيرها، وسط زخم من التعبيرات الرافضة لإطلاق سراح المغتصب الإسباني، حيث تجلى ذلك، بحسب هذه المنابر، في تضارب المواقف بين الناطق الرسمي باسم الحكومة وبين وزير العدل والحريات.
وكان مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد أكد بُعَيْد اندلاع قضية العفو عن المغتصب الإسباني بأنه لا علم له بمسألة العفو، قبل أن يستدرك في حديث للصحافة بأن الحكومة قررت ترحيل المدعو “دانييل”، ومنع دخوله التراب الوطني مرة أخرى.
وبالمقابل خرج وزير العدل مصطفى الرميد ببلاغات متتالية تحدث فيها عن العفو بكونه “قرارا ملكيا أملته مصالح وطنية حينما يتعلق الأمر بمواطنين أجانب، مشيرا إلى أنه “إذا كان قد استفاد منه شخص ضالع في ارتكاب جرائم معينة، فقد تم ترحيله ومنعه من الدخول إلى البلاد نهائيا”.
بيْد أن بلاغ الديوان الملكي جاء لينسف رواية وزارة العدل عندما أكد بأنه “لم يتم بتاتا إطلاع الملك بأي شكل من الأشكال، وفي أيّة لحظة، بخطورة الجرائم الدنيئة المقترفة التي تمّت محاكمة المعني بالأمر على أساسها”، مبرزا بأن “الملك لم يكن قط ليوافق على إنهاء إكمال دانييل لعقوبته بالنظر لفداحة هذه الجرائم الرهيبة”.